يخطئ من يظن أن هجمات الثالث عشر نوفمبر 2015 بباريس المفاجئة نَوْعًا و حَجْمًا و تنظيما و خسائرَ بشريةً و اتْنِقَاًصا و خَصْمًا من الهيبة و الأُبًهَةِ و العَظَمَةِ العسكرية و الأمنية الفرنسية لن تكون منعطفا حاسما في مراجعة المقاربات و الاستراتجيات و الخطط العَمَلِيًاتِيًةِ الغربية و الدولية و الأممية في مجال محاربة الإرهاب ذي الخلفية الإِسْلَامَوِيًةِ نحو مَزِيدٍ من “العَسْكَرِتَاريًةِ” و الاستئصالية و “الصُقُورِيًةِ”…
و المُحَلِلُ الفطن قادرٌ علي التًنَبُئِ ببعض ملامح الاتجاهات الكبري للمقاربات المتوقعة من خلال متابعة تصريحات الرئيس الفرنسي “فرانسوا هولاند” و هو يضع عصاه الدبلوماسية علي عاتقه قاصدا لقاء نظرائه من كبار قادة العالم مُوَضِحًا و مُبَرِرًا و مُعَبِئًا حول ردات الفعل الفرنسية و سَاِعًيا إلي بناء تحالفٍ سريعٍ للقوي العظمي ضد ما يسمي “تنظيم الدولة الإسلامية”.
و أخشي ما أخشاه أن تَغْفَلَ أو تَسْتَغْفَلَ أو تَحْقَرَ أو تَسْتَصْغَرَ المقارباتُ القابلةُ أمرين اثنين أولهما أسبقية معالجة “مُوقِظَاتِ” و مُحَرِضَاتِ الإرهاب ذلك أن الإرهاب الإسلاموي أصلا انحراف فكري “نائم” يكون حل مشكله بإطفاء موقظاته ابتداء أو لا يكون!!.
و من المعلوم أنه ترْزَحُ و تئِنُ ثلة قليلة من الشباب المسلم المتدفق “بالعاطفية غير المُرَشًدَةِ” تحت قبضة فكر “إِسْلَامَوِيٍ” منحرف و عنيف مُؤسسٍ علي فهم سقيم للدين مبنيٍ علي القوة و العنف و الإكراه و الجهل بحكمة التدرج في شؤون تسيير العلاقة مع الآخر المُخالِف في الدين أو الطائفة أو المذهب أو في الموقف من مسألة النزاع علي السلطة و الحكم.
ولهذا الفكر المنحرف أَصْنَاءٌ في كل الديانات و الديانات السماوية المُوَحِدَةِ: اليهودية و المسيحية لكنه يكون غالبا “نَائِمًا” إلا إذا أيقظته موقظات ثلاثة: الغزو الأجنبي،الاستبداد السياسي و الظلم الاجتماعي لذلك فهو ،مع بالغ الأسي و الحسرة، “شَدِيدَ اليقظة” في بعض دولنا و مناطقنا نحن معاشر العرب والمسلمين “كَهَفِيَ النًوْمِ” عند غيرنا.
أما الأمر الثاني الذي أخشاه فهو تركيز المقاربات المتوقعة في مجال محاصرة الإرهاب علي وقاية و حماية الدول المتقدمة من مخاطره و دك حصونه و “إبادة بيضته” بالدولة الإسلامية بالعراق و الشام و إهمال واجب مساعدة الدول عالية الهشاشة الأمنية من دول العالم الثالث كدول “الساحل الأدني” مثلا فتعود إليها فُلُولُ عناصر الدولة “الدًاعِشِيًةِ” أو تستعيد فيها “الحركات الجهادية” بالساحل و الصحراء قوتها و عددها فتشكل فيها مواقع ومواطئ و قواعد و “دولا داعشية” جديدة.
و بما أن دول المنظمة الأوروبية للتعاون و التنمية(OCDE )قد اعتمدت منذ إنشائها سياسة ” العون العمومي من أجل التنمية”Aide Publique au Développement( APD) و التي تعني تخصيص جزء من الميزانيات العمومية السنوية للدول الغنية ابتغاء دعم التنمية في دول الجنوب لم يعد يتجاوز في المتوسط أكثر من 0.36 في المائة من الناتج الداخلي الخام وإن كانت منظمة الأمم المتحدة و الدول المستفيدة لا تزالان تكافحان من أجل رفعه إلي ضعف متوسطه الحالي.
و نظرا للمخاطر الأمنية التي تتخطف دول الجنوب عموما و المخاطر الإرهابية التي تتربص الدوائر بدول الساحل و الصحراء خصوصا و التي أزاحت الهَمً و الحَزَنَ التنموي إلي المرتبة الاستعجالية الثانية بعد الأمن الذي أضحي الشغل الشاغل للساسة و الرأي العام علي حد سواء فلعله من المستعجل أن تقود منظمة الأمم المتحدة حملة من أجل إرساء سياسة جديدة تحت مسمي “العون العمومي من أجل الأمن”Aide Publique Pour la Sécurité APS.
و يُسْتَحْسَنُ أن تسعي السياسة الجديدة إلي التزام الدول الغنية بالبرمجة السنوية الميزانوية ل 0.5 في المائة من ناتجها الداخلي الخامPIB تحت بند ” العون العمومي من أجل الأمن” توجه إلي الدول ذات الدخل المنخفض و تُصْرَفُ و تُمْنَحُ حسب مفتاح توزيع يُرَجِحُ درجة تعرض الدول للتهديدات الأمنية و خصوصا الإرهابية و يُخَصِصُ جزءً معتبرا من هذا العون لدعم توحيد أو تنسيق الجهود الأمنية و العسكرية للدول المتجاورة أو”مُشْتَرِكَةِ التهديدات الإرهابية”.
و إذا ما تم إرساء سياسة “العون العمومي من أجل الأمن” فإنها ستمكن الدول النامية المستهدفة الواقعة في عين إعصار “الجيل الجديد من التنظيمات الإرهابية” من إعادة تأسيس منظومات عسكرية و أمنية وطنية -علي غرار بعض دول المغرب العربي كالجزائر و المغرب وموريتانيا- عالية القدرات القتالية و المعنوية قادرة علي التصدي بمفردها للمخاطر الأمنية وسحب ذرائع “جهاد” و “مقاومة” الوجود و الغزو و التدخل العسكري و الأمني الغربي من أدبيات التنظيمات الإرهابية و حلفائها من شبكات الجرائم العابرة للحدود.
المختار ولد داهي،سفير سابق