كواسطة العقدْ وكالدُّرةِ في تاج الكمالْ تتربّعُ بلدية لبحير على عرش البَهى إنها زهرة الشَّرق الموريتاني وقد حباها الله بألف سبب لأن تكون قبلةً للعارفين ونزهة للمشتاقين وقد يمّمُوا وجوههم قِبَلَ أديمِها السّاحرْ ومهدهَا الطّاهرْ بلدية لبحير مَسْرَ الأنسْ ومهبطُ العلياء وأول كلمة تنطقُ في كتاب الذكريات حيث تجسّدَ الجمال فكان بلدا وَتَفَشَّ الحُسْنُ فكان طرائقَ قِددا وَحيثُ وجد الانتماءُ قلوباً وحّدها بلدية لبحير التي تضرب بجذُورها في أعماق التّاريخ حرصت على أن تكون مثالاً فريدا تتعانق فيه صفات الجدارة ومقومات الصدارة كيف لا وقد حباها الله في العز أياما معلومات وأنبت فيها جنات معروشات وغير معروشات ففيها السُّهول والهضاب وواحات النّخيل وبحيرة تصافح الشمس وتغازل السماء وفيها أديم مشع ووضّاء وماض أصله ثابت وفرعه في السماء بلدية لبحير فيها من النباتات أشكال وألوان هذا إلى جانب ثروة حيوانية معتبرة وما سياج الحيوان الذي أسّس عام 1948 زمن الشيخ التقليدي محمد محمود ولد شيخن بن أحمد ولدبيّه المعروف بولد آنبيه والذي ذكر المستعمر الفرنسي في مذكراته أنه عقيل ولاية لعصابة ومن عجيب أمره أنه كان يجيد لغة المستعمر رغم أنه لم يدرسها فهو خريج محظري تخرج من محظرة أهل أحمد ولد الهادي ذلك السياج الذي بناه المستعمر الفرنسي لا يزال قائمًا شاهداً على تلك الحقبة مجسداً المثال على تقادم التنمية الحيوانية في بلدية لبحير كل ذلك فتح آفاقا للزراعة والتنمية وجعل من البلدية لوحة ساحرة لا يملك القادم إليها وقد شاهد الأروع إلا أن يقول سبحان الذي صور فأبدع ومنها رجال سطروا أجمل فصول التضحية والذود عن الوطن واستشهدوا دفاعا عن الحوزة الترابية مثل الطالب محمد بن البيضاوي بن عبد الل شهيد معركة النيملان وعبد الله بن باريك الذي عينه الشيخ ماء العينين قائدا لبعض ألوية الجهاد عندما بدأ الزحف الفرنسي على موريتانيا يصل منطقة اترارزة فشارك في العديد من المعارك وبرهن على كثير من الصمود والاستبسال ثم تولى قيادة أحد الألوية في معركة تحرير “اكجوجت” وبالتحديد في معركة “اعكيلت الرفكه”سنة 1908م ثم عانق الشهادة بعد ذلك في معركة “اكننت التيكويت” التي قادها في نشيري بالشمال الموريتاني يوم 21من مايو 1908م وإلى جانب سلسلة البطولات الممتدة التي خلّدها رجال لبحير في جانب المقاومة فقد تركوا جوانب أخرى لا تقلُّ أهمية عن ذلك الجانب ظلّت مآثرها تروى وتحكى ولم تزل تروى حتى الآن فالعلم والتّدريس والشعر والأدب ونشر مكارم الأخلاق مجالات أبدع فيها أهل لبحير حتى بلغوا ولا الضالين فمن أولئك الصّفوة الذين حملوا لواء العلم وأسّسُوا مدارج الفهم رجال صالحون هم ثلة من الأولين نبغوا وبزغوا وطار بهم الذّكر وشاع بهم الخبر فكانوا كالشمس والقمر وكانوا من صفوة الناس ومن خيرة البشر سافروا إلى المشرق مُحَمَّلين بكل علم مثمر مغدق حيث نشروا القرآن والحديث والفقه والسيرة وروافد الحضارة وفنون المنطق وعلى رأس أولئك الأخيار الأطهار البدور الأقمار أبناء مايابى وأبناء البيضاوي وأبناء عبد الل وشيخن بن بابّ بن أحمد ولد بيّه الذي ترجم له أحمد متفكر المراكشي في كتابه «علماء جامعة ابن يوسف في القرن العشرين » وكذلك محمد البيضاوي بن أمانة الله المعروف ب «باشت تارودانت» المغفّر المؤزر والذي شمل عطاؤه أهل “بوتلميت”ولعصابة ” والذي نال السّيادة والريادة والتعظيم والمهابة وكذلك أحمد خونا بن شيخن ولد أحمد بن بيّه الذي هاجر بعدهم وكان كالشمس للدنيا وكالعافية للناس والذي يعود له الفضل في تعمير منطقة آفطوط عموما واركيبه بالمساجد والمحاظر حيث خلّف هنالك العديد من المكارم والمآثر وبالنسبة للأدب والشعر (الفصيح والحساني) فقد اشتهر أهل البحير بذلك حيث سار أدبهم سير الركبان وأصبح يروى على كل لسان من أولئك في الفصيح العلامة والأديب محمذن بن أحمد ولدبيّه وشقيقه أحمد ولد أحمد بن بيّه وحفيده محمدي ولد أحمد فال والعلامة الأديب محمد الكرامي بن مايابى والفقيه حدمين بن محمد ولد اعل وغيرهم أما في الشعر الحساني (لغنه) طفيل بن مايابى وامريام بنت محمدي ولعل من أشهر نصوص تلك المدرسة الأدبية سينية الشاعر محمدي ولد أحمد فال التي حملها مشاعره ولواعج شوقه بعد عودته من المشرق
ألا يابحير الصفو واللهو والإنس
عليك سلام الله ياوجنة الشمس
عليك سلام الله يامرتع الصبا
ويامجمع الأحباب والأهل والجنس
وياثمرة الألباب ياروضة الهنا
ويامذهب الآلام في الروح والنفس
وياموقد الأشواق جئتك ثانيا
ولكن برق الشيب يبدو على رأس
فهذه القصيدة غناها أكثر من فنان في البلد وخصوصا المرحومه ديمي بنت آبّ
وكذلك سينية أحمد بن أحمد ولد بيّه غناها الخليفه ولد أيد رحمه الله
شَفَى سُقْمَ قلبي واطمأنت به النفسُ
لِقائيَ شمساً قبل أن تطلعَ الشّمسُ
لقاءٌ كَحَسْو الطير والقلبُ طائرٌ
ويشفي صَدَى الأطيار مقدار ما تحسُو
فَشقّت علينا الصبح إذ لاح وجهها
وردَّت علينا الليلَ إذ ظهر الرأسُ
ومدّت إلى نحوي أصابعَ خمسة
فَلِلّه ما هاجت أصابعُها الخمسُ
إلى الله أشكوا من”أميمَ”ووصلها
وما كابدت من حسن مَبْسَمِهَا النفسُ
فلا هي أنأتني فينقطعَ الرجا
ولا هيَ أدنتني فينقطعَ الحبسُ
وأصعبُ ما يلقى الفتى في حياته
إذا اجتمع الحُبُّ الممارسُ واليأسُ
تأسّس لبحير عام 1966م فكان ميلاده ذخرا وبشْراً وهو أول مركز إداري في باركيول وقد تعاقب عليه عدة حكام أولهم أحمد ولد الحاج ثم سيدأعمر ولد سيدنا وآخرهم أعمر ولد سيبوط ولأهميته كرن إشعاع ثقافي وحضاري فقد زاره الرئيس المؤسس المختار ولد داداه مرتين الأولى عام 1966م والزيارة الثانية كانت سنة 1971م وهي عبارة عن تعزية في المرحوم محمدي ولد أحمد فال المشارك في استقلال الدولة والذي يعود له الفضل في زيارة الرئيس الأولى لمدينة لبحير وفي الدفاع عن لغة الضاد وفي هذه الفترة كان مركز لبحير تابعا لمقاطعة كرو التي أسّست في الستينيات ثم بعد ذلك تم إنشاء مقاطعة باركيول سنة 1974م بموجب المرسوم رقم 74_147الصادر بتاريخ 27/07/1974 القاضي بإنشاء مقاطعة باركيول ومركز لعويس الإداري التابع للمقاطعة وتم بموجب نفس المرسوم إلغاء مركز لبحير وبدأت الدولة بناء مكاتب إدارية في مركز المقاطعة
مكتب حاكم المقاطعة وفرقة الدرك والحرس
وفي عام 1988 تم إنشاء بلديات باركيول الثمانية ومن ضمنهم بلدية لبحير والتي كانت مركزا إداريا وجرت فيها أول انتخابات انتخب فيها الوالد الماجد شيخنا ولد سيدي عمدة لبلدية لبحير وفي بداية التسعينيات وتحديدا عام 1992أجريت انتخابات أخرى حيث انتخب محمد العاقب بن عثمان عمدة لبلدية لبحير وفي تلك الفترة بالذات انتخب السياسي المخضرم حمادي ولد عبدو الله رحمه الله شيخ مقاطعة باركيول وهو أول من يتولى ذلك المنصب في المقاطعة وكان حمادي من أكبر السياسيين في المقاطعة وكانت فيه خصلتان يحبهما الله ورسوله “الحلم والأناة” إضافة إلى كونه رجل مكرمات وصانع انجازات يتميز بالعزم والثبات والجد والاجتهاد على مر الأوقات وكان ركنًا شديداً يأوي إليه الجميع عند الشدائد وفي الملمات لقد كان نهر خير لا ينضب وكان يتميز عن غيره بأنه لا يغضب وفي عام 1996م انتخب حبيب الله بن مايابى رحمه الله عمدة لبلدية لبحير وفي عام 1999انتخب الداه بن عثمان عمدة لبلدية لبحير وفي فترته زار الرئس السابق معاوية ولد الطايع لبحير كما زاره أيضا سفير الولايات المتحدة وفي عام 2006 انتخب حمادي ولد الحاج عمدة لبلدية لبحير وفي هذه الفترة انتخب الأخ الفاضل سيدمحمد بن الطالب عبد الل شيخ مقاطعة باركيول ولعل هذه الفترة شهدت فيها المقاطعة تقدما ملحوظا في جميع المجالات لم تشهده من قبل ولا من بعد ربما يرجع الفضل في ذلك لعلاقة الأخ سيدمحمد بالوزير الأول آنذاك مولاي ولد محمد لقظف والله تعالى أعلم وفي عام 2013 انتخب محمد ولد محمد اعل عمدة لبلدية لبحير ولا يزال كذلك حيث انتخب مرة أخرى تتبع لبلدية لبحير عدة قرى من بينها قرية حاسي سيدأحمد وقرية أكطع وطيه وشلخ لعطش واكليب امبارك وقرية أهل أشفاقه وقرية سلي وقرية ادخيله والدخله وقرية فرام بالإضافة إلى قرى أخرى ما هي إلا امتداد لأرض أثبتت سموها وعزها وتفرّدت بكل ماهو عظيم وكريم من منطقة لبحير (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكوة) ومنها قديما وحديثا (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه )بلدية لبحير تتميز كذلك بمحاظر عدة تفوح بعبق الأبرار وتحذوا حذو المصطفين الأخيار يتلى فيها القرآن آناء اليل وأطراف النهار تلك المحاظر التي سبقت نشأتها نشأة المدينة تتميز بالوقار والسكينة كيف لا وهي تعبق بأزكى العلوم والمعارف والفنون وهي جامعات بكل معنى الكلمة واللفظ إنها محاظر تزخر بمشارب العلوم وفيها مختلف مآرب الطلاب ومن تلك المحاظرالتي أسست منذ زمن قديم محظرة محمذن “بابّ” ولد أحمد بن بيه التي خرّجت العديد من العلماء من أبرزهم العلامة والأديب بيدر بن الإمام وقد رأيت له مخطوطا عبارة عن رسالة أرسلها إلى شيخن بن محمذن ولد أحمد بن بيه المدفون في مراكش يقول فيها
إلى شيخنا مني سلامٌ مُتَمّمٌ
مشوبٌ بشهْد فيه مسك مزمزمُ
تَعلّمْ. بأنّي ثابتٌ بعدَ بُعدكم
على ودّكم والسرُّ بالقول يُعلَمُ
وقد غرت مما نلتم بائتلافكم
مع القائد العياد وهو المقدمُ
أودُّ لو أني كنتُ معكم وأنتم
معي ضمنا مراكش المتقدم
فلازلتم في عزّ علم ورتبة
علتْ في الورى والعلم بالحلم يدعم
فلا تنسني من صالح القول في الدعا
إذا ما دعوت الله فالله أرحم
فإنيَ لا أدري أنسلم جاذلا
أم العكس في أخراي والله أعلم
له لذت بالهادي عليه مصليًا
وذو اللوذ بالهاد الكريم سيسلم
ومع التقري في المدينة ظهرت عدة محاظر أخرى من أبرزها محظرة سيد محمد بن أحمد عثمان القلقمي ومحظرة امّدُّو ابن البوساتي أمّا في الوقت الحاضر فمن أبرز المحاضر في المدينة محظرة الشيخ محمد العاقب بن محمدي التي يوجد فيها طلبة من خارج المقاطعة ومن شتى الربوع وقد تخرج منها العديد وبعضهم أنشأ محاظر وكذلك محظرة الشيخ محمد المختار بن أحمد فال والتي كانت بدورها محظرة مشعة بالخير في مختلف الميادين ومنها تخرج طلاب في حفظ القرآن الكريم وهو يديرها عن بُعد حيث يوفر لها أساتذة مع تكفله بدفع رواتبهم حتى تبقى المحظرة على النهج الذي اعتادته
وفي بلدية لبحير كذلك مدرسة ابتدائية ومركز صحي
هي إذن بلدية لبحير خلاصة قاموس الجمال منطقة البهاء والنقاء والضياء والوفاء كوثر الأحلام وإشعاع الأيام وسفينة الخير التي ما فتئت تسير إلى الأمام والتي ما انفكت تقاوم التحديات وتقف بشموخ في وجه العقبات والتي ما زالت كذلك رغم سيادتها وريادتها تحتاج إلى العديد من الخدمات التي هي في حقها تعتبر أقلّ اعتراف بالجميل لمنطقة ظلت ملاذا للضعيف والفقير والمسكين وابن السبيل
لبحير بحاجة إلى اعدادية فضلا عن ثانوية وبحاجة إلى أن تدمج مع بلديات المقاطعة الأخرى التي ستستفيد من الكهرباء هذه السنة كما تحتاج كغيرها من البلديات الشرقية إلى طريق معبّد لفك العزلة عنها حيث يصعب الوصول إليها فترة تساقط الأمطار
ورغم كل ذلك تبقى بلدية لبحير للعز مدارا وتبني الندى ليلا ونهارا وتفجر للمكرمات ينابيع وأنهاراوتظل قرية آمنة مطمئنّة تزداد حسنا وألَقا ولا تخاف رغم تعاقب الأزمنة عليها بأسًا ولا يأسًا ولا بخسًا ولا رهقًا
(وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
✍️الشيخ سعد بوه بن محمدي