مقالات

ولد محمد لغظف وولد حدمين : شتان ما بين الاخضر واليابس

لا تزال البلاد تحن الي الوزير الأول السابق د. ملاي ولد محمد لغظف الذي عرفت موريتانيا في حقبته تدفق الاموال الكثيرة والاستثمارات العملاقة وانتعاش الاقتصاد و تخفيف الاختناق السياسي و التشاور و الحوار وغيرها من الامور التي يتميز بها العظماء و تختص بها البلدان السائرة في فلك الدول المتقدمة.

فكانت فترته بالمثابة للكثيرين ك” سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ” ، حيث جاء تعيينه علي رأس الحكومة انتصارا علي الوضع الاقتصادي والاجتماعي السيئ ما قبل 2008 و اخرج البلاد من بؤر الجوع و الفساد.

وتتجلي الصورة القاتمة المخالفة تماما في حقبة خلفه يحي ولد حدمين الذي كرست فترته بروز اللوبيات التي تدور حوله سواء من اقرباء الرئيس محمد ولد عبد العزيز لاستغلال النفوذ او من اقربائه الشخصيين لنهب ممتلكات الدولة، عبر خلية تنشط في الوزارة الاولي و تجعل قبضتها علي كل الصفقات و كل مقتنيات الدولة.

فجاء عهده علي نحو “سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ”، مما جعل موريتانيا تعيش أسوء الظروف في زمنه.

ولم يسلم أسياد الوزير الاول اهل عبد ولد جيد من ثورة ولد حدمين عليهم، خلافا لأجداده الذين كانوا يكنون لأسرة اهل عبد ولد جيد الاحترام والتقدير والولاء.

وكأن الوزير الاول لا يدرك ان التاريخ هو صاحب الكلمة الاخيرة والغلبة وانه يوما ما سيكون السقوط الي الهاوية بدون رجعة ويصعب حينها تصحيح الاخطاء الجسيمة القاتلة و القاضية والفادحة.

اللهم هل بلغت

ويعرف الوزير الاول السابق حسب العارفين له بالذكاء والجدية والأناقة. كان مُقِلاًّ في الكلام مكثرَ الابتسام بما يتناسب مع المقام.

“أخبرنا أيام تخرجه أن أحد الأساتذة الزائرين من بلجيكا قد اقترح عليه الانضمام إلى مختبره في بروكسل، وأنه إليها مرتحل”، يقول في شأنه الدكتور محمد ولد البرناوي أستاذ علم الاجتماع في جامعة انواكشوط.

ويضيف: “دخل الرجل منذ ذلك الوقت دهاليز البحث العلمي في أعرق معاقله (اوروبا) وفيه غاب وله تفرغ زهاء العقدين من الزمن، قبل أن يعود إلى البلاد في مستهل هذا القرن .

بين عودته من مهجره وتقلده رئاسة الحكومة بعد السفارة، ترك الرجل أثرا في الناس طيبا، وقدم في المجتمع خدمات جليلة تذكر فتشكر.

خلال عقديْ بلجيكا، لم تزد لقاءاتي به عن ثلاثة أو أربعة، وكانت دائما في البيت العامر لصديقنا وحبيبنا الدكتور محمد ولد سيديا ولد خباز، و ظل انطباعي حول الرجل ثابتا: الذكاء والجدية والأناقة و “كاريزما” واضحة.

كان ذكاؤه المعرفي واضحا ولكن ذكاءه الاجتماعي لم يكن أقل بدوا: إذ يُخَيَّلُ إليك أحيانا أنه يعبر بِتَهَلُّلِ وجهه عن فهم مقصدك حتى قبل أن تـُـبِين.

في مكتبه بالوزارة الأولى خصني مشكورا باستقبال مميز، وكان كعادته طلق المحيى، بشوشا ونابها، وكان حديثه، كما عهدته من قبل، ودِّيا وحارا وصادقا.

أهديته أحد كتبي عن طريق مستشار له صديق، رغبة مني في أن يصله العمل في الأيام الأولى لصدوره، وحتى يكون لصاحبي مَتَاع مُزْحة يخصني بها لو التقيته من بعدُ: فللرجل أريحية مشهودة، فما كُتب لنا للأسف الشديد لقاء جديد، مع ثقتي أن الإرادة موجودة لدى الوزير الأول، لكن زحمة الانشغالات حالت- من غير شك- دون ذلك اللقاء.

لم يكن معالي الوزير الأول مولاي ولد محمد لغظف – في الفترة التي قضاها في رئاسة الحكومة- مغرما بالأضواء ولا بالخطب العصماء، رغم ماله في الرهان من سبق تليد وتاريخ مديد، لكنه كان هادئا في نهجه، كيِّسا في مساره .

ورغم إغراءات السلطة والتنفذ في المجتمع، فقد سَلِم الرجل- على قلة من الناجين – من وصمة القبلية ومن عار سوء التسيير، فكانت أناقته الظاهرة تعكس نظافة باطنة، ورغم ما عرفته البلاد ” في عهده ” من تجاذبات فلم يُستدرج لسُوحٍ لا تليق به كمثقف قدوة مؤتمن.

فهنيئا لمعالي الوزير الأول الدكتور مولاي ولد محمد لغظف بالمرور الطيب: فقد جاء مطلوبا وخرج محبوبا”

المصدر : تقدم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى