مقالات

رئيس لا يغلبه الخب و لا يخدعه.. نقوش على جدار الوهم/ (الحلقة الثانية)

تعويذة من ديار المرابطين؟
رئيس لا يغلبه الخب و لا يخدعه
قصة كل قوم مع رسولهم فيها عبر عديدة ، منها أن الداعية في أغلب الأحيان يكذبه قومه، أو ينال حظه من التنكيل ، وصنوف الاستهزاء ، وحتي القتل وأن مصير المكذبين والمستهزئين الي بوار، لا تحس منهم أحدا و لا تسمع لهم ركزا.
والواجب هنا الصبر والصمود ، لا الخنوع والخضوع، في سورة نوح يقول العلي الكبير: (( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا﴾﴾ ﴿٣٤ الأنعام﴾ وفي سورة ق قال تعالي: (( كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود ( 12 ) وعاد وفرعون وإخوان لوط ( 13 ) وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد ( 14 ) أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد (15) صدق الله العظيم ﴾﴾
ذكرت الآية أن قريشا ، سبقتها ثمانية أمم كذبت دعوات الرسل فأهلكهم الله بذنوبهم جميعا ، ابتداء من قوم نوح مرورا بأصحاب الأيكة وهم قوم شعيب عليه السلام ، وقوم تبع وهم حمير من عرب اليمن .
والعالم، والداعية ، والمبلغ للقرآن والسنة، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكرات ، وكل المصلحين في مجتمعاتهم، ينالهم ما نال أئمتهم من أهل الهدي، وطريق المكابدة والمرابطة.، وتكون نهاية الرحلة غالبا نجاتهم، وأفول خصومهم
جاء في الآية 37 من سورة الفرقان:” وقوم نوحٍ لما كذبوا الرسل أغرقناهم …”، وجاء في الآية31 من سورة الأنعام: ” قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ” ﴿٣١ الأنعام﴾ وجاء في الآية182 من سورة الأعراف”الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ “﴿١٨٢ الأعراف﴾ وجاء في الآية54 من سورة الأنفال: كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ” ﴿٥٤ الأنفال﴾
والموريتانيون –أجدادنا المرابطون- لم يتركوا الحرمين و جنان العراق و الشام، وأسواق الحيرة ، وديار تبع، وشواطئ دجلة والنيل ، وغلال الأندلس وضفاف البحار، ومراكز الحضارة حيث المال والسلطة من السند الي مراكش عبثا.
لقد انزووا في هذا المنكب البرزخي، يرتلون كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، يجلونه، يوقرونه، يحبونه، و يحبرونه، يحفظونه، ويعقلونه يكتبون رسمه ، وينطقون غنته، ويتبارون في اعرابه، وتجويده، وتدبره، يكحلون أعينهم برؤيته، ويشتاقون الي سماعه ،يسهرون اذا الناس ساموا أو ناموا ، ويخشعون اذا غفل الغافلون، ويتطهرون اذا ابن الصيرمة تعفر في طينة الخبال، ويجوعون له اذا لبس الحرير الزنيم واللئيم، أمراء قلوبهم عرضوا الدنيا عليها، فأعرضت عنها، وجباههم لم تسجد الا لله، يريدون وجه الله، وهل تضام الوجوه التي تريد وجهه في رؤيته، وهل تشتاق الي رؤية غيره، جل في علاه ، وتقدس في سماه.
فر أجدادنا بدينهم من فتن الباحثين عن الشهرة والمال والسلطة ، وبنوا قصور الاخلاص في محاريب صدورهم، وعمروا هذه الصحراء المتمعددة المخشوشنة،
بمداد العلماء ، ودماء الشهداء،
حتي اذا رحل المستعمر، وأميلزته، وكهنته، وأغيلمته، لم يكسروا دواة، ولم يطفئوا محظرة ، ولم يهزموا الساجدات أمهاتنا الأماجد
جاء من يلبس جلود الضأن علي قلوب الذئاب، يتسمون بأسمائنا وهم دخن فينا، ويحاربون ديننا بألسنتنا، ويتكلمون بشريعتنا للقضاء علي مآذننا ومحاظرنا، هم
تربوا في مدرسة اللغو واللهو ، والسمر والسكر، والهوي والقينة، و عبادة متعة الحرام ، والشهوة غير الحلال ، ابتلوا بما ابتلي به العنين و الهرم و المخنث والديوث،لاحياء ولاحرمة، ولاقوة ولا بهجة ، ولا أبازرع ولاأم زرع ، زروع من أوهن النفوس، وبيوت أوهن من بيت العنكبوت، تقدم الهدايا للسحرة وللكهان ولعبدة الأوثان والصلبان بحثا عن ولد أو عن وزارة أو عن عقل لأنهم أذهبوا طيباتهم، في محاربة المحظرة والمئذنة ، وعبادة الربا والزنا.
هل يعقل أن تلد الأمة ربتها ، وأن تري الحفاة من الحكمة، العراة من الصدق، العالة من الوفاء… يسومون كرامنا وأسخياءنا خسفا ، ويأكلون تراثنا أكلا لما ، ويقدمون الدروس ..ويلمزون العلماء والصلحاء والأتقياء لمزا، ويقولون لنا : نحن الخليفة المنتظر؟
أين بقية هذه الأمة؟
وأين ديار ثمود؟
ألقيت هذه التعويذة لأقول – ان بناء الطرق، والمطارات، وشق الأنهار وبناء العمارات، وتشييد الحضارات…بدون بناء النفوس الأبية الشجاعة، والعقول الصاحية الحكيمة
سبب في الماضي والحاضر الخراب لأعرق الحضارات، شاهدوا معنا ا لآن التدمير الممنهج والجنوني لحضارة الرافدين في العراق ، وسبأ في اليمن ، و الأمويين في سوريا ومن هم الحكام الحقيقيون لكل من دمشق وبغداد وحضرموت ؟
ثم خذوا الحكمة من ميشل عون المسيحي المناضل ، وابن الشهيد الحريري
قالو للرهانات الخارجية : كفي.. لبنان وجبهتنا الداخلية وتحصين وطننا وشعبنا من الطوفان أولا..
كتبت هذه الوصية لأقول ان الاستثمار في الثقافة والسلم ، وفي العلم والحلم ، والعافية والاستقرار، والسلم الأهلي و المجتمع المدني ، والحوار المثمر والمتعدد الأطراف، والمستقبل الآمن، أهم من الاستثمار في أحزاب ضعيفة ، ونفوس لئيمة.، وذا الوجهين.
الأمن اليوم مقدم علي المنشأة، وحماية الدار من المتطرفين و المتصارعين علي الوظيفة و النفوذ مقدم علي الملبس والمأكل، و الاستثمار في الأخلاق والوعي مقدم علي تجار الفوضي الخلاقة وتصفية الحسابات المتبنين للأجندة الخارجية.
رئيس ينشئ محظرة، ويبني مسجدا، ويصلي الفجر والعشاء ، وعينه يقظة، وعقله صاح، وله ارادة، ويخافه الكادحون والارهابيون، ويضع يده في العالم والصالح ولديه حصيلة سبع سنين من المعارك ، غلب فيها الخب المفسد والمخادع..كالعمري : أفضل من أن يخدع ، وأعقل من أن يخدع هذا ان تكلم أو ترشح أو استخلف
سمعنا وقبلنا…وقلنا له :.لو سرت بنا.. الي هذا البحر ما تخلف منا عنك أحد.
أما رأي سفيه من قميرة دار الندوة، يتحدث به لكيع لا يصحو ، و منتفخ أوداج عنين ،وأكذب من ذيب يعرفه اهل بنج..و متنطع باسم الأغلبية ..أصابه الحزن لسانه رطب بالمن والأذي ، وهناك حيث أصوات الناخبين : حاله كحال اللئيم يصفه أهل مكة بأنه : لا ظهر يركب، ولا ضرع يحلب.
هذا. ان نطق ملأناه بالصفير ، وان دعانا أهرقنا كأسه، وان تطاول علينا خسفنا به وبكبريائه الأرض .
الهامش:
معني الخب: قال صاحب تاج العروس: الخب بالفتح : الخداع وهو الجربز كقنفذ الذي يسعى بين الناس بالفساد وقال ابن أبي الدنيا في كتابه أدب الدنيا والدين : ذكر المغيرة ابن شعبة فضل عمربن الخطاب رضي الله عنهما فقال عنه: كان والله أفضل من أن يخدع، وأعقل من أن يخدع وكان الفاروق رضي الله عنه مؤسس الوزارات يقول عن نفسه: لست بالخب ولا يخدعني الخبر.

بقلم: عبد الله المبارك
med.abdoulah@yahoo.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى