حذر المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية وهو هيئة بحثية مستقلة، أمس من انعكاسات سياسية واقتصادية كبرى لحقل الغاز المكتشف مؤخراً على حدود السنغال وموريتانيا والذي سيبدأ استغلاله عام 2021، قياساً على ما أحدثته هذه الطاقة تاريخيا، من تحولات استراتيجية في البلدان التي ظهرت فيها.
وتوقع المركز في تقرير أصدره للتو وحصلت «القدس العربي» على نسخة منه «أن يحدث هذا الاكتشاف الطاقوي الكبير نقلة في اقتصاد موريتانيا وأوضاعها الاجتماعية والسياسية إذا أحسن استغلاله»، لكونها المرة الأولى التي تتوافر فيها موريتانيا على موارد طاقوية بهذا الحجم.
وعن التأثيرات السياسية لحقل «آحميم» الذي سينتج 17 تريليون قدم مكعب منن الغاز، توقع المركز» زيادة في تأثير الأطراف الخارجية في الشأن المحلي الموريتاني من خلال دعمها للأطراف القادرة على توفير الاستقرار لأنه أهم شرط لضمان بيئة استثمارية آمنة، وفي هذا السياق ربما تترسخ المقاربة التي تبنتها الدول الأوربية في موضوع الأمن والتي نظرت دائما لاستمرار حكم الجيش الموريتاني بوصفه الأقدر على ضمان الأمن».
كما توقع المركز «تنافس الأطراف الدولية، الساعية للحصول على فوائد اقتصادية من هذه الاكتشافات، على التأثير في صناعة القرار السياسي والاقتصادي داخل البلد»، مشيرا إلى «أن شركة توتال الفرنسية ضغطت بقوة حتى لا تستبد الشركات الأنجلوفونية بفوائد الغاز السنغالي الموريتاني، وهو ما عبّر عنه السفير السنغالي في دكار في مقابلة مع صحيفة «لسولي» السنغالية بقوله «إن الأمريكيين والبريطانيين استحوذوا على عقود الاستكشاف والاستخراج والاستغلال، رغم أن شركة «توتال» الفرنسية أبدت اهتماماً بالموضوع منذ الوهلة الأولى».
وأعاد التقرير للأذهان «أن زيارة الرئيس ولد عبد العزيز لفرنسا في إبريل الماضي، أسفرت عن توصل شركة «توتال» الفرنسية ووزارة النفط الموريتانية، لتوقيع عقد لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز بالمقطع C7 بالحوض الساحلي في المياه الاقليمية الموريتانية مقابل 70 مليون دولار».
وأكد المركز «أن وجود آفاق واعدة ناجمة عن هذا الاكتشاف، قد تدفع الحلف السياسي الحاكم لتحسين شروط الاستقرار عبر صناعة تحول سياسي يسمح للطبقة الحاكمة بالاستمرار في السلطة عبر احترام الدستور ومرجعيات الشكل الديمقراطي بالدفع بمرشح يمثل الجيش والطبقة السياسية المتحالفة معه بدل الرئيس الحالي الذي يمنعه الدستور من الترشح».
وعن الآثار الاقتصادية المتوقعة لهذا الاكتشاف، أكد المركز «أن السوق الجديد للغاز المسال يتميز بميزات عديدة تجعله مفضلا للمنتجين والمسوقين الكبار في السوق الدولية مما يغريهم بشكل أكبر بالاستثمار في منطقة الاكتشافات الجديدة».
وأشار المركز إلى «أن الغاز الموريتاني المكتشف يمتاز بالجودة والنقاوة وبسهولة الاستخراج، وقلة التكلفة، وبقرب من أوروبا وأمريكا الأكثر استهلاكا للمادة».
«وبتقديرات أولية، يضيف المركز، يتوقع أن تكون عائدات الغاز على موريتانيا خلال العقد الأول من الإنتاج حوالي أربعة عشر مليار دولارا فضلا عن الفوائد الأخرى الناتجة عن حجم استثمار الشركات والتي سيمس الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، حيث سيمكن التدخل الاجتماعي الذي أعلنته شركة «كوسموس» من استثمار 30 مليار دولار في مجالي التعليم والصحة في موريتانيا والسنغال، ويتوقع في هذا الصدد، أن تحظى موريتانيا منها بألف ومائتي مدرسة وثلاثين مستشفى».
ومن الفوائد الاقتصادية الأخرى لهذا الحقل، توفير خمسة آلاف فرصة عمل مباشرة، فضلاً عن استفادة البلد من إنتاج الكهرباء اعتماداً على الغاز لغرض الاستهلاك الداخلي وحتى التصدير الخارجي.
وأوضح المركز «أن قراءته للتداعيات السياسية لتحسن الوضع الاقتصادي بفعل اكتشاف الغاز لا يعني ترجيحا لمسار سياسي عن غيره، فالعوامل الاقتصادية في النهاية ليست هي وحدها المؤثر في الوضع السياسي، بل إنها تتفاعل مع جملة عوامل أخرى، فكما يمكن أن تتحول الثروة الاقتصادية إلى عامل تسكين للمطالب السياسية فإنها قد تدفع أيضا نتيجة تنامي الوعي إلى زيادة هذه المطالب».
وعرفت موريتانيا خلال السنوات الأخيرة اكتشاف كميات كبيرة من الغاز من قبل شركة كوسموس الأمريكية التي حظيت بشراكة قوية من عملاق البيتروكيماويات البريطاني شركة «ابرتش بتروليم» التي اشترت نسبة 62% بالمائة من حقل «السلحفاة» السنغالي الموريتاني المشترك الذي ينتظر أن يبدأ الإنتاج فيه في العام 2021 وهو ما من شأنه أن يوفر لموريتانيا موارد مالية معتبرة مقارنة بمواردها الحالية.
وتعود بدايات اكتشاف الغاز في موريتانيا إلى سنة 2002 مع اكتشاف شركة «وود سايد» الاسترالية لحقل «بنده» الذي قدر احتياطه ب 1.7 ترليون قدم مكعب، وفي 2003 اكتشفت الشركة نفسها حقل «بيلكان» باحتياطي قدر بـ 3.6 ترليون قدم مكعب وتم الاهتمام بشكل أكبر بحقل «بنده» لقربه وسهولة استغلاله، وتلا ذلك اكتشاف حقلين آخرين سنتي 2004 و2005 (تيوف ولعبيدان) اللذين قدرت احتياطاتهما على التوالي ب 0.7 ترليون، و0.2 تريليون على التوالي ولكن شركة وود سايد نتيجة ظروفها الخاصة فضلت الانسحاب من هذه الحقول الواقعة في المحيط قبالة منطقة تبعد 50 جنوب العاصمة نواكشوط، وباعته لتحالف شركات لا تزال تواصل العمل مع أن اكتشافاتها ليست بالحجم الكبير.
أما الاكتشافات الكبيرة فهي تلك التي أنجزتها شركة «كوسموس» التي بدأت العمل منذ العام 2012 في المنطقة الحدودية المشتركة بين موريتانيا والسنغال واستطاعت سنة 2015 اكتشاف كميات كبيرة من الغاز في حقل السلحفاة السنغالي الموريتاني المشترك.
وفي العام 2016 أعلن عن وجود احتياطي مؤكد من الغاز يقدر بـ 25 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي عالي الجودة في هذه المنطقة، بل تشير تقارير الخبراء إلى أن مجموع احتياطي حقلي «السلحفاة» و»آحميم بير الله» قد يصل إلى 50 ترليون قدم مكعب قابلة للاستخدام لعدة عقود من الزمن.
عن القدس العربي