بعد الوزير الأول في الشرق و لعصابه و البراكنة، حيث عقد مهرجانات دعما للتعديلات الدستورية، جاء الآن دور رئيس الاتحاد من أجل الجمهورية – حزب الدولة، نسخة الحزب الجمهوري الديمقراطي والاجتماعي، من دون المال و حشود الجماهير – ليأخذ عصى الترحال و يجوب ولاية الترارزة طولا وعرضا. و يبدو أن ولد محم، بابتساماته العريضة، و الذي استقبل مثل رئيس الدولة، عند مداخل المدن، لم يحرم نفسه من هذه السعادة.
استعرض الأطر الذين هرعوا من نواكشوط و الوجهاء ومن هم أقل وجاهة، متمتعا بكونه رئيسا لحزب يبدو جليا أن شعبيته تساوي شعبية الأحزاب التي سبقته، و التي تطايرت كلها شذر مذر عند أول عاصفة تذرو رأسها “المفكر”… ولكن أف لبشائر السوء! ففي الوقت الراهن يريد رئيس الاتحاد من أجل الجمهورية أن يتمتع بالساعة التي هو فيها، بهذا الحشد الذي يرحب به و بالبوق الذي يمد إليه، وسط عاصفة من التصفيق، الشيء الذي ليس متاحا للجميع.
وها هو، بدافع الحماس، يظهر ذاكرة انتقائية بشكل غريب:
“تشكل الترارزة هذه الولاية التي أعطت البلاد كثيرا من الفقهاء و العلماء الذين تجاوز إشعاعهم حدودنا… “. ولكنه لم يفه ببنت شفة حول الإمارة التي يعد تاريخها بالقرون و لم يذكر مقاومة الاستعمار و لا عشرات الشهداء… ألا يمثل الخطان الأحمران اللذان يقوم بحملة لإدراجهما في العلم تكريما لنفس المقاومة؟ و لكن لا نحمله المسؤولية، لأن ولد محم ليس سوى صوت سيده الذي لا يحب هذه الولاية كثيرا أو على الأقل بعض مكوناتها. و لا يخفي ذلك.
فلماذا الترارزة وهو لم يزر بعد أية مدينة أخرى من الداخل، و لا حتى عواصم الولايات؟ وما ذا تملك أكثر من غيرها لشرح هذا الشغف المزعوم بالتعديلات الدستورية؟ ما هي قيمة هذا الشرف بالنسبة لها؟ وزارات كثيرة، كما هو الحال في الماضي القريب؟ أمانات عامة للوزارات و إدارات مؤسسات عمومية أو سفارات؟ لا و كلا، في الواقع، لم تعرف الولاية مثل هذه الدرجة من التهميش و هذا المستوى من قلة اعتبار رموزها.
لكنها ليست وحدها. فمثل بقية البلاد، تعاني الترارزة من ضيق شديد. إن نخبها الذين يرفضون الانحطاط الى درك التملق و “التزلف” مستبعدون. و تم التخريب المتعمد للطريق الوحيد الذي يربطها بالعالم و الذي يعود تاريخه إلى الستينيات، بينما تبنى طرق أخرى يكاد انعكاسها يكون صفرا على نفقة دافعي الضرائب. إن المشاريع “العظيمة” التي يتم إطلاقها فيها ليست مخصصة لها، بل تستخدم لإثراء وسطاء ذوي أخلاق مشبوهة. و علاوة على ذلك، يعني الأمر تجريدها من جزء من تاريخها، فلم تبق سوى خطوة واحدة اجتازها ولد محم بكل سرور في روصو قبل تجاوز أخرى أخطر بكثير في بوتلميت، حيث قال بالحرف الواحد: “إن ولد عبد العزيز هو الذي أطعم من جوع وآمن من خوف” كما منّ الله على قريش. هل نحن أمام تحريفية و شرك من قبيل التعديلات الروحية؟ فلا شك أن الطعام يقوي شهوة النهم…
أحمد ولد الشيخ