مقالات

من سجل الذكريات بقلم/ يحيى ولد سيد المصطف

الزمان : 20 مارس 1983،

المكان: مقاطعة كرمسين ، بولاية الترارزة واليها حينئذ الرشيد ولد صالح، رحمه الله…وقائد المنطقة العسكرية اعل ولد محمد فال، رحمه
الله تعالى وأكرم مثواه،

المناسبة: زيارة تفقد واطلاع يقوم بها الرئيس محمد خون ول هيدالة، أطال الله تعالى في عمره وصحته، لولاية الترارزة الوفد المرافق للرئيس
الشيخ سيد أحمد ول بابمين الأمين الدائم للجنة العسكرية للخلاص الوطني، إطالة الله عمره.
مولاي هاشم ول مولاي أحمد رحمه الله تعالى، مفوض الأمن الغذائي… أنكام لروان رحمه الله، نائب وزير الداخلية والمواصلات، أو “رضوان”، كما أسمته أمه، لكن كاتب المستعمرين لم يستطب “رضوان” فكتب ‘لروان’.
القاضي محمد ولد يوسف، أطال الله عمره، مستشار برئاسة الدولة الحسن ولد مولود مدير الإدارة الإقليمية بوزارة الداخلية، أطال الله في عمره، محمد ولد حمدان مدير التدخل السريع بمفوضية الأمن الغذائي، أطال الله في عمره وعافاه…بعثة من ثلاثة أشخاص من وزارة الإعلام صحفيان ومصور، وعلي ما أذكر فالوفد الرئاسي كان يتألف من سيارتين فقط بمن في ذلك أشخاص الحماية الأمنية…
وكان الرئيس هيدالة، بعد فشل محاولة 16مارس1981، متمكنا مهابا، قراراته لا مراجعة فيها…
ولئن كان زاهدا في النشب ولا يظهر أية أبهة، فإنه يمسك الدولة إمساك قائد الثكنة العسكرية بثكنته، فالكل يحس برقابة السلطان ويخشي أن تبدر منه مخالفة إن لم تدخله السجن فقد تخرجه من الوظيف أو تذهب به إلي منفًى، بعيد من مسقط رأسه..
بدأ الرئيس زيارته بمقاطعة المذرذرة ثم أتبعها مقاطعة كرمسين
أو “مسين”، كما يحلو لأدبائها وأعيانها أن يسموها، وهي مقاطعة
جميلة ووادعة، وكانت تتميز بجمال الطبيعة والتضاريس واعتدال الهواء، تهب عليها رياح المحيط الباردة من الساعة 11 قبل الزوال وتستمر حتي الساعة 6 صباحا أغلب الفصول وأهلها أكارم طيبون كل يقدر مكانة الآخر جيدا ويتساكنون في وداد ولا توجد بها خصومات في الأحوال الشخصية ولا نزاعات علي العقارات ولا مشاحة في الديون فقد أمضيت فيها حاكما زهاء سنتين لا أتذكر تظلما رفع إلي، ولا بواسطتي للوالي…
وشعبها من أشد المكونات الوطنية وعيا باحترام البيئة فلا قتل للأشجار الحية ولا حرق للأخشاب فالجميع
يستخدمون غاز البوتان في الطبخ والإضاءة.. وقد أخبرني قاضيها، وهو فقيه فاضل، أنه لبث قبلي فترة من الزمن إضافة إلي فترته معي ولم يأت إليه خصم في أي نزاع اللهم، والحديث له، باستثناء خصومة في إلحاق نسب والمتخاصمان فيه أحفاد من يراد إلحاق النسب أوفسخه..
(رجع الحديث إلي زيارة الترارزة)..
وفي مستهل زيارة كرمسين تلقينا الوفد بعد صلاة العصر في قرية الخواره التي هي أقرب نقطة إلي مركز تكند الإداري ومع أن أغلب المجموعات علي طول الطريق من *الخَوّارَه حتي لبِّيرَدْ* ليست راضية عن النظام بعد تنفيذ الحكم بقادة محاولة 16 مارس، إلا أن غلبة الدولة بما في ذلك تأثير وسائل الإعلام والخوف علي المصالح، كل ذلك جعل الجميع ينظمون استقبالات ويصطفون على الشارع مرحبين ورافعين اللافتات المعبرة عن التمسك بالنظام وتوجهاته وإنجازاته وبهياكل تهذيب الجماهير التي كانت بديلا عن الأحزاب وعن الديمقراطية وعن الأغلبية والمعارضة والمجتمع المدني والبلديات والجهويات، لم يكد الوفد يصل كرمسين، عاصمة المقاطعة، إلا بعد صلاة العشاء وقد كانت الطبول والزغاريد وأناشيد تلامذة المدارس على أشدها، مع أن الظلام كان يلف جمال المظهر بشكل كثيف، إذ الإنارة العامة غير موجودة، وفي الصباح (حدود 10)، بدأ المهرجان الخطابي للرئيس، وتدخل الأطر والوجهاء.. همست في أذن الوالي، رحمه الله، برأيي في تنظيم المتدخلين فقال لي: نحن الإدارة نفسح المجال للأطر للحديث فأعطيت الميكرفون لامحمد ولد سيد باب ولد أحمد يور، وكان مسؤول الإنعاش بلجنة المقاطعة فرحب باسم المقاطعة، أطال الله في عمره، وأبدي موقف المساندة والتعلق بتوجهات القيادة والاحتياجات الملحة للسكان، ثم تكلم منسق المنطقة المحلية ومسؤول الشباب، حَمَنْ ولد الصّابر، رحمه الله..
ثم أعطيت الكلام للاستاذ عابدين ولد التقي، أطال الله بقاءه ومن جملة ما قال:
(انا إسمي عابدين ولد التقي،لا يختلط إسمي باسم أي أحد من المقاطعة، ثم استرسل بكلام في منتهي الشجاعة وكأنما يتنبأ بأنه سوف يصير محاميا، مع أنه آنئذ أستاذ لغة عربية بثانوية روصو وقال: (السيد الرئيس يجب عليكم أن لا تغتروا بمن يصفق لكم ويزغرد، فيوم ينقلب عليكم أو تخرجون من السلطة حينذاك سوف لا يذكركم ذاكر ولا يزوركم زائر، بل العكس من ذلك فستقام ضدكم حملات لذلك فاعدلوا بين الناس وساووهم في المناصب والوظائف وابنوا إنجازات يذكرها لكم التاريخ السيد الرئيس الترارزة منسية من كل شيء…)
وكان الرئيس أثناء المداخلة يتبادل النظرات مع بعض أعضاء الوفد وكنت أخشي علي عابدين من الجرأة غير المتوقعة أمام الرئيس كما أخشي على نفسي من غائلة الموقف المعارض..
الحمد لله علي السلامة، لم يلحق بالأستاذ عابدين أي ضرر ولا ملاحقة، وأنا كذلك لم أسأل عن خلفيات التدخل ولا لماذا هذه الجرأة.
وقبل أن أنهي هذه الحلقة من سجل
الذكريات أذكر بأن تعريب القضاء، وإنشاء المعهد العالي للدراسات الإسلامية ومشروع الجامعة وإنشاء التلفزة، كل هذا كان من إنجازات الرئيس محمد خون ولد هيداله، رغم ما شاب فترة حكمه .

يتواصل، إن شاء الله…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى