“لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل (أي محمد)، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها”. (برنارشو)
أود أن أصدر هذا المقال بجملة من أقوال بعض رجالات الغرب و مشاهيرهم الذين لم يشحنوا ضمائرهم و قلوبهم بالغل و البغضاء و الحسد للإسلام و المسلمين، مما عرفوا من الحق، فأعجبوا بشخصية الرسول (صلى الله عليه وسلم)، مع كونهم لم يرتدوا عباءة الإسلام، لكنهم قالوا كلمة الحق، سطرها التاريخ على ألسنتهم وفي كتبهم وتراثهم. الشهادات القيمة في هذا المجال لا تحصى كثرة لكن سوف أكتفي بالقليل منها خشية التطويل:
Ø مهاتما غاندي (مهاتما غاندي في حديث لجريدة “ينج إنديا” وتكلم فيه عن صفات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول غاندي: “أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي أسفا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة”.
Ø راما كريشنا راو (البروفسور رما كريشنا راو في كتابه “محمد النبي) “لا يمكن معرفة شخصية محمد بكل جوانبها. ولكن كل ما في استطاعتي أن أقدمه هو نبذة عن حياته من صور متتابعة جميلة. فهناك محمد النبي، ومحمد المحارب، ومحمد رجل الأعمال، ومحمد رجل السياسة، ومحمد الخطيب، ومحمد المصلح، ومحمد ملاذ اليتامى، وحامي العبيد، ومحمد محرر النساء، ومحمد القاضي، كل هذه الأدوار الرائعة في كل دروب الحياة الإنسانية تؤهله لأن يكون بطلا”.
Ø المفكر الفرنسي لامارتين (لامارتين من كتاب “تاريخ تركيا”، باريس، 1854، الجزء الثاني، صفحة 276-277 “إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات. فلم يجنوا إلا أمجادا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانَيْهم. لكن هذا الرجل، محمدا (صلى الله عليه وسلم) لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ. ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة. لقد صبر النبي وتجلد حتى نال النصر (من الله). كان طموح النبي (صلى الله عليه وسلم) موجها بالكلية إلى هدف واحد، فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما إلى ذلك. حتى صلاة النبي الدائمة ومناجاته لربه ووفاته (صلى الله عليه وسلم) وانتصاره حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل على الغش والخداع بل يدل على اليقين الصادق الذي أعطى النبي الطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين: الإيمان بوحدانية الله، والإيمان بمخالفته تعالى للحوادث. فالشق الأول يبين صفة الله (ألا وهي الوحدانية)، بينما الآخر يوضح ما لا يتصف به الله تعالى (وهو المادية والمماثلة للحوادث). لتحقيق الأول كان لا بد من القضاء على الآلهة المعبودة من دون الله بالسيف، أما الثاني فقد تطلّب ترسيخ العقيدة بالكلمة (بالحكمة والموعظة الحسنة). هذا هو محمد (صلى الله عليه وسلم) الفيلسوف، الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة، بلا أنصاب ولا أزلام. هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة. هذا هو محمد (صلى الله عليه وسلم ). بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)؟
Ø جيبون أوكلي ، من كتاب “تاريخ إمبراطورية الشرق”، لندن 1870، صفحة 54: ليس انتشار الدعوة الإسلامية هو ما يستحق الانبهار وإنما استمراريتها وثباتها على مر العصور. فما زال الانطباع الرائع الذي حفره محمد في مكة والمدينة له نفس الروعة والقوة في نفوس الهنود والأفارقة والأتراك حديثي العهد بالقرآن، رغم مرور اثني عشر قرنا من الزمان. لقد استطاع المسلمون الصمود يدا واحدة في مواجهة فتنة الإيمان بالله رغم أنهم لم يعرفوه إلا من خلال العقل والمشاعر الإنسانية. فقول “أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله” هي ببساطة شهادة الإسلام. ولم يتأثر إحساسهم بألوهية الله (عز وجل) بوجود أي من الأشياء المنظورة التي كانت تتخذ آلهة من دون الله. ولم يتجاوز شرف النبي وفضائله حدود الفضيلة المعروفة لدى البشر، كما أن منهجه في الحياة جعل مظاهر امتنان الصحابة له لهدايته إياهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور منحصرة في نطاق العقل والدين.
Ø برناردشو ( برناردشو الإنكليزي ولد في مدينة كانيا 1817 ـ 1902 له مؤلف أسماه (محمد)، وقد أحرقته السلطة البريطانية. يقول برناردشو: إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة (يعني أوروبا). إنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها. لقد درست محمدا باعتباره رجلا مدهشا ، فرأيته بعيدا عن مخاصمة المسيح ، بل يجب أن يدعى منقذ الإنسانية ، وأوربا في العصر الراهن بدأت تعشق عقيدة التوحيد ، وربما ذهبت إلى أبعد من ذلك فتعترف بقدرة هذه العقيدة على حل مشكلاتها.
Ø مايكل هارت: في كتابه مائة رجل من التاريخ: إن اختياري محمداً، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي. فهناك رُسل وأنبياء وحكماء بدءوا رسالات عظيمة، ولكنهم ماتوا دون إتمامها، كالمسيح في المسيحية، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليهم سواهم، كموسى في اليهودية، ولكن محمداً هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته. ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضاً، وحّد القبائل في شعـب، والشعوب في أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها في موضع الانطلاق إلى العالم. أيضاً في حياته، فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية، وأتمها.
Ø تولستوي (ليون تولستوي «1828 ـ 1910» الأديب العالمي الذي يعد أدبه من أمتع ما كتب في التراث الإنساني قاطبة عن النفس البشرية. يقول تولستوي: يكفي محمداً فخراً أنّه خلّص أمةً ذليلةً دمويةً من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح في وجوههم طريقَ الرُّقي والتقدم، وأنّ شريعةَ محمدٍ، ستسودُ العالم لانسجامها مع العقل والحكمة. و كان يقول كذلك: أنا واحد من المبهورين بالنبي محمد الذي اختاره الله الواحد لتكون آخر الرسالات على يديه ، وليكون هو أيضا آخر الأنبياء.
Ø الشاعر الألماني غوته:يقول: بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان ، فوجدته في النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم. إلى أن يقول: إن التشريع في الغرب ناقص بالنسبة للتعاليم الإسلامية ، وإننا أهل أوربا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد ، وسوف لا يتقدم عليه أحد. و يحكى أنه لما بلغ غوته السبعين من عمره ، أعلن على الملأ أنه يعتزم أن يحتفل في خشوع بتلك الليلة المقدسة التي أنزل فيها القرآن الكريم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
Ø كارل ماركس: جدير بكل ذي عقل أن يعترف بنبوة محمد وأنه رسول من السماء إلى الأرض. هذا النبي افتتح برسالته عصرا للعلم والنور والمعرفة ، حري أن تدون أقواله و أفعاله بطريقة علمية خاصة ، وبما أن هذه التعاليم التي قام بها هي وحي فقد كان عليه أن يمحو ما كان متراكما من الرسالات السابقة من التبديل والتحوير.
Ø فارس الخوري: إن محمدا أعظم عظماء العالم ، والدين الذي جاء به أكمل الأديان.
رغم هذه الشهادات القيمة، من هؤلاء العظماء، و غيرها من ما لا يتسع المجال للإدلاء به، فإننا نحن معشر المسلمين ما نزال نمتحن من حين لآخر في ديننا و عقيدتنا بهذه الهجمات الشرسة من طرف الحلف الجديد للأحزاب، حلف الشيطان، حلف الصهاينة و الملاحدة و العلمانيين المتآمرين على دين الحق، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم النتنة القذرة و رسومهم الرخيصة و أفلامهم الرديئة المقيتة.. ” و يأبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون.” مرة أخرى تقوم حثالة بشرية بالإساءة لنبي الإسلام والسلام سيدنا محمد بن عبد الله، خاتم الرسل و أشرف المرسلين، نبي الهدى، وعين الرحمة الفياضة بالأنوار والقيم والمثل والكمال البشري… محمد بن عبد الله، النبي المرسل، الرمز، حامل أيقونة الوحي السماوي، ناشر الحب والسلام والحياة والأمل والتفاؤل والبشر والخير. من سمو أخلاقه و جهاده ونضاله من أجل البشرية ينهل كل داعي إلى الله و مجاهد في الله و كادح إلى ربه كدحا، غرفا من البحر أو رشفا من الديم..
كان محمد أمة وحده.. وسيبقى أمة، وسيبقى رسول الوحي المطهر، عبر ميراثه الخلقي و نموذجيته النبيلة الفذة، إنسانا كاملا ونموذجا أعلى وسيبقى فوق شبابيك الخزي ومحاولات جهات الغي والفتنة والحسد والحقد، التي ما فتئت تحاول النيل من هذا الرسول الذي كان آخر صلة بين البشر والسماء. إن كثيرا من الأشياء تغيظ المتشددين و أصحاب الغلو و التطرف من المسيحيين واليهود في شخص محمد المقدس.. فهو النبي الوحيد الذي يعرف له قبر في هذا الكوكب دون جدال.. كما أن منظومته الأخلاقية الشخصية و قيمه الفردية كانت أكبر مدرسة للأخلاق والتسامح، أطرها الوحي المبارك ورباها أحسن تربية لتصل درجة المثال الأعلى.. “رباني ربي فأحسن تربيتي” (حديث شريف) والرسول محمد صلى الله عليه و سلم هو أول من أرسى دعائم الدولة البشرية الحديثة، بمدنيتها وعلمها وأخلاقها وسموها الروحي، وهو بدون جدال محرر الشرائح المستضعفة في الأرض من فقراء فرض لهم نصيبا من أموال الأغنياء و عبيد رغب في عتقهم و أوصى بالرفق بهم ونساء كن يوأدن في وضح النهار في التراب دون رحمة ولا شفقة فحرم ذلك و أوصى بهن الرجال خيرا و أثبت لهن حقوقا لا تقل عن حقوق الرجال..
“إن المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات و القانتين و القانتات و الصادقين و الصادقات و الصابرين و الصابرات و الخاشعين و الخاشعات و المتصدقين و المتصدقات و الصائمين و الصائمات و الحافظين فروجهم و الحافظات و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات أعد الله لهم معفرة و أجرا عظيما”.(الإحزاب)
ولأنه الرسول الأعظم، فإن الكلام و الأذهان والأقلام لتضيق عن ذكر محامده وخصاله ومدرسته الإنسانية. كيف لا وهو الذي مدحه الخالق عز وجل ووصفه بما هو عليه من حميد الصفات ونبل الأخلاق. و من أصدق من الله قيلا: ” و إنك لعلى خلق عظيم” (القلم) .
فإن فضل رسول الله ليس له … حد فيعرب عنه ناطق بفم
فضلا عن أمانته في تبليغ رسالة رب العالمين ونفع تلك الرسالة لمن آمن بها في الدنيا والآخرة، ونفعها في الدنيا لمن لم يؤمن بها، “و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”(الأنبياء)، حيث تستمد كل الشرائع والقوانين والنظم الحميدة اليوم من تلك الرسالة الخالدة. أقول ذلك، ولا تزال شرارات الرسوم المسيئة تتطاير شرقا وغربا كأنها جمالات صفر، حيث عمدت مجموعة من المجرمين إلى إعادة الكرة إمعانا في الحقد والكراهية ، سيرا على سَنَنِ من سبقوهم من حثالة، بدء بالآيات الشيطانية إلى الرسوم الدنمركية، مرورا بتدنيس و تمزيق المصحف الشريف انتهاء بالرسوم الركيكة لصحيفة “شارلي هبدو” السخيفة، إلى آلاف الأفلام والمقالات والبحوث والتقارير التي تعمل على تشويه الإسلام و النيل من أعظم ثوابته ومقدساته، ألرحمة المهداة للعالمين، سيدنا محمد ، عبق الوجود و سبب كل موجود، نبي الرحمة و كاشف الغمة و مجلي الظلمة و شفيع الأمة. صلى الله عليه و سلم.
إن هذه الخطوة المجرمة تمت بمباركة من الحكومة الفرنسية ونظيراتها الغربية وذلك بحجة حماية حرية التعبير. فأي حرية تلك التي تسيء لمشاعر قرابة مليارين من المسلمين في هذا العالم.. وأي حرية تلك التي تعتدي على معتقدات الآخرين ومقدساتهم.
إن الحكومات الغربية الاستعمارية بتشجيعها ورعايتها المستمرة للمسيئين لرسول الرحمة عليه أفضل الصلاة والسلام، إنما تشجع وتخلق الإرهاب وتقدم له المبررات للانتشار، بغية تشويه الدين الإسلامي والمسلمين من ناحية، ومن ناحية أخرى بغية تنفيذ مخططات خبيثة ترمي إلى إيجاد مبرر، وفي الوقت المناسب، لتهجير مواطنيها المسلمين بحجة أنهم إرهابيون وأنهم يشكلون خطرا على قيمها وأمنها.
إن الإرهاب الأخطر على أمن العالم هو “الفوضى الخلاقة” التي أنجبها السفاح الصهيو الأمريكي بمباركة الغرب المتصهين لإلغاء المشروع العربي الإسلامي التحديثي، ولكن الأمة العربية الرافضة للاحتلال والإرهاب ستنتصر لا محالة لأنها أمة حية ذات حضارة عريقة تستنير بالوحي متمثلا في آخر رسالة سماوية للبشر حملها سيد الكائنات الأمين محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والتسليم.
إن الرئيس الفرنسي أظهر بتصريحاته الأخيرة الوجه الحقيقي لفرنسا الاستعمارية وللغرب المتصهين، حين أعلن دفاعه المستميت عن إرهاب الإساءة الذي تمارسه صحفه ضد المسلمين، وبحجة حرية التعبير، في نفس الوقت الذي توعد فيه الشعوب الإفريقية التي أحرقت العلم الفرنسي احتجاجا على الرسوم المسيئة للمسلمين، وتوعد قائلا: “تلك التصرفات يجب معاقبتها لأنها غير مقبولة”.
فعن أي مبادئ وأي قيم حرية يتحدث الرئيس الفرنسي فراسوا هولاند.. فكيف يغضب لحرق قماش و لا يغضب ملياران من المسلمين لسب نبيهم و الإساءة لمقدساتهم؟ وهل يقارن حرق علم دولة مهما كانت عظمتها بالإساءة لرسول أمة أصبحت اليوم أكبر أمة في الأرض حاملة لدين سماوي مقدس. أليس من حرية التعبير أن تحرق الشعوب علما من قماش تعبيرا عن رأيها.
إن هذا المقام مقام عمل جاد لوضع حدود لهذه الإساءات التي تتم في ديار الغرب وبأمواله وأفكاره و يحميها بكل ما أوتي من قوة الباطل.. ذلك الغرب الذي أصدرت برلماناته ورؤساؤه تشريعات قانونية ودستورية صارمة و رادعة تجرم و تنزل أشد العقوبات بمن يطعن في المحرقة اليهودية أو ينكرها، أو بمن يسيء إلى السامية و الديانة اليهودية، وهو اليوم يمول الإساءات إلى أمة الإسلام التي تتشكل من ملياري نسمة. ذلك الغرب الذي أقام الدنيا ولم يقعدها بسبب هدم تمثال بوذا في أفغانستان، وكم بكى وتباكى على تحطيم تلك الحجارة، فإذا هو اليوم ينتقد وعي المسلمين بضرورة الدفاع عن مقدساتهم.
في هذه المناسبة التي يتعرض فيها الجناب الشريف الأسمى، رسولنا المعظم لموجات من الإساءة، ويتعرض فيها ديننا الحنيف للتشويه، جدير بقادة العالم العربي والإسلامي اتخاذ موقف حازم من هذه الإساءة، وذلك عبر كل الطرق الممكنة. و حقيق على المسلمين الرد بأمثل الطرق السلمية، وذلك عبر تكثيف النشاطات المؤيدة لرسول الحق والمبينة لسيرته العطرة وخلقه العظيم وما قدمه هذا الرسول من خدمة للبشرية جمعاء متمثلا في منظومة قيم سامية هي اليوم مصدر كل تشريع وكل قيم حميدة. إن من الواجب اليوم سعي العرب والمسلمين، وعقلاء الغرب، إلى إصدار قانون دولي يجرم المساس بالديانات السماوية ورموزها دون أن يحاول ستر عورته بذريعة حرية التعبير تلك ورقة التوت البالية المبتذلة. ومن الواجب إبلاغ الدول الغربية أن البغي مرتعه وخيم، وأن بذر العداوات والتهجم على الأمم والإساءة إلى صورة مقدساتها لن يجدي الغرب نفعا بل سيعود بنتائج عكسية عليه.
على الغرب أن يعلم أن سب الرسول عليه الصلاة و السلام و شتمه والطعن في دين الإسلام و العمل على إسفال كلمة الله وإذلال و إهانة كتاب الله، أشياء تغيظ المسلمين و تؤلمهم و تضرهم ضررا بتاغا يفوق ضرر سفك دمائهم و سلب أموالهم و هي منهم بمنزلة المحاربة. و هي قناعات راسخة لن تضعفها الهجمات العدوانية المتتالية و لن تنال منها أمواج العولمة المتلاطمة و لا ضجيج “الفوضى الخلاقة” المدمرة و لن يخيفها شبح “فرسان الهيكل”. و على المسلمين أن يتذكروا قوله تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” (الرعد) فيستفيقوا من سباتهم و يصحوا من غفلتهم و يهبوا صفا واحدا في وجه هجمة و عدوان حلف الأحزاب نصرة لربهم و لنبيهم و لدينهم. “و لما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله و رسوله و صدق الله و رسوله و ما زادهم إلا إيمانا وتسليما “. إيمانا وتسليما بأن الله موهن كيد الكافرين، إيمانا وتسليما بأن الله سيرد الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا، إيمانا وتسليما بأن مقامه عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام أعظم و أسمى و أطهر من أن تدنسه بأباطيلها أو تنال منه بترهاتها هذه الخفافيش النتنة و الصراصير القذرة و الكلاب المسعورة، تبت و شلت أيديهم و لعنوا بما قالوا. بيس لهم من مصير: “و الذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم” (التوبة). و لسان الحال يزجرهم:
يا ناطح الجبل العلي ليثلمه أشفق … على الرأس لا تشفق على الجبل
و على المسلمين أن لا ينسوا أن كمال إيمانهم منوط و مشروط بمحبة محمد صلى الله عليه و سلم و نصرته و طاعته و تعزيره وتوقيره والقيام بحقوقه حيا و ميتا. “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله” (آل عمران). “ما كان لأهل المدينة و من حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله و لا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه” (التوبة)
إن الغرب المحتضر قيما، المرتاع ماديا يلجأ لأسوأ أساليب الصراع بعد أن خسر المعركة ميدانيا على الأرض، فخرج مهزوما مرتاعا من هول المقاومة العربية الإسلامية في كل مكان. لم يكتف بمحرقة إسلامية و عربية هي أضعاف المحرقة اليهودية: عشرات الملايين ما بين قتيل و يتيم وأرملة ومفقود وضحية في فلسطين والعراق، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، و ليبيا و سوريا، فأصبح يلجأ لتسريع تخليق الإرهابيين من أجل إيجاد مزيد من التبريرات للجم المارد العربي الإسلامي الذي يطمح لحقه في النور والحياة والتقدم.. ولكن هيهات أن تموت أمة الإسلام دينها و محمد صلى الله عليه وسلم رمزها و قائدها، وهيهات أن تثبط قرون المؤامرات عزمها على النهوض والتحرر.. وإن ألف سنة من الحرب الصهيونية و الغربية المباشرة وغير المباشرة على أمة الإسلام ما تزيد أجيالها إلا تصميما على تحقيق أهدافها النبيلة. وإن غدا لنظاره لقريب.
براءة إلى الله و رسوله من “شارلي”
المجد للرسول العربي الهاشمي، محمد ابن عبد الله.
الخلود للدين الإسلامي الحنيف.