الأخبار

جميل منصور يستعرض الضمانات المطلوبة لأجل رئاسيات توافقية (نص الوثيقة)

قد لا يختلف كثيرون في أن الأجواء منذ حين لم تكن مريحة فالتباين يسود أوساط القوى المعارضة و الانتخابات التي جرت لم تحل الأزمة السياسية و الناس يتساءلون بلسان الحال أو المقال : إلى أين نحن سائرون ، و هكذا كان الجميع في حالة ترقب وانتظار جاءت فكرة منتدى “الديمقراطية و الوحدة ” لتضع لها حدا ، جاءت فكرة المنتدى لتبعث أملا جديدا و تفتح آفاقا يستطيع منظموه و المشاركون فيه أن يضمنوا لها تميزا و بلوغا لأهداف الإصلاح و التغيير التي ينشدها الموريتانيون ، و لاشك أن الناظر لحجم المشاركة في منتدانا هذا و لتنوعها و لمستوى المشاركين و نوعيتهم ولطبيعة المواضيع المبرمجة سيتأكد أن هذا الأمل مبرر و وارد:

إن حجم التراكمات في عملنا الوطني و في أدائنا السياسي بكل ما تضمنته من نجاحات وإخفاقات ينبغي أن تشكل مادة للتدبر و التقويم حتى تكون رؤيتنا اليوم و مقترحاتنا اليوم أكثر قابلية للسلامة و النضج ، و يلزمنا في هذه المناسبة أن تكون نقاشاتنا جدية و صريحة ومسؤولة فما نريده و يليق بنا أكبر من العفوية و لا تناسبه العاطفية ويضر به اللبس و التدليس ، إن تداولا حرا و جريئا يستحضر أصحابه أوضاع بلدهم و تحديات اللحظة و جسامة المسؤولية مطلوب من جميع المشاركين على اختلاف أنواعهم و انتماءاتهم التنظيمية.

في السياق :

إن موريتانيا تعيش في محيط إقليمي تتقدم عدد من دوله في اتجاه دولة القانون والديمقراطية وتحقق شعوب منه مزيدا من الإنعتاق و القطيعة مع أنظمة الأحادية والاستبداد ، من السنغال وتجربة التداول بعد الحوار و المغالبة إلى تونس و ثورة الكرامة ثم حوار التوافق و مرورا بالتطور النوعي في المغرب و مالي و النيجر ، تتمدد الحالة الديمقراطية على نحو يغري الشعوب و يزعج و يخيف الأنظمة الاستبدادية ، و هكذا فالشعب الموريتاني يتطلع إلى أن يكون في مستوى يليق به ويستحقه و يحتاجه مثل إخوانه و جيرانه و أصدقائه

لقد ظلت بلادنا منذ انطلاق المسار الديمقراطي حبيسة التكيف الشكلي مع الديمقراطية مع بقاء جوهر النظام العسكري و الأحادي و لم يستطع القوس المحدود للرئيس المدني المنتخب و الذي وضع له حد بالانقلاب العسكري الصريح أن يغير من هذه الصورة ، و هكذا ينبغي للتصور الإصلاحي أن يضع في الاعتبار أن الهدف ليس لحظيا و ليس محصورا في إصلاحات انتخابية تناسب لحل مشكلة استحقاقات حالة فحسب و إنما عمل جاد و متراكم لتحول حقيقي نحو الديمقراطية و دولة القانون .
لقد أكدت الانتخابات الماضية و التي شهدت من الخروقات و المخالفات في تحضيرها وتنظيمها و نتائجها الكثير أن الحاجة ماسة و ملحة لتوفير ضمانات جدية قبل أي استحقاقات أخرى خصوصا إذا كانت رئاسية و نحن كما تعلمون في نظام رئاسي بامتياز و هكذا يكون مبررا أن نطرح تصورات و مقاربات حول ما نراه لازما حتى نتقدم إلى أهم استحقاق انتخابي بروح توافقية توفر قدرا من الاطمئنان لجميع الفرقاء ، و نحن حين نفعل ذلك فإننا نتصوره معينا على خروج حالة الانسداد و الأزمة التي خلفتها الممارسات الأحادية و الاستبدادية لهذا النظام وبأسلوب حضاري يقوم على منهج الحوار وسيلة و لكنه الحوار الجدي الذي توفر له وسائل النجاح و ليس الحوار الذي يأتي في الوقت الضائع و يكون بالأساليب الضائعة .

الطريق إلى الرئاسيات :

لسنا هنا بصدد نقاش حول النظام الرئاسي و مقارنته بغيره و أي الأنظمة أنسب وأكثر خدمة لأهداف الديمقراطية و الاستقرار و التوازن ، و لكننا نقدر على القول بأن الحاجة ماسة لتوازن ملموس بين السلطات يعطي للرقابة معناها و يسهل عملية التداول و لا يجعلها مكلفة و بالتالي صعبة المنال ، المهم الآن ليس هذا و لكن حضوره في الأذهان و الاستعداد للتداول حوله مستقبلا بروح لا تأسرها الاختيارات الحزبية المغلقة أمر مطلوب ، المهم الآن هو بلورة تصورات متكاملة و اقتراحات جدية تخرج خلاصات في شأنها عن هذا المنتدى حول انتخابات رئاسية توافقية تصحح القاعدة و تفتح آفاقا لوضع يتيح للجميع أن يأخذ موقعه في المشهد السياسي الوطني .
من المهم هنا أن نوضح أننا في الورقات الافتتاحية لهذا المنتدى لا نقدم خلاصات و لا نختم القول في شأن الموضوع المثار بل نقدم آراء و نطرح مقاربات و نحدد إشكالات ليتمكن المشاركون من التداول و النقاش يضيفون و يعدلون ، يقدرون و يسددون حتى تخرج النتائج والخلاصات أكثر عمقا و دقة و موضوعية .
تطرح الانتخابات القادمة سؤالين كبيرين – كأي انتخابات – سؤال الحرية و سؤال الشفافية وهو ما يمكن ترجمته في عنوانين كبيرين عنوان الإشراف بمعناه المؤسسي و السياسي و الذي يضمن تكافؤ الفرص و اطمئنان جميع الأطراف و يجعل الدولة للجميع و ليست طرفا للبعض وضد البعض الآخر ، و عنوان التنظيم بما يعنيه من أجهزة و آليات و خطط تقوم على الانتخابات و تترجم شفافية تجعل الجميع قابلا بما يرى منتصرا كان أو خاسرا و هنا لترجمة هذين السؤالين و كذلك العنوانين تطرح الأفكار التالية :

  • • موضوع الحكومة التوافقية أو حكومة الوحدة الوطنية أو الحكومة المحايدة : و التي تضمن أن هذا الجهاز الهام ذا السلطة على مختلف قطاعات الدولة و خدماتها لن يتحول إلى طرف في المنافسة و يجير قوة و عنوان و خدمات و إمكانيات السلطة العمومية لصالح طرف معين بل سيحترم قوانين الجمهورية و يضمن الحياد و لعل الانتخابات الأخيرة أوضحت كم هو هذا النظام مستعد لتجيير الحكومة مصر على ذلك سواء بالنسبة للقطاعات الخدمية في الحكومة و حتى تلك السيادية .
  • • موضوع المؤسسات القائمة على الانتخابات دستوريا أو تهيئة أو مباشرة مثل المجلس الدستوري و الإدارة العامة للسجل السكاني و الوثائق المؤمنة و اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات و الإدارات ذات الصلة في وزارة الداخلية و ما يلزم في شأن هذه المؤسسات من حيث طريقة تعيينها و الأشخاص الصالحون لها و الصلاحيات المخولة لها و الضمانات التي تحرر عملها من التوجيه السياسي و الابتزاز المالي.
  • • موضوع حياد الإدارة حيادا حقيقيا يجعل المواطن في وضع يسمح له بالاختيار الحر و لا يخشى مآلا إن صوت هنا أو هناك ، و هنا لا يخفى على كل المتابعين للمسار السياسي و الانتخابي للبلد أن من أخطر ما أفسد الحياة السياسية و جير المنافسة الانتخابية هو التوظيف الصريح من قبل السلطة و حزبها أو أحزابها للإدارة والموظفين العموميين و الوسائل العمومية و التعيينات العمومية و الشركات العمومية والمال العمومي والمعنى العمومي ، يزداد الأمر خطورة و استنكارا حين يتجاوز المؤسسات المدنية إلى العناوين العسكرية و الشخصيات العسكرية و التهديدات العسكرية في تخويف الناس و دفعهم في اتجاه و ضد آخر , و في هذا تبرز وضعية كبرى المؤسسات العمومية و شبه العمومية مثل ش و ص م ” سنيم ” و شركة الكهرباء ” صوملك ” و شركة المياه ” سنده ” و ش إ ت ” سونمكس ” و غيرها التي أصبحت تستغل على نحو فج أسقط معناها وقيمتها من أعين الناس و الشركاء ، وهكذا يكون التفكير الجدي على المستويين القانوني و العملي لتحرير الإدارة والصفقات العمومية و القوات المسلحة و قوات الأمن من التسييس أولوية لأي إصلاح انتخابي مطلوب و لعل الاقتراحات التالية جديرة بالاهتمام و النقاش في منتداكم المحترم : – الإعلان الرسمي من قبل القائد الأعلى للقوات و هو رئيس الجمهورية تحريم أي ممارسة للعبة السياسية على القوات المسلحة و قوات الأمن و على قياداتها بالأساس – التزام معلن للقيادات العسكرية و الأمنية بذلك و أنهم على مسافة واحدة من جميع الفرقاء السياسيين – أن يكون من مسؤوليات و صلاحيات و متابعات الأجهزة القائمة على الانتخابات التأكد من ذلك – ضبط أسقف تمويل الحملات الانتخابية و الإسهامات الفردية فيها – مراجعة و تنظيم تصويت العسكريين والأمنيين – مراجعة النصوص ذات الصلة بالشأن الانتخابي على نحو يحقق سابق المذكور وغيره مما يتطلبه الإصلاح الانتخابي – فتح وسائل الإعلام العمومية على نحو مستمر و متشاور عليه
  • • موضوع الجوانب الفنية سواء تعلقت بالملف الانتخابي إعدادا و ختما أو تعلقت بالإحصاء السكاني مسارا و اكتمالا و إجراءات أو باللائحة الانتخابية و إشراك جميع المعنيين في شأنها أو بعمل اللجنة المستقلة للانتخابات و فروعها و طاقمها و تمويلها و صيغ عملها و صلتها مع مختلف الجهات.
  • إن ما ذكر و غيره مما سيضيفه جمعكم الكريم و ما نستفيده من التجارب الناجحة من حولنا ينبغي أن يكون مادة لنقاش صريح يضع أصحابه نصب أعينهم أن الهدف هو وضع جديد وحالة جديدة من شأنها أن تجعل الانتخابات ذات معنى و قابلة لأن تفتح الباب أمام التداول السلمي في بلادنا بعيدا عن أحادية لم تعد مقبولة و لا ممكنة و دون مسارات لا يتحملها الناس و لا تغري بعض نماذجها من حولنا .

إن وضوح الرؤية هنا ضرورة و وضوح السبيل إلى تحقيقها لازم لإحياء الأمل من جديد في نفوس الحادبين على إرادة التغيير و الإصلاح في هذا البلد ، و لاشك أن تفضيلنا لأسلوب الحوار الجدي حول هذه القضايا مبرر بشرط أن يكون هذا الحوار مجديا و مسؤولا ، و مع الحرص على هذا الحوار و الحرص على دخوله بروح إيجابية تبغي نجاحه ، يكون لزاما على مكونات هذا المنتدى و كل الديمقراطيين أن يشفعوا رؤيتهم و قد ناقشوها و محصوها بما تستحقه من إسناد إعلامي و نضال جماهيري و نشاط دبلوماسي فينطلقوا في توعية واسعة بالمنتدى و نتائجه حول الرئاسيات التوافقية المطلوبة و في فعاليات شعبية تظهر انتساب الناس لهذه الرؤية و تعزز مطالب السياسيين بدعم الجماهير و في تحركات دبلوماسية تشرح لشركاء البلد أهمية التحول المطلوب .
أيها الإخوة و الأخوات ، الأفاضل و الفضليات تلك بعض الآراء و العناوين و الاقتراحات أهم عناصر الجدة فيها صيغة طرحها تعطونها بنقاشاتكم و ملاحظاتكم و تسديداتكم حيوية تحتاجها و تحيينا يلزم في حقها ، فلا تبخلوا علينا أيها الجمع الكريم و على بركة الله النقاش النقاش والتمحيص التمحيص و الله من وراء القصد و هو يهدي السبيل .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى