تمثل الذكرى الثالثة لتنصيب فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني سانحة لاستذكار ومراجعة ما تم تحقيقه -خلال السنوات الثلاث الأخيرة- في قطاع الصحة؛ انطلاقا من البرنامج الرئاسي تعهداتي، وقد شملت التزامات الرئيس الصحية كل أركان وأبعاد المنظومة الصحية: صحة الأم والطفل، محاربة الأوبئة، التأمين الصحي الشامل، مزيد اكتتاب الإطار البشري وتعزيز قدراته وتحفيزاته، توفير الأدوية واللوازم الطبية، تطوير البنية التحتية،… لا ندعي -مطلقا- في هذا المقال أننا جسّدنا كل طموح فخامة رئيس الجمهورية لهذا القطاع الحيوي والهام؛ ولكننا نزعم أننا قطعنا أشواطا معتبرة في عديد جوانب ذلك الطموح، ونعمل جادين على تنفيذ ما تبقى.
لن يكون هذا المقال انطباعا ذاتيا ولا إنشاء مرسلا؛ بل سيكون طرحا موضوعيا وأرقاما مضبوطة؛ فكما قال صاحب الفخامة -في سياق كلامه عن تعهداته- إنها ستمزج بين الطموح والواقعية، كذلك سيكون هذا المقال خليطا من الموضوعية والعلمية؛ من هنا دعونا نلقي نظرة على بعض المؤشرات التي ستمكننا من الحكم على مستوى تقدم تنفيذ التزامات رئيس الجمهورية في مجال الصحة.
أولا-مضاعفة الميزانية السنوية لقطاع الصحة:بلغت ميزانية القطاع حسب قانون المالية المعدل 50 مليار أوقية قديمة في حين لم تكُ تبلغ ميزانية القطاع عام 2019 إلا 28 مليار أوقية قديمة، وهذا من أدل البراهين على الاعتمام بقطاع الصحة وبالتطور الحاصل في القطاع خلال السنوات الثلاثة الأخيرة.
ثانيا ـ التأمين الصحي الشامل:يُعد التأمين الصحي الشامل للمواطنين، التزاما موريتانيا في إطار المنظومة الدولية؛ حيث يُعتبر أحد أهداف التنمية المستدامة، وقد حددت الأمم المتحدة 2030 أفقا لتطبيقه، وقد كان مجموع المؤمنين لدى الصندوق الوطني للتأمين الصحي 603.000 شخص مؤمن؛ بينما وصل عدد المؤمنين عام 2022 إلى أكثر من مليون و200 ألف شخص، من ضمنهم 100 ألف أسرة من الطبقات الهشة أي ما يعادل 680.000 فرد، تعهد رئيس الجمهورية بتأمينهم من خلال المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء “تآزر”، وتم تجسيد ذلك الالتزام.
وإذا كان المؤمّنون لدى الصندوق الوطني للتأمين الصحي قد ارتفع عددهم في السنوات الأخيرة بنسبة 100%، فإن القطاع استحدث في الربع الثاني من 2022 صندوقا وطنيا للتأمين الصحي التضامني (إنصاف)، موجه أساسا للقطاع غير المصنف؛ وينتظر أن يمكن هذا الصندوق في مرحلة أولى من تأمين 500.000 شخص في أفق 2024، وسيستفيد المؤمنون به من خدمات المستشفيات، والمستوصفات، والمراكز والنقاط الصحية العمومية بسائر التراب الوطني؛ وغير مستبعد أن يمكن صندوق “إنصاف” من إتاحة خيار التأمين العائلي الذي يشمل “الأبوين” وكل خطوات تأسيس هذا الصندوق متقدمة وتجري مناقشة إجراءاتها التطبيقية مع المختصين والمعنيين.
ثالثا ـ ضمان توفير وجودة وَلَائقَيًةُ أثمان الأدوية:لقد تم خلال السنوات الثلاث الأخيرة القيام بجهود كبيرة لتنظيم المركزية لشراء الأدوية والمستلزمات الطبية “كاميك”، إضافة إلى استحداث نظام “مُيَسًرْ” الذي سيحقق الأهداف التالية:
• توفير الأدوية الأساسية والتي هي مدرجة بلائحة معتمدة من طرف القطاع في جميع التشكيلات الصحية العمومية:
مستشفيات، مراكز صحية، نقاط صحية، وذلك عبر تكليف المركزية لشراء الأدوية بالتوريد الحصري لهذه الأدوية لفائدة كافة التشكيلات الصحية العمومية؛
• الإطمئنان على جودة الأدوية بالتشكيلات الصحية العمومية، ذلك أنها مستوردة حصرا من طرف “كاميك؛
• لائقية الأسعار بحيث ستكون أدوية “ميسر” أخفض من مثيلاتها بالصيدليات الخصوصية بـ %50؛• المساهمة في مجانية الاستشارات الطبية والأدوية والعلاجات لصالح الذين يتأكد فعلا أنهم فقراء ومنعدمي الدخل؛والجدير بالتنويه أن احتياطي الأدوية الموجود أواخر يوليو 2022 يغطي حاجة البلد من الأدوية الأساسية لمدة 6 أشهر؛ وهو ما يعادل قيمة 8 مليارات أوقية قديمة، كما يتوفر بالمخازن تغطية لمدة 6 أشهر تقارب نسبة 95% من أدوية الأمراض المزمنة، وقد أضحى نقل الأدوية بوضعية جيدة مقارنة بعام 2019، حيث تمتلك “كاميك” الآن 15 سيارة مجهزة خاصة بنقل الأدوية، وتستجيب للمعايير الدولية، كما تتوفر على 9 مخازن للأدوية بانواكشوط؛ بعد أن كانت لا تملك إلا 4 سيارات و3 مخازن.وقد تم -كذلك- توحيد أسعار الأدوية، وإلزام الصيدليات بذلك وإشهاره عبر وضع السعر على علب الدواء، وهو ما تسهر المفتشية العامة للصحة على متابعة إلزاميته، وتبذل في ذلك جهدا معتبرا وتنشر تقريرا شهريا حول المخالفات والعقوبات.
رابعا ـ تطور البنية التحتية:يتم العمل حاليا على بناء وتجهيز 6 مستشفيات، من ضمنها أكبر مستشفى في نواكشوط (المستشفى الجامعي الملك سلمان بن عبد العزيز) بسعة 300 سرير، و5 مستشفيات جهوية في مدن سيليبابي، أطار، ألاك، تجكجة، ولعيون، إضافة إلى تشييد 56 منشأة صحية؛ من بينها 22 مركزا صحيا، و26 نقطة صحية من فئة (أ) و(8) من فئة (ب)، وقد قطعت الوزارة المكلفة بالعمران أشواطا في تشييد المنشآت الصحية الأخيرة.
خامسا ـ تطور المصادر البشرية وتحسين المكافآت والتحفيزات:فيما يتعلق بالمصادر البشرية بلغ عدد الأخصائيين المكتتبين 473 أخصائيا، في الوقت الذي كان العدد سنة 2019 لا يتجاوز 336؛ أي بنسبة زيادة تصل41%، أما الأطباء العامون فوصل عددهم إلى 702 بدل 455 في سنة 2019، أي بزيادة 54.8% كما بلغ عدد أطباء الأسنان 142 بزيادة 44% مقارنة بسنة 2019، في حين ازداد الطاقم شبه الطبي بـ 800 عنصرا حيث انتقل من 3700 إلى 4500، أي بزيادة 21% مقارنة بسنة 2019.
وفيما يخص المكافآت والتحفيزات فقد تمت مضاعفة الرواتب الأساسية لجميع منتسبي الأسلاك الصحية بزيادة (100%)، تمت منها زيادة 60% سنتي 2021 و2022، وستستكمل الزيادة المتبقية (40%) في قانون المالية 2023، كما تم بتعميم علاوة الخطر على جميع منتسبي قطاع الصحة.
سادسا ـ تطور التجهيز بالمعدات الطبية:
شهد الإمداد بالتجهيزات الطبية بعض التطور سنذكر منه مثلا لا حصرا ارتفاع عدد أسِرة الإنعاش من 38 سرير إلى 197 سريرا، كما وصل عدد أجهزة التنفس الاصطناعي إلى 167 جهازا للتنفس الاصطناعي، وتعميم سيارات الإسعاف على جميع المراكز الصحية، إضافة إلى نشر 22 سيارة إسعاف لصالح السلامة الطرقية على الخطوط الرئيسية، وبلغ العدد الإجمالي لسيارات الإسعاف 204 في حين كان العدد لا يتجاوز 70 سيارة سنة 2019، إضافة إلى أن 90% من المستشفيات الجهوية يتوفر على التصوير الطبي، و95% منها لديها أجهزة تصفية الكلى، و يوجد بـ 90% من المستشفيات الجهوية الأخصائيون الأساسيون (جراحون وأخصائيو أمراض النساء على الأقل)، كما ارتفع عدد وحدات تصنيع الأوكسجين من 3 وحدات سنة 2019 إلى 15 وحدة تصنيع أوكسجين.
سابعا ـ مجانية بعض الخدمات الصحية:ومنذ 2020 وفي إطار برنامج “أولوياتي ـ ProPEP” أضحت بعض الخدمات الصحية التالية مجانية 100% (الحجز والأدوية بالعناية المركزة، النقل الطبي بين المستشفيات، نقل ضحايا حوادث السير…)، كما تتكفل الدولة بنسبة 60% من المبلغ الجزافي لعلاج النساء الحوامل إذ يدفعن فقط مبلغا جزافيا ورمزيا قدره 450 أوقية جديدة يغطي تكلفة علاجهن وعلاج المولود لهن إلى غاية شهرين بعد الولادة.
ثامنا ـ النتائج الإيجابية للتعامل مع جائحة كوفيد 19:رغم ما مثلته جائحة كوفيد 19 من إرباك للمنظومات الصحية في كل العالم؛ فقد تمت إدارتها عندنا إدارة مقبولة؛ حيث ظل انتشارها محدودا، مقارنة مع الحالة العامة العالمية، كما كانت خسائرها -كذلك- من أقل الخسائر المسجلة ولله الحمد؛ يضاف إلى ذلك أننا حصلنا باكرا على اللقاح، وكانت نتائجه -أيضا- لافتة؛ إذ وصلت نسبة الذين تلقوا جرعة واحدة على الأقل إلى 68.92% من المستهدفين، البالغ عددهم 2.900.000 شخص (أي الذين تفوق أعمارهم 12 سنة)؛ كما بلغ عدد مكتملى الجرعات 49%.
كما وصلت نسبة المطعمين بجرعة واحدة على الأقل الذين تفوق أعمارهم 18 سنة إلى 70%، فيما كانت نسبة نفس الفئة الذين تجاوزوا 40 سنة 75%؛ والجدير بالتنويه أن نسب مستويات التطعيم التي تم التحصل عليها أساسا بواسطة تنظيم حملات تطعيم موجهة بلغت أحيانا نسبة تحقيق أهدافها أكثر من 100% من المستهدفين.
ويتضح من المؤشرات أعلاه أن خطوات معتبرة قد قُطعت في مجال تنفيذ البرنامج الرئاسي في قطاع الصحة تتناسب مع الفترة المنصرمة من العهدة الرئاسية؛ خصوصا مع استحضار التحديات الصحية التي فرضتها جائحة كوفيد 19، ومع ذلك لا مناص من الاعتراف أن بعض الورشات شهدت بعض التعثر نحن عاملون على تقويمه وتصحيحه وآملون في تنفيذ كامل البرنامج الرئاسي في المجال الصحي بالآجال المرسومة، وطامحون إلى تحقيق منجزات أخرى لم تكن مسطرة بالبرنامج الرئاسي.