قررت أرملة المفكر الجزائري الراحل محمد أركون السيدة ثريا اليعقوبي أن تقدم خزانته الشخصية بأكملها هدية للمكتبة الوطنية فى المملكة المغربية.
المبادرة جاءت امتداداً لمشاعر المفكر الراحل صاحب “نقد العقل الإسلامي” نحو المغرب الذي أوصى بأن يدفن فيه. وفعلاً ووري جثمانه في مقبرة الشهداء في مدينة الدار البيضاء في الرابع عشر من سبتمبر (أيلول) 2010 عن عمر ناهز 82 سنة.
الخزانة التي وهبت للمكتبة الوطنية في الرباط، تضم أكثر من 12 ألف كتاب (خمسة آلاف مؤلف وسبعة آلاف مجلة)، معظمها ينتمي إلى حقول الفلسفة والنقد والتاريخ والترجمة. وتم توقيع “اتفاقية هبة” بين إدارة المكتبة الوطنية وعائلة المفكر الراحل ممثلة في زوجته ثريا اليعقوبي، رئيسة مؤسسة محمد أركون للسلام بين الثقافات. وتقضي هذه الاتفاقية بنقل محتويات خزانة محمد أركون المغربية فضلاً عن أرشيفه إلى فضاء خاص بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، لتكون متاحة لعموم الطلبة والباحثين، كما ستخصص المكتبة الوطنية حيزاً يكون بمثابة متحف رمزي يضم مكتبه والأدوات التي كان يستعملها الراحل في الكتابة. وقد حضر حفل التوقيع وزير الثقافة ووزير الشؤون الإسلامية ورئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، ووجوه من عالم الثقافة والفكر، فضلاً عن أصدقاء الراحل.
وقد عبر مدير المكتبة الوطنية محمد الفران عن افتخاره بحصول مؤسسته على هذا الإرث الثقافي والفكري الكبير، مؤكداً أن هذا الحدث هو مناسبة للعودة إلى تجربة أركون من لدن الباحثين والدارسين المغاربة، كما أكدت أرملة المفكر الراحل حبه للمغرب، وانشغاله الدائم بالتراث الفكري والحضاري لهذا البلد الذي كان يضعه في المرتبة نفسها التي يضع فيها بلده الأصلي الجزائر.
الخصوصية المغاربية
ويأتي حب أركون للمغرب في سياق احتفائه الدائم بالخصوصية المغاربية، وتقديره تاريخ المغرب الذي يمتد إلى قرون عدة، وما عرفه هذا التاريخ من تحولات كبرى بدءاً من الحضارة الأمازيغية العريقة إلى مرحلة وصول الإسلام وما بعدها. فأركون، المؤرخ قبل المفكر، يعرف تاريخ المغرب جيداً، وقد احتفى بهذا التاريخ مرات عدة في مقابلاته التلفزيونية، خصوصاً في الوسط الإعلامي الفرنسي.
ويعتبر محمد أركون رمزاً للمثقف الذي يؤمن بضرورة اندماج البلدان المغاربية في نسق تفاعلي يعود على المنطقة بالنفع، بدل الانجرار وراء صراعات سياسية تضع بلداناً متجاورة ويجمع بينها مشترك ثقافي كبير في فخاخ النزاعات التي لا طائل منها.