مقالات

الأصول التاريخية لنسب صنهاجة / الحلقة الثانية

قال الامام الحافظ ابو الحسن على بن ابي الكرم محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيبانى عز الدين بن الأثير الشهير بابن الأثير المولود 550 هجرية /المتوفى 630 هجرية ، فى كتابه : اللباب فى تهذيب الأنساب :(الصنهاجي بضم الصاد المهملة وكسرها وسكون النون وفتح الهاء وبعد الألف جيم …هذه النسبة الى صنهاجة ، وهي قبيلة مشهورة من حمير بالمغرب ينسب اليها خلق كثير من الامراء والعلماء بالمغرب…).
ويقول الإمام ابى سعد عبدالكريم بن محمد بن منصور السمعانى المتوفى سنة 562 هجرية فى الجزء الثالث من كتابه الانساب صفحة ….(الصنهاجى بضم الصاد وكسرها والنون ساكنة ، والهاء مفتوحة ، وفى آخرها الجيم ، هذه النسبة الى صُنْهاجة ، وصنهاجة وكتامة قبيلتان من حمير، وهما من البربر ، وقيل بربر من العماليق الاصنهاجة وكتامة من حمير ، واشتهر بهذه النسبة جماعة كثيرة من المغاربة منهم ).الانساب الجزء الثالث ص…
وقال العلامة الجليل الغنى عن التعريف الحافظ جلال الدين السيوطى فى كتابه لب اللباب فى تحرير الأنساب …ص… ( الصنهاجى بالكسر والسكون وجيم الى صنهاجة قبيلة من حمير بالمغرب…).
وقال العالم الجليل والمؤرخ الكبير ابو العباس احمد بن على بن احمد بن عبد الله القلقشندى المولود 756 هجرية المتوفى 821 هجرية : (بنو صنهاجة بطن من البرانس من البربر مساكنهم ببلاد المغرب ، وهم بنو صنهاجة بن برنس بن بربر ، ويقال بنوصنهاج بن اوريع بن برنس بن بربر ، ويقال إنهم من حمير من عرب اليمن وليسوا من البربر ، قاله الطبرى والمسعودي وعبد العزيز الجرجانى وابن الكلبى والبيهقي ….).نهاية الأرب فى معرفة انساب العرب ،ص…
ويقول المؤرخ الكبير والعالم الجليل ابن خلكان (…إذ الذى وجدته أن اصل هؤلاء القوم – يقصد صنهاجة -من حمير بن سبأ، وهم اصحاب خيل وإبل وشاء ، ويسكنون الصحراء الجنوبية ويتنقلون من ماء الى ماء كالعرب وبيوتهم من الشعر والوبر…).
وفيات الأعيان لابن خلكان ، تحقيق احسان عباس دار صادر بيروت ج 7 ، ص….
وفى كتابه نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق يقول:ابو عبدالله محمد بن محمد بن عبدالله بن ادريس الحمودى الحسنى المعروف بالشريف الإدريسى احد اكابر علماء وفضلاء القرن السادس الهجرى مانص المتعلق منه بنسبهم : (…فأما بلاد نول الأقصى وتازكاغت فهى بلاد لمتونة الصحراء ، ولمتونة قبيلة من صنهاجة ، وصنهاجة ولمطة اخوان لاب واحد وأم واحدة وابوهما لمط بن زعزاع من اولاد حمير وأمهما تازكاى العرجاء وابوها زناتى ، وهوار ايضا اخ لصنهاج ولمط من أم وابوه المسور بن المثنى بن كلاع بن ايمن بن سعيد بن حمير ، وإنما قيل له هوارا لكلمة تقولها فسمى بها هوارا، وذلك ان قبائل العرب نزلت على قبائل البربر فنقلوهم الى لسانهم بطول المجاورة لهم حتى صروا جنسا واحدا وأن اميرا من أمراء العرب يسمى المسور كان ساكنا مع قومه فى بلاد الحجاز فضاعت له ابل فخرج يطلبها ويبحث عنها الى ان عبر النيل بمصر وصار فى بلاد المغرب طالبا لها فمر بجبال طرابلس فقال لغلامه أين نحن من الارض ؟ فقال له الغلام نحن بأرض افريقية فقال له لقد تهورنا ، والتهور عند العرب هو الحمق فسمي بهذه اللفغة هوارا.
ونزل المسور المذكور بقوم من زناتة فحالفهم وراى بأرضهم تازكاى ام صنهاج ولمط التى ذكرناها آنفا ، وكانت جميلة …بارعة الكمال فولع بها المسور فسأل عنها ورغب فى زواجها فتزوجها وكانت …يومئذ خلوا من زوج ومعها ابناها صنهاج ولمط ، وهما ابناء لمط الاكبر ، فولد للمسور منها ولد سماه المثنى .
ثم مات المسور عنها وبقي ولده المثنى مع اخويه لمط وصنهاج عند امهم تازكاى وعند اخوالهم من زناتة فولد للمط اولاد كثيرون وولد لصنهاج مثل ذلك فكثر نسلهم وتسلطوا على الأمم فاجتمع عليهم قبائل البربر فازعجوهم الى الصحارى المجاورة للبحر المظلم فنزلوها وبها قبائلهم الى الآن متفرقة ، وهم اصحاب ابل ونجب عتاق رحالة لايقيمون بمكان واحد ….ومن قبائل لمطة مسوفة ووشان وتمالته ومن قبائل صنهاجة بنو منصور وتمية وجدالة ولمتونة وبنو ابراهيم وبنو تاشفين وبنو محمد….).الشريف الإدريسي ، نزهة المشتاق ..ج الاول …ص…
ويقول صاحب شذرات الذهب فى اخبار من ذهب العالم الفقيه الأديب ابى الفلاح عبد الحي بن عمار الحنبلى المتوفى سنة 1089 هجرية عند تطرقه لترجمة امير المسلمين يوسف بن تاشفين – اعظم ملك من ملوك صنهاجة واعز فتى انجبته امتونية فى عصره -فى ذكره لحوادث سنة خمسمائة للهجرة قال مانصه: (وقال ابن الاهدل : يوسف بن تاشفين ابو يعقوب …كان من اعظم ملوك الدنيا فى عصره…وكان اولا مقدم ابى بكر بن عمر الصنهاجى وكان الصنهاجي مقدم الملثمين من ملوك حمير المغرب ، واختلف لم سموا بذلد ، وفيهم يقول الشاعر:
قوم لهم درك العلا فى حمير * وان انتموا صنهاجة فهم هم.
لما حووا احراز كل فضيلة * غلب الحياء عليهم فتلثموا…).عبد الحى بن عمار الحنبلى شذرات الذهب فى اخبار من ذهب..ج3 …ص…
وقال العلامة المؤرخ الكبير عبد الرحمن بن خلدون الذى تنكر لعروبتهم لحاجة فى نفسه قد يكون سببها انحدار اسرته من مدينة اشبيلية وعلاقتها الوطيدة مع اسرة آل عباد التى كانت تحكمها ومأآل اليه امر آل عباد من زوال ملكهم على يد امير المسلمين يوسف بن تاشفين بعد ان طعنه المعتمد فى الظهر بتحالفه مع الفونسو ملك قشتاله رغم اعترافه فى اكثر من مرة فى كتابه العبر باعتراف المؤرخين العرب بنسبهم الحميري.
يقول ابن خلدون عند تطرقه لنسب صنهاجة مانص المراد منه : ( اتفق المؤرخون العرب على ان صنهاجة وكتامة قبيلتان يمنيتان غزى بهما افريقش بن تبع بلاد المغرب وتركهما هناك حامية الا أن المحققين من المؤرخين البرابرة يقولون انهم من البربر وهو الصحيح عندى والله اعلم – لاحظ انه اعتمد ماقاله البرابرة دون تقديمه لما يرجحه به – ثم قال: … واذكر نسبهم فإنهم من ولد صنهاج وهو هناك بالصاد المشممة بالزاي والكاف القريب من الجيم .
إلاان العرب عربته وزادت فيه الهاء بين النون والألف فصار صنهاج…وهو عند نسابة البربر من بطون البرانس من ولد برنس بن بر ، وذكرابن الكلبي والطبري -وهما كما نعرف الأول عالم من اجلة علماء النسب والتاريخ المرجوع اليه فيهما والثانى امام من اقدم واجل علماء التفسير المرجوع اليهم فى تفسير القرآن – انهم وكتامة جميعا من حمير كما تقدم فى كتامة ، وفيما نقل الطبرى فى تاريخه انه صنهاج بن يصوكان بن ميسور بن الفند بن افريقش بن قيسى .
وبعض النسابة يزعم انه صنهاج بن المثنى بن المنصور بن المصباح بن يحصب بن مالك بن عامر بن حمير الاصغر من سبأ كذا نقل ابن النحوي من مؤرخى دولتهم وجعله يحصب .
وقد مرذكره فى انساب حمير وليس كما ذكر والله اعلم …).مرة اخرى لم يقدم مايفند ماذكره ابن النحوى.
وعند تطرقه لنسب كتامة قال مانصه 🙁 هذا القبيل من قبائل البربر بالمغرب ، واشدهم بأسا وقوة ، واطولهم باعا فى الملك عند نسابة البربرمن ولد كتام بن برنس ، ويقال كتم ، ونسابة العرب يقولون انهم من حمير ذكر ذلك ابن الكلبي والطبرى .
واول ملوكهم افريقش بن قيس بن صيفي من ملوك التبابعة ، وهو الذى افتتح افريقية وبه سميت ، وقتل ملكها جرجير وسمى البربر بهذا الإسم كما ذكرناه …ويقال اقام فى البربر من حمير صنهاجة وكتامة فهم الى اليوم فيهم …).
وعند تطرقه لنسب البربر والخوض فيه قال: ( وقال الكلبى إن كتامة وصنهاجة ليستا من قبائل البربر وإنماهما من شعوب اليمانية تركهما افريقش بن صيفي بإفريقية مع من نزل بها من الحامية…هذه جماع مذاهب اهل التحقيق فى شأنهم ).
وفى موضع آخر يتعلق بهذا النسب قال : ( وقال ايضا – يقصد الصولى البكرى – إن حام لما اسود بدعوة ابيه فر الى المغرب حياء واتبعه بنوه وهلك عند اربعمائة سنة .وكان من ولده بربر بن كسلاجيم فنسل بنوه بالمغرب …قال وانضاف الى البربر حيان من المغرب يمنيان عند خروجهم من مأرب كتامة وصنهاجة قال وهوارة ولمطة ولواتة بنو حمير بن سبأ…).
وقال ايضا فى شأنهم :(ولاخلاف بين نسابة العرب أن شعوب البربر الذين قدمنا ذكرهم كلهم من البربر الاصنهاجة وكتامة ، فإن بين نسابة العرب خلافا والمشهور انهم من اليمنية ، وأن افريقش لما غزا افريقية انزلهم بها …).
ويسترسل العلامة عبد الرحمن بن خلدون فى تتبعه لنسب مختلف قبائل البربر حتى يقول : ( والحق الذى شهد به المواطن والعجمة انهم بمعزل عن العرب الا ماتزعمه نسابة العرب فى صنهاجة وكتامة …وعندى انهم من اخوانهم والله اعلم ).ابن خلدون كتاب العبر ، الاجزاء…والصفحات محجوبين.
قلت من جماع ما ورد فى كتاب العبر لإبن خلدون يتبين ان مؤرخى العرب شبه مجمعين على عروبة صنهاجة وانه هو كان أمينا فى نقل ذلك عنهم ، لكنه من الملاحظ اغفاله لإيراد كلامهم بالتفصيل مما افقدنا معرفة الادلة التى اعتمدوها وإن كان يكفيهم تمسك المعنيين انفسهم بهذا النسب وعدم منازعة من يعبأ بقوله لهم ، لأن الأصل هو تصديق الناس فى انسابهم كما قال امامنا الإمام مالك.
ولأنهم مصدقون فى انسابهم ويدعمهم فى ذلك اجلة علماء النسب المرجوع اليهم فى هذا الموضوع ، ولأن ابن خلدون نفسه قد اعترف اكثر من مرة باعتراف هؤلاء العلماء الأجلاء بالنسب العربي الحميري لصنهاجة وكتامة واخوانهم مقابل عجزه هو – وهو العالم الباحث صاحب اليد الطولى فى علمى التاريخ والإجتماع الذى لايمكننا التعلق بأهدابه – عن تقديم دليل واحد يثبت من خلاله ان اصلهم بربريا إذا ما استثنينا تركيزه على اللغة والعادات والتقاليد التى اوضحنا كغيرنا اسبابها والظروف الإكراهية التى فرضتها .
وعليه وبالنظر الى ماتقدم فإنه يمكننا القول ونحن فى مأمن من الخطأ ان ما ورد فى كتاب العبر لإبن خلدون يعتبر فى تحليله الدقيق دليلا على عروبة صنهاجة وكتامة وإن كان هو اراد التشكيك فى ذلك .
فليس من المنطقي او المعقول ان نضرب بعرض الحائط اقوال جميع العلماء ونتمسك باستنتاج لواحد منهم لم يقدم ما يدعم هذا الاستنتاج.
إننا ومع اعترافنا بعجزنا وتقاصرنا عن العلامة ابن خلدون وادراكنا لفارق المنزلة العلمية بيننا الا ان ذلك لا يمنعنا من القول إنه رحمه الله لم يكن موفقا فى استنتاجه الذى لم يرتكز على اية قاعدة شرعية اوتاريخية اواجتماعية بنى عليها تصوره لنسب صنهاجة وكتامة .
يتبع يوم غد ان شاء الله.
الدكتور المحامى / محمد سيدي محمد المهدي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى