افتتاحية

خواطر معتمر…

تنفس الصبح وأسفر جبين وجه جديد ، هنا في هذا المكان البهي ، في قبلة اﻷمة و بيت الكمال ، في حرم الهيبة و الجلال، في حضن القداسة و دفئ الامان ، تحركت المشاعر و تمزق الوجدان ، و ماجت في نفسي خواطر غاضبة و ذكريات حسان..

من هنا كانت البداية ، في مجتمع قبلي و وثني الهواية ، متنازع المصالح و النزعات متباين السجية ، حين نزل الوحي مرشدا البشرية نحو الهداية ، و هب جيل السابقين حاملا المشعل و الراية ، خلف امام المتقين و سيد الكونين ، ابوبكر و ذي النورين ، وعلي و ابن الخطاب و سعد و ابن عوف و بلال و الزبير ، و طلحة و ابن مسعود و حمزة وابن عمير ، ومصابيح عديدة تلاﻷت فانزاح الظﻻم و اندكت الدياجير .
هنا في نقطة ارتكاز الكون ولد الهدى ، فانطلق الجنون و اﻷذى ، و تربصت بالدعوة المكائد ، فحوصر المشروع و ضوى الظلم الى الشر و الطغيان ،و اندقت في نحره السهام و النبال ، و انكسرت في زحفه النصال على النصال ، و بفضل من الله ثم باﻻيمان القوي لذلك الجيل و ارادته الشجاعة انتصر الحق ، و انطلق اﻻسلام خارج الجزيرة مبشرا بحرية اﻻنسان و بالحضارة و باﻻعمار ، سنوات و تحققت النبوات خفقت اعلام اﻻسلام بعيدا في مدائن كسرى و حواضر الروم ، و انغرست فسائله في كل بيت في الحضر و في المدر ، و سار الركبان من المشرق و المغرب ﻻ يخشون إﻻ الذئب .
اليوم تذرف اﻷمة دموعها على العهد الزاهر ، و تبكي ما انفت من عظمتها و قوتها ، تتحسر على انقضاء تاريخ مشرق متألق ، و تتأسف على تخبطها في حاضر يعج بالتيه و التردي عن جوهر المشروع الذي استنهض ألقه عزائم المؤسسين . إن اﻵﻻم تحدق في عيون المسلمين ، و ترتسم على الخدود ، و تكتبها الحروف و الكلمات ، و تسكن الوجدان و تفرخ اﻷسى و اﻷحزان في المشاعر النازفة ، لكن اﻷمة ستظل قادرة على اﻻنبعاث ، – لتكون كما اراد لها خالق الكون – خير أمة أخرجت للناس ، ستظل أمة و سطا ، و سيظل المسلمون أشداء على الكفار رحماء بينهم ، و بقدر التوافق مع قيم اﻹسلام و مبادئه السمحة يكون الطريق سالكا الى غيوم المثل و قمم المجد السامقة .
لقد بات الواقع يشد الهمم الى تلك اﻷهداف الرائعة ، و يستفزنا لتحقيق التوافق مع الكتاب المنزل كما كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم و خلفائه الراشدين ، وقبل مرحلتي التأويل و التبديل ، فالنصر لن يتحقق من طريق غير هذا السبيل ، فاﻻسلام اليوم ﻻ يعاني من قلة في العدد و ﻻ من ضيق في الجغرافيا و ﻻ من فقر في الموارد ، و المشكلة ليست في المنظومة و ﻻ في ذات الدين ، لكنها في التطبيق و في ترتيب اﻷولويات .

الشيخ التيجاني عبود

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى