مقالات

المُمارَسَةُ السياسيَّةُ و “السؤَالُ الشبَابِيُّ”بموريتانيا / المختار ولد داهى

امتلأت آذان الموريتانيين السنوات الأخيرة من “قَعْقَعَةِ” الحديث والنضال من أجل تغيير واقع غياب أو تغييب الشباب عن الشأن العام عموما والشأن السياسي خصوصا واتخذت تلك “القَعْقَعَةِ” أشكالا ومسميات عديدة منها الأحزاب والتجمعات والمنصات والنوادي والهيئات والمنابر والمبادرات…

واختلف الموريتانيون طرائق قِدَدًا حول الموقف من ما يمكن وصفه “باليقظة الشبابية” الجديدة فمنهم المتحمس المتوثب ومنهم المؤيد المناصر ومنهم الحادب المشفق ومنهم الحائر المترقب ومنهم المتوجس المحاذر ومنهم الهُمَزَةُ اللُمَزَةُ ومنهم “المعادي المستتر” وقليلٌ منهم “المعادي الظاهر”…

ويجدر التنويه إلي أن للشباب تعاريف عديدة منها تعريف منظومة الأمم المتحدة الذي يبين أن الشباب هو الفئة العمرية من 15 سنة إلى 24 سنة ضف إلي ذلك تعاريف أخري منها الفئات العمرية (15 – 29 سنة)، (15 – 35 سنة)، (15 – 45 سنة) و(15 – 50 سنة) ويتجه أغلب الموريتانيين إلى تعريف الشباب بإحدى الفئتين العمريتين (15 – 35 سنة) و(15 – 45 سنة).

ومهما يكن من تعريف وتعريف مخالف ورأي ورأي آخر وموقف وموقف مضاد فإن الأرقام – التي هي أصدق إِنْبَاءً من كل نَثْر وإنشاء – تصدعُ بضعف تمثيل الشباب في الشأن العام مقاسا من خلال مؤشرين اثنين أولهما انخفاض تواجد الشباب بالوظيفة العمومية عموما والوظيفة العمومية العليا خصوصا وثانيهما مؤشر التفاوت الصارخ بين حجم الناخبين وعدد المنتخَبين الشباب.

أولا: التواجد المنخفض للشباب بالوظيفة العمومية:
تظهر الإحصائيات المتوفرة والمتواترة أن نسبة الشباب (15 – 35 سنة) المنتسبين إلي الوظيفة العمومية لا تتجاوز 25% من مجموع الموظفين العموميين بل إن تلك النسبة لا تتعدى 12% إذا ما خصمنا منها نسبة المنتسبين إلي قطاعي التعليم و الصحة كما إن نسبة الشباب (18 – 29 سنة) المنتسبين إلي الوظيفة العمومية لا تتجاوز 4.9%.

والملاحظ شبه المجمع عليه هو تراجع تواجد الشباب (18- 35 سنة) بالوظيفة العمومية والوظيفة العمومية العليا آية ذلك أن الشباب كانوا يمثلون 85% من مجموع المنتسبين إلى الوظيفة العمومية عموما والموظفين السامين كالوزراء والأمناء العامين وكبار المدراء وكبار الضباط خصوصا خلال العشريات الثلاثة التالية للاستقلال (الستينيات، السبعينيات والثمانينيات) في حين لا تتجاوز نسب تواجد الشباب راهنا بالوظيفة العمومية والوظيفة العمومية السامية نسبتي 17% و10% على التوالي!!!.

ثانيا: التفاوت الصارخ بين عدد الناخبين والمُنْتَخَبِينَ الشباب:
يمثل الشباب (18 – 40 سنة) نسبة 70% من عدد الناخبين في حين لا تمثل تلك الفئة إلا نسبة 15% من مجموع المُنْتَخَبِينَ البرلمانيين وعمد عواصم الولايات وعمد المقاطعات والجدير بالتنبيه والتنويه أن فئة الشباب لم تكن تمثل خلال العهدة البرلمانية والبلدية السابقة إلا أقل من 7% وهو تطور يحسب ويسجل إضافة إلي رصيد الحقبة السياسية الحالية.

ويمثل التفاوت الصارخ بين الناخبين والمنتخَبين الشباب وَقُودَ الشعور بالتهميش و”الاستغلال الانتخابي” لدي الشباب يدفع ببعضهم أحيانا إلي “الخشونة اللفظية” اتجاه الطبقة السياسية الحالية التي يتهمها بعضهم بالشيخوخة والربحية والحربائية السياسية ويحملونها وزر المسؤولية عن إقصاء وتهميش وتحييد وتدجين الشباب.

وإذا تمهدت “مَغْبُونِيًةُ” الشباب من خلال المؤشرين السابقين (انخفاض التواجد بالوظيفة العمومية والتفاوت بين حجم الناخبين وعدد المنتخَبين) فإن الاقتراحات التالية يمكن أن تساهم في أن تُرَشِدَ الفعل الشبابي فتنتج قعقعة الديناميكية الشبابية الحالية مؤونة وطحينا لا جعجعة وطنينا:
1- ترشيد شعار “تجديد الطبقة السياسية”: ويتعلق الأمر بواجب تحرير شعار “تجديد الطبقة السياسية” الذي يروج له بعض الشباب الطافح بالحماس بطريقة “شبه عدوانية” اتجاه الطبقة السياسية الحالية والأولي أن تعاد صياغة الشعار بحيث يغدو “التجديد التكاملي للطبقة السياسية” وسيكون من محاسن الصياغة الجديدة طمأنة الطبقة السياسية الحالية والتمكين الواقعي والمتدرج للشباب في مسارح الشأن السياسي؛
2- إرساء “كوتا للشباب” بالمناصب الانتخابية: والمقصود هو أن يخصص للشباب كوتا من مقاعد البرلمان والمجالس البلدية والجهاتية على غرار كوتا النساء خلال عهدتين برلمانيتين وبلديتين وجهويتين فقط على أن يشترط عليهم التراجع عن تلك الكوتا عند انصرام ذلك الأجل؛
3- توسيع صلاحيات المجلس الأعلى للشباب: ويعني ذلك توسيع صلاحيات المجلس الأعلى للشباب الذي يضطلع راهنا بمهام استشارية فقط بحيث يعهد له بمهام رقابية وتقييمية للعمل الحكومي في المجال الشبابي وفي مرحلة لاحقة يحسن التبويب أيضا علي إمكانية التعاقد مع المجلس للاضطلاع بمهام تنفيذية معينة كلما تأكد أنه الأنسب للتكفل بها؛
4- سَنُ أسبوع وطني للشباب: بما أن المنظومة الدولية تخلد كل سنة اليوم العالمي للشباب في 12 أغسطس من كل سنة فإنه يجدر أن تسن الحكومة الموريتانية إنشاء “أسبوع وطني للشباب” يخلد بتنظيم أنشطة متنوعة تسعي للرفع من مكانة الشباب وتسهيل وتسريع ولوجهم إلى المشهد العام؛
5- خلق جوائز وطنية سنوية للمتميزين من الشباب: وذلك سعيا إلى مكافأة المستحقين والمتميزين من الشباب ويحسن أن تكون تلك الجوائز وطنية عالية المستوي المادي والمعنوي تمنح للمتميزين وتشجع روح المنافسة الإيجابية والإبداعية.
6- إعداد برنامج وطني لاكتشاف وتشجيع المواهب الشبابية بالمناطق الموريتانية “ذات الاحتياجات الخاصة”: وحيث أن من يتحدث عن الشباب يتحدث عن المستقبل وتأسيسا على أن مستقبل هذا البلد لن يكون آمنا إلا إذا تم تأمين التعايش الشرائحي أو بعبارة أخري فإن “المستقبل الموريتاني يكون بالتعايش الشرائحي أو لا يكون”.

فإني أقترح أن يحرز الشباب قصب السبق إلى تعزيز قابلية التعايش الشرائحي من خلال إعداد برنامج وطني يسعي إلي اكتشاف المواهب الشبابية “بالمناطق الموريتانية ذات الاحتياجات الخاصة” وحواضن رواسب الاسترقاق خصوصا ابتغاء رعايتها وتشجيعها ومكافأتها وتسهيل ولوجها إلي المناصب القيادية بالمشهد العام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى