مقالات

اللامركزية هي “ترمومتر” التنمية العادلة

التأم يوم أمس بنواكشوط مؤتمر للعمد الموريتانيين وسط حضور رسمي و “مدني”ضم مناضلين و مناصرين و أصدقاء و شركاء للامركزية المنكب بالمنكب مع بعض الغرماء و “غلاة المركزية” و “صقور مناهضة اللامركزية” من خريجي المدارس و التجارب الإدارية الكلاسيكية الذين لا يفهمون أن اللامركزية إصلاح إداري يتكئ علي الأقربية و المشروعية بل يعتبرونها خصما من رصيد و صلاحيات الدولة و إضعافا لسلطانها و هيبتها.
كما حضر المؤتمر العديد من شركاء التنمية الذين يعود لهم كبير الفضل في ” توريد” و مواكبة التجربة الموريتانية في اللامركزية تأطيرا و دعما فنيا و تمويلا ماليا… منهم الاتحاد الأوروبي و البنك الدولي و التعاون الألماني و الفرنسي و الإسباني…
و قد افتتح أشغال المؤتمر السيد رئيس الجمهورية بخطاب ثمن التجربة البلدية الموريتانية و دعا إلي ترسيخ هذه التجربة و أوضح أن السلطات العليا تترقب التوصيات التي ستصدر عن هذا المؤتمر متعهدا بأن تحظي تلك التوصيات بكامل الدراسة و العناية و “الأخذ بعين الاعتبار”.
و هذا التعهد المشكور من السيد رئيس الجمهورية و الذي يعبر بجلاء عن الإرادة السياسية العليا في مواكبة تطلعات الفاعلين و المناضلين الأساسيين في مجال اللامركزية يضع أعباء “ثقالا” علي منظمي المؤتمر.
الأمر الذي يحتم عليهم الوعي بحجم المسؤولية المنوطة بهم و رفع سقف طموحاتهم التي ستترجمها توصيات المؤتمر إلي ما يتناغم مع الإرادة السياسية العليا و ينسجم مع تطلعات المواطنين الموريتانيين في ترسيخ لا مركزية توفر للمواطنين خدمة إدارية “أكثر أقربية” و أقل كلفة و أرسخ مشروعية…
و لا غرابة في أن تشي فقرات خطاب السيد الرئيس التي تطرقت إلي مطالبة العمد بالاستفادة من النتائج المستخلصة من الزيارات الرئاسية الميدانية من جهة و التعهد بالأخذ بعين العناية و الاعتبار لتوصيات المؤتمر من جهة أخري بتنزل تعهدات رئيس الجمهورية في سياق استخلاص الدروس من الزيارات الميدانية التي أداها لبعض الولايات و المقاطعات و المراكز الإدارية و القري و الحواضر و التي قد تكون مكنته من ملاحظة النواقص الكبيرة في مجال تقريب الخدمات الإدارية من المواطنين و إنجاز مستلزمات التنمية المحلية.
كما قد تكون مكنته تلك الزيارات أيضا من ملاحظة أهمية المرافق البلدية في توفير تلك الخدمات الإدارية و نجاح البرامج و المشاريع التي تعتمد مقاربة بلدية في مقابل تعثر و |”دبيب” البرامج و المشاريع الفوقية و العمودية المعدة و الموجهة من المركز مما يؤكد أن التنمية ذات المقاربة البلدية هي ” الخلية الأم” للتنمية العادلة و الناجعة ذلكم أنه من المجمع عليه لدي كل الاقتصاديين و خبراء محاربة الفقر أن “التنمية تكون محلية أو لا تكون.”
ضف إلي ذلك أنه من المتفق عليه أن اللامركزية هي “ترمومتر “التنمية العادلة فكلما رسخت اللامركزية و توطدت كلما استقر التوازن بين المركز و الأطراف، بين المدن الكبري و القري و اطمأن الجميع و خصوصا ضحايا ماضي الإقصاء و التهميش إلي أنهم محط الاهتمام و مركز الاعتبار و أنهم يديرون شؤون دنياهم بأنفسهم من غير وصاية و لا إمارة من أحد و تحققت التنمية الشاملة و العادلة و كلما انكمشت اللامركزية و انحسرت كلما تغول انعدام التوازن و استفحل الغبن و الحيف و ضاعت التنمية في غيابات سوء التخطيط والاستشراف و دهاليز البيروقراطية و نقص المتابعة.
و أحوج ما يحتاجه الموريتانيون اليوم مع “فائق الاستعجال” هو التنمية العادلة، التنمية التي تحقق التوازن المناطقي و تمنح قدرا غير قليل من التمييز الإيجابي للمناطق الحاضنة لرواسب الاسترقاق و تحقق تنمية قاعدية تثمن الإنتاج المحلي و تشكل حزام أمان ضد الخطاب الشرائحي و العنصري و الحقوقي و المناطقي المتطرف و ما دام أحد السبل إلي ذلك هو ترسيخ اللامركزية فإن الأخيرة تصبح “فريضة وطنية”.
و بعيدا عن السعي إلي استباق توصيات مؤتمر العمد المذكور فيجدر التنبيه إلي أن هذا المؤتمر ينعقد بعد قرابة ثلاثين عاما علي إرساء الجيل الأول من اللامركزية أعني التجربة البلدية التي تأسست سنة 1986 مما يستدعي مساءلة التجربة و تشخيصها و اقتراح تصحيح و ترشيد أخطائها و أخطاء الغير ( الدولة و الشركاء الآخرين) اتجاهها.
و ليس من المستبعد أن يتناول التصحيح المطلوب ترفيع الإطار المؤسسي و التنظيمي الخاص باللامركزية و تحقيق المواءمة و المناظرة بين تحويل الصلاحيات و تحويل التمويلات و التفكير حول إنشاء نظام جامع مندمج لتمويل البلديات وإنشاء نظام أساسي لوكلاء و موظفي البلديات و المؤسسات العمومية والانتقال إلي الجيل الثاني من اللامركزية…
تلكم مخرجات “تفكير بادي الرأي” سجلتها علي عجل بعد ما علمت من وسائل الإعلام الألكتروني،و كان حريا أن أعلم من غيرها، بانعقاد المؤتمر السادس للعمد الموريتانيين وسط توقعات من خبراء اللامركزية المتابعين لوقائع المؤتمر بالخروج بقرارات و توصيات تتأرجح بين احتمالي”التحديث الخجول” و الإصلاح الجذري و رجائي و أملي و دعائي أن تصدق التوقعات المتعلقة بالإصلاح الجذري فلا أحد يتحمل صدمة أن يتمخض “جبل مؤتمر العمد الموريتانيين” فلا يعلن ميلاد حقبة جديدة من اللامركزية و التنمية المحلية…

المختار ولد داهي ، سفير سابق
خبير تقييم السياسات العمومية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى