الأخبار

(الحروف الثائرة) تتعقب نضال رباب هاشم في سبيل إنشاء هيئة مستقلة لرقابة الأغذية

شهد لقاء الشباب مع رئيس الجمهورية الذي نظم الليلة البارحة في نواكشوط واستمر لأكثر من 6 ساعات تناول خلالهاrabab.png الحضور العديد من القضايا بالنقاش المستفيض, وكان من بين القضايا المثيرة خلال النقاش قضية سلامة المواد الغذائية الذي أثارته خبيرة التغذية رباب هاشم من خلال تأكيدها على ضرورة إنشاء هيئة مستقلة لهذا الغرض وقد لاقت الفكرة ترحيبا كبيرا داخل مخالف الأوساط.
إلا أن البعض لم يرض عن مشاركة رباب في البرنامج لأسباب سياسية والتي ردت عليها رباب بهذه التدوينة على صفحتها قائلة:
رضى الناس غاية لا تدرك!
ما هذه الرائحة المبطنة من الاتهامات التي أتعرض لها في الخاص و بالتلفون و كأنني قمت بعمل غير لائق!!!
عقولكم معي إخوتي الكرام و لا أطلب غير الإنصاف:
عندي مشروع يسكنني منذ مدة ليست بالقصيرة و أود تحقيقه و قد تكلمت عنه لما يقارب الشهرين على هذا العالم الأزرق.
ثم أتتني الفرصة لعرضه أمام من يمكنه تحقيقه، أأرفض خوفا من البعض الذي يرسل الاتهامات جزافا؟ أم أقبل حتى و لو كانت هذه الفرصة تصل ل0.01%…… أرجوكم انظروا لي و للآخرين بقليل من الإنصاف و بعييييييدا عن السياسة.
( الحروف الثائرة) تابعت نضالات رباب على مواقع التواصل الاجتماعي للفت الانتباه إلى مشروعها الكبير من خلال تقديم نماذج وقصص تبين مدى خطورة غياب هيئة مختصة في رقابة التغذية حيث قدمت 4 قصص حول خطورة هذا الغياب نقدمها لكم.
القصة الأولى
بعد أسبوع من شهر رمضان سابق جاءني اتصال من إحدى شركات النقل البحري حيث أوضح لي المسؤول أن أحد المستوردين عنده أربع حاويات من اللبن طويل الأجل الآتي من مصر و كان من المفروض أن تصل هذه الشحنة قبل شهر رمضان بأسبوعين و لكن لأسباب خارجية تأخرت هذه الشحنة لما بعد رمضان.
و بما أن التاجر رفض استلام الشحنة مدعيا عدم صلاحيتها و مطالبا بالتعويض طلب مني كخبيرة في مراقبة الأغذية معرفة ما إذا كانت البضاعة صالحة للاستهلاك أم لا، حتى تكون الشركة على بينة من مسألة التعويض.
بعد اخذ أوراق الملف ذهبت إلى الميناء حيث مكان الشحنة و قمت بفتح الحاويات بحضور المالك طبعا لأخذ العينات اللازمة للفحص.
عادة في بداية البحث نقوم أولا بما يعرف بالفحوص الحسية ” les analyses sensorielles ” و التي تقود لوجوب التحاليل المخبرية من عدمها، بعد إجراء هذه التحاليل لم ألاحظ أي تغير في الطعم أو اللون أو الرائحة.. الخ كل ما لاحظته هو أن اللبن أكثر كثافة من العادي فقلت انه قد يكون مصنع من لبن البودرة “سليا” و الذي في بعض الأحيان تكون الألبان المصنعة منه أكثر كثافة من تلك المصنعة مباشرة من لبن البقر، و لكن عندما قرأت المكونات وجدت أن هذا اللبن مصنوع من لبن البقر الطازج!
بقي عندي دائماً سؤال لم هذا اللبن كثيف؟ و للإجابة على هذا السؤال قمت بعمل التحاليل المخبرية و التي لم تظهر شيئا سوى تأكيد زيادة الكثافة فكل النتائج المتبقية كانت جيدة! بقيتُ حائرة لا أعرف كيف أجيب على هذا السؤال المتعلق بالكثافة حتى أنني تأخرت في تسليم التقرير.
و في يوم ما و بينما أقلب العلب و أنظر إلى تاريخ الإنتاج و الصلاحية المدون عليها حتى قفزت من المفاجأة……. تاريخ الإنتاج المدون على العلب يأتي بعد تاريخ انطلاق السفينة من الميناء في مصر!!!!!!!
إذن التاريخ مزور و صاحب الشحنة ” بيه متن لوجه” يريد التعويض.
سأسرد لكم السيناريو الذي قام به هذا الشخص ليكمل عملية إدخال هذه المادة منتهية الصلاحية : اشترى المذكور شحنة منتهية الصلاحية بثمن بخس ثم اتفق مع المورد على إعادة تسخين الحليب و تعليبه من جديد للقضاء على أية ميكروبات و إطالة مدة الحفظ، وهذا ما يجيب على السؤال الذي حيرني كثيرا المتعلق بكثافة اللبن حيث أنه من المعروف أن البروتينات تتجمد بالحرارة و بتعرض الشحنة للحرارة مرتين أدى ذلك لتجمد البروتينات الموجودة بها و بالتالي زيادة الكثافة.
و بما انه لا توجد رقابة للمواد المستوردة عند الدخول فالأمر سيمر بسلام، و انوه هنا أنني أول من فتح تلك الحاويات التي كانت جاهزة للنقل لولا رفض التاجر نقلها انتظارا للتعويض.
هذا دليل على غياب التفتيش ذي الأسباب المتشعبة و التي من أهمها عدم وجود مسؤول وحيد عن هذا المجال.
و هذا غيض من فيض،
أنادي من واقع تجربتي الشخصية………نريد هيئة مستقلة لمراقبة الأغذية.

القصة الثانية
نادتني المحكمة التجارية كخبيرة معتمدة لدى المحاكم الموريتانية في مجال مراقبة الأغذية لمعرفة مدى صلاحية كمية من الأرز قدرها 1000 طن مقدمة كهدية من دولة باكستان لمفوضية الأمن الغذائي CSA، هذه الكمية أمضت ما يقارب السنة في حاويات في الميناء دون أن تعلم بها المفوضية، و بعد أن تم إعلامها بوجود الشحنة طالبت CSA بالتعويض من شركة النقل عن الشحنة لأنها فاسدة بسبب تخزينها لها هذه المدة الطويلة دون إبلاغها بوصولها، و من هنا كان دوري.
كالعادة قمت بأخذ العينات و تحليلها حسيا و التي كانت تظهر بشكل واضح فساد المادة، و بما أن المسألة تتعلق بالمحكمة قررت عمل التحاليل المخبرية و التي في العادة لا يقام بها في وجود فساد واضح للعين كهذا، و لم تكن من سبب لهذا القرار سوى خوفي من المحامين و تدخلاتهم خصوصا أنني لا زلت حينذاك في بداياتي مع الخبرات القضائية.
المهم ذهبت إلى مختبر المعهد الوطني للبحث في مجال الصحة العمومية «INRSP» و معي العينات لإجراء الفحوصات المطلوبة، فقوبلت بوجوب إرسال طلب خطي للمدير حتى يقبل إجراء الفحوص مع أنني سأدفع مقابلا ماديا لإجرائها، ثم بعد أخذ و رد و وساطة تفضل أخيرا بإعطاء الموافقة على شرط أن يأخذوا هم العينات مع أن عيناتي معي و جاهزة!!!
توجهت إلى الشخص المسؤول عن العينات لأصطحبه معي و في الطريق إلى البضاعة و نحن نتجاذب أطراف الحديث سألته عن المواصفة ” La norme” التي سيعتمد عليها لأخذ العينات، فقال لي إنه لا يستخدم أي مواصفة و لكن ما يقوم به هو أخذ ما يريده من خنشة و اثنتين!!!!!! يا الله ألم يسمع بما يسمى طرق أخذ العينات “méthodes d’échantillonnage les” هذا العلم المعقد و الذي يحتاج لكثير من الحسابات، و إلا فان العينة لن تكون ممثلة للمنتج الذي أخذت منه ” échantillon représentatif ” و بالتالي فلا معنى للفحوصات أصلا لأن ما بني على باطل فهو باطل.
كنت أتكلم معه و هو ينظر بنظرة تقول ” م اكثر اخبار هاذي لمرة!” و هذا للأسف مثال على العاملين في هذا المجال، و بعد أحذ و رد و جدال طويل أقنعته بتركي آخذ عيناتي بطريقتي و أعطيها له على انه هو من أخذها.
حتى لا أدخل في كثير من التفاصيل، بعد استلامي للنتائج و تسليمي للتقرير للمحكمة بأيام فوجئت بمسؤول المخبر يطلب مني بصفة ودية أن أعطيه ما يسمى بحدود القبول ” les limites d’acceptabilité ” للتحاليل التي طلبتها، و بما أنني من ” أهل لقبة ” أصررت على معرفة لماذا يريدها فقال لي انه جاءتهم بصفة متزامنة معي دعوة من محكمة أخرى بإجراء التحليل لكمية أخرى من الأرز تتجاوز العشرة آلاف طن قد تكون فاسدة، و أنهم قد طلبوا نفس التحاليل التي طلبتها و أخذوا نفس العينة التي أخذتها أنا من الألف طن (1000 لا تساوي 10.000 )، إذن الأساس فاسد لأن العينة لا تمثل الكمية و لا داعي أصلا لعمل التحاليل حيث ابسط نظرة للتقرير تنسف كل النتائج التي توصل هؤلاء إليها.
بالنسبة لهم المشكلة لا تكمن في هذا و لكن في أنهم و بعد إجرائهم التحاليل لا يستطيعون الحكم على النتائج و بالتالي استخلاص إن كانت المادة صالحة أم لا لأنهم ببساطة لا يعرفون ما هي حدود القبول ” les limites d’acceptabilité “!!!!!
هذا مثال حي على الكادر البشري المكلف بإجراء التفتيش من المدير و حتى أدنى عامل ، إن سردته ليس تجريحا لهم و لكن فقط لأوضح أننا بعيدون كل البعد عن السيطرة على ما نستهلكه، و حتى أكون منصفة هذا لا ينطبق على كل من يعمل في هذا المجال و لكنهم قليلون للأسف.
وهذا مثال حي أيضا على تداخل الاختصاصات فما هو دخل المختبر الوطني لأبحاث الصحة العمومية و التابع لوزارة الصحة بتفتيش الأغذية…..
قس على هذا اغلب عمليات التفتيش التي تقرر إجراؤها، فحتى إن أجريت ما الذي يضمن صحتها في وجود كادر بشري على هذا النسق!؟

القصة الثالثة
يتبع لإدارة البيطرة بوزارة التنمية الريفية جميع مكاتب التفتيش الصحي للمنتجات من أصل حيواني على المعابر الحدودية و من بينهم مكتب ميناء الصداقة، ففي سنة 2008 تصادف وجود عدة حاويات من الحليب المجفف بالميناء مع فضيحة “الميلامين” التي حدثت بالصين و التي وصلت تداعياتها لأوروبا و الكثير من البلدان التي تستورد من الصين، و هزت مصداقية الصين كثيرا مما حدى بالسلطات الصينية بالقيام بتحقيقات جدية نجم عنها الحكم بالإعدام على مسئولين كبار.
ففي خضم هذه الأحدث ارتأت مصالح التفتيش بالإدارة أن تعمد إلى أخذ عينات من جميع الحاويات الموجودة بالميناء و القادمة من الصين- ساعتها – و إخضاعها للتحليل بحثا عن الميلامين و في غياب أي مختبر محلي قادر على إجراء الفحص تم إرسال العينات إلى فرنسا و أظهرت النتائج وجود نسب عالية من الميلامين في ثلاث حاويات من بين الخمسة التي خضعت للفحص، و أمام هذه النتيجة الصادمة بدأت عملية إدارية مترددة حيث كان أمام المفتشين قراران لا ثالث لهما إما المصادرة و الحرق أو إعادة البضاعة لمصدرها و بما أن الوزير شخصيا أصبح هو من يدير الملف و أحاطه بسرية تامة كي لا تتسرب أي معلومة للإعلام و حتى لا تهتز ثقة المستهلك فيما هو معروض في السوق من هذه البضاعة، و كذلك حتى لا تتضرر مصالح التجار أختار أن تعاد البضاعة لمصدرها في هدوء تام، إلا أن المصالح المسئولة عن التفتيش لا تملك أي دليل يثبت عودة البضاعة لمنشئها مما يفتح الباب واسعا على مصراعيه للتكهن بأن تعاملا ما تم على مستوى الجمارك سمح بالالتفاف على القرار و إدخال الحليب الملوث للسوق، إذ لا يفسر إبعاد المسئولين المباشرين عن التفتيش و إخفاء حيثيات القضية عنهم إلا أمر كهذا.
فعدم الشفافية في موضوعات من هذا الحجم تمس صحة المستهلك أمر غير مقبول و للأسف فإن غالبية المسئولين لا يفهمون ذلك و خوفا من تسليط ت الضوء على المصالح التابعة لهم يعمدون إلى دفن المشاكل التي تعترض سبيلهم كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال ظنا منها بأن عدوها لا يراها.
تعليقي على الواقعة :
لو وُجدت هيئة متخصصة في المجال بنظامها الداخلي و مدعومة بالقوانين اللازمة
– هل كان الأمر سيصل لهذا الحد كون قرار التفتيش لا يقام به إلا في ظروف كهذه
– و إن وُجد القرار و وُجد السم الذي هو سبب القرار هل كان التصرف سيكون بتلك الطريقة؟
الله يلطف…. هذا غيض من فيض
أنادي من واقع تجربتي الشخصية………نريد هيئة مستقلة لمراقبة الأغذية.

القصة الرابعة
نودي لي من طرف المحكمة على حاويات من الدجاج المجمد و التي استوردها أحد التجار، هذا التاجر عندما بدأ بفتح الحاويات ظهرت له كميات كبيرة من الدماء السائلة في الأسفل و التي لطخت الأكياس بشكل واضح مما يدل على انقطاع في سلسلة التبريد و الذي يؤدي بالتأكيد لفساد البضاعة و هو ما تأكد له بعد فتح عينة من الأكياس!
استدعى هذا التاجر محاميه فقام على صفة الاستعجال برفع قضية لحجز السفينة الناقلة لحين البت بصلاحية البضاعة، وحتى يضمن حق موكله برد المال المنفق لشراء هذا الدجاج، عندها نودي لي بحكم وظيفتي حتى أقوم بعمل التقرير اللازم الذي يثبت فساد البضاعة، فأخذت موعدا بعد يومين من استلامي للأمر لزيارة الميناء حيث البضاعة.
في اليوم التالي فوجئت باستدعاء ثان من طرف المحكمة ليخبروني أن المورد قبل الالتزام بتعويض التاجر عن بضاعته لأنه تأكد له فسادها و بالتالي حلت القضية وديا.
من هنا أود طرح بعض الأسئلة :
– ما مصير البضاعة الفاسدة؟ و أين هي المصلحة المختصة و لماذا لم تكن هي من اكتشف الشحنة الفاسدة؟
– هل تأكد التخلص منها؟ ام أنها يمكن أن تدخل السوق المحلي بطريقة أو أخرى!
– هل توجد قوانين محددة تلزم المحكمة بالتخلص من المواد الفاسدة أيا كانت أو بتعيين من يقوم بهذه الوظيفة بدلا منها مع تأكيد مراقبتها له؟
– ما هو الحق المدني للدولة من المورد؟ و ما هي الإجراءات الرادعة لمستوردي المواد الفاسدة حتى لا تتكرر نفس القضية مرة أخرى.
– لو حصل الاتفاق بين التاجر و المورد قبل أن يصل الأمر للمحكمة، هل كان يمكن للتاجر التصرف بهذه البضاعة الفاسدة بعيدا عن أعين الدولة و لكم أن تتصوروا السيناريو إذا لم يمتلك التاجر الضمير!
– من كان سيكتشف فساد البضاعة لو لم يكتشفها التاجر و كان فسادها يشكل ضررا بينا عليه ؟
من النقطة الأخيرة أنادي من واقع تجربتي الشخصية………نريد هيئة مستقلة لمراقبة الأغذية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى