هنالك في بلدان الاغتراب شاهدت قدرا رائعا من التعاون والمحبة بين أفراد الجاليات ومنهم أبناء مقاطعة كرو الذين عرفوا بالسخاء والتعاون فيما بينهم والوقوف إلى جانب الضعفاء والمرضى والمنكوبين في داخل الوطن وخارجه باعتراف الجميع.
ومع ذلك أحار وأندهش جدا وتتوارد إلى ذهني جملة من الأسئلة الحائرة عندما أرى هِمَم القوم تكل وسخاؤهم يقل، وتواصلهم وتعاونهم ينقطع، كلما اقتربوا أكثر من الوطن، وهو سلوك عجيب غريب قد ضاعت بسببه فرص عديدة كانت كفيلة بمنح أهل المقاطعة مكانة سامقة في هذا الوطن الجائر.
ولا يفوتني وأنا أتحسس فرص الاستثمار في المقاطعة محاولا جلب الانتباه إلى أهميتها أن تخلف البنية التحتية بسبب الحرمان المتعمد من أبسط مقومات التنمية الذي اتبعته الأنظمة الظالمة يمثل عقبة كأداء في سبيل بلوغ هذا الهدف المنشود.
ومع ذلك فإن أهل المال من رجال أعمالنا بعد التوكل على الله تعالى والتحلي بشيء من الصبر وتوفر الإرادة الصادقة لديهم، قادرون على الإسهام في تنمية مقاطعتهم والاستفادة من فرصها الواعدة.
وإذا بدأنا بالثروة الحيوانية عندنا والتي هي شبه معطلة المنافع وتستخدم للتفاخر بل هي ثروة تأكل الثروة حتى الآن بسبب ما ينفق عليها من مال وجهد، لكن يمكن الاستفادة منها واستغلالها أكثر لو أقيمت لها مصانع محلية تعنى بلحومها وألبانها وجلودها وأشعارها وأوبارها.
وهذا النوع من المصانع متوفر في جميع أسواق الدنيا ولا تكلف أموالا طائلة كما يظن كثيرون، ويساعد الموقع الاستراتيجي والقرب من أسواق محلية في الشرق الموريتاني ذي الكثافة السكانية والسوق المالي تحديدا على تصريف الانتاج وبيعه بسهولة.
أما في مجال الزراعة فإن المقاطعة قد حباها الله بتربة سخية معطاة لو خدمت باستخدام الآلات الحديثة وتنافس أهل المال في إقامة المشاريع الزراعية فيها، فإن ذلك كفيل بتغيير مظاهر التخلف ونمط حياة السكان.
وفي هذا الشأن لا بد من التوقف عند مشروع تعاونية السعادة الزراعي الذي بدأ العمل قبل مدة، ويعنى بزراعة شجرة المورينقا ذات الأصول الهندية وتدخل ثمارها وأوراقها في كثير من الصناعات الدوائية والغذائية والتجميلية، ويدير هذا المشروع الطموح رجل أعمال ناحج من أبناء المقاطعة هو أحمد ولد احميت.
ويقول القائمون على المشروع إنهم يستهدفون زرع عشرين ألف شجرة أنجز منها زراعة 3800 شجرة حتى الآن، وإنهم يسعون للحصول على زيت يعصر من ثمار هذه الشجرة وتصديره إلى الخارج، ويصل ثمن لتر واحد منه إلى 500 دولار.
ويوجد مشروع آخر مماثل لرجل الأعمال الطيب ولد الداه يضم حوالي 1000 شجرة مورينقا، ولا بد من إعطاء عناية خاصة لأودية النخيل للتحسين من إنتاج التمور والحفاظ على بقاء زراعة النخيل التي طالما أنقذت السكان من الجوع في غابر الأزمان.
وفي مجال الخدمات من المناسب أن يفكر أهل المال في مسالة التعاون لإقامة مشفى إقليمي واحد على الأقل مجهز بأحدث المعدات، ويضم كل التخصصات الطبية يتوفر على كفاءات من أفضل الأطباء، ولا شك أن ذلك ستكون له إيجابيات لا تحصى فضلا عن أرباحه المتوقعة فهو سيكون بديلا للسفر الشاق والمكلف لمرضى المقاطعة والمحيط إلى العاصمة نواكشوط، أو مشافي الدول المجاورة مثل المغرب والسنغال وتونس…
إن الاستثمار في الخدمات عموما مسألة واعدة، وقبل أن أغادر هذا الجانب لا بد من الإشادة بمؤسسة كرو للبناء التي هي نموذج لنجاح الاستثمار في المقاطعة فهذا المشروع استطاع خلال خمس سنوات تقريبا تلبيه 70% من حاجيات المقاطعة ويوفر أكثر من عشرين فرصة عمل دائمة أصبحت كلها محلية بعد أن تم الاستغناء عن الأجانب العاملين في المشروع.
وإذا كان أبناء مقاطعة كرو يفخرون أن غربتهم حفظت كرامتهم، وهذا مكسب رائع إلا أنه لا بديل عن توطين جزء من رؤوس الأموال وحمايتها من مخاطر الأزمات الاقتصادية والتحولات السياسية العنيفة التي تضرب بلدان المهجر.
الب ولد المعلوم