ألقى الدكتور إسلكو ولد أحمد إزيد بيه وزير الشؤون الخارجية والتعاون كلمة بلادنا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال مشاركته فى فعاليات الدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة فى مدينة نييورك
وبين الوزير الدور المحورى الذى تضطلع به موريتانيا بقيادة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبدالعزيز فى الحفاظ على السلم و الأمن فى منطقة الساحل والصحراء وفيما يلي النص الكامل لهذه الكلمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على النبي الكريم
السيد الرئيس،
أصحابَ الجلالة والفخامة والسمو،
أصحاب المعالي الوزراء
صاحبَ المعالي الأمين العام للأمم المتحدة،
السادةُ المندوبون الدائمون،
أيها السادةُ والسيدات.
يطيب لي في البداية أن أتقدم بالتهاني الحارة إلى السيد بيتر تومصون بمناسبة انتخابه رئيسا للدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن أتمنى له التوفيق والسداد في مهامه النبيلة الجديدة.
كما أود أن أعرب عن عميق التقدير للسيد موركنس ليكلوفتعلى ما بذله من جهود طيبة خلال رئاسته للدورة السابقة للجمعية العامة.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أشيد بالجهود المضنية التي بذلها معالي الأمين العام للأمم المتحدة السيد/ بان كي مون خدمة للسلم والأمن الدوليين، فخصاله القيادية وقدرته الفريدة على المتابعة الدقيقة لكبريات المشاكل الدولية، كان لها الأثر الكبير على ترقية روح التسامح والتفاهم والتعاون داخل دوائر المنتظم الدولي.
السيد الرئيس،
تضطلع موريتانيا، بقيادة فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، بدور محوري في المحافظة على السلم والأمن في منطقة الساحل والصحراء، من خلال مقاربة مركبة تتبنى الانفتاح والحوار نهجا والمهنية والصرامة عملا. لقد كللت جهود البلاد بالنجاح، عندما هزمت العصابات الإرهابية، بعد معارك ضارية سنتي 2010 و2011 . فعلى الرغم من ظرف إقليمي بالغ التعقيد، يجمع الخبراء على أن موريتانيا تشكل استثناء يستحق التنويه في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف. فإذا كانت موريتانيا قد طورت قدراتها الأمنية والدفاعية بشكل ملحوظ، إلا أن ذلك لم يتم على حساب ترقية الحريات الفردية والجماعية أو على حساب العناية بالفئات الأقل حظا من المجتمع أو بالتنمية المستدامة بشكل عام. فحسب منظمة “مراسلون بلا حدود”، فإن موريتانيا تحتل، منذ ثلاث سنوات متتالية، المرتبة الأولى عربيا على مستوى حرية التعبير والصحافة، وحسب آخر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، فإن موريتانيا تتقدم على دول شبه منطقة دول الساحل فيما يخص مؤشر التنمية البشرية. لقد استطاعت موريتانيا، من خلال ضمان حريات التعبير والتظاهر والتنظيم، أن تتجنب الوقوع في مأزق ما سمي ب”الربيع العربي” الذي عصف -وللأسف- ببلدان عربية عديدة. كما نجحت في تسيير حوار سياسي مفتوح بين الأغلبية والمعارضة، سنة 2011، تمخض عن إصلاحات تشريعية وتنظيمية جوهرية تتعلق، من بين أمور أخرى، بتمكين المرأة الموريتانية وترقية قيم المواطنة والمصلحة العامة والقضاء على مخلفات التراتبية الاجتماعية التقليدية.
وتعتبر موريتانيا أن الأمن والتنمية بمفهومها الشامل وجهان لعملة واحدة، الشيء الذي حدا بالحكومة الموريتانية إلى انتهاج سياسة صارمة لمحاربة الفساد وترشيد النفقات العمومية واعتماد مدونة محفزة للاستثمارات الخاصة، طوال السنوات الثمانية الأخيرة، مما ساهم في توفير الموارد الذاتية اللازمة للنهوض بالبلاد أمنيا واقتصاديا واجتماعيا، وخلق فرص عمل إضافية لصالح الشباب. وكنتيجة مباشرة لهذه السياسة العقلانية، عرفت قطاعات اقتصادية عديدة تطورا منقطع النظير، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، البنى التحتية الطرقية والمينائية والاستشفائية والجامعية، بالإضافة إلى إنتاج الكهرباء بمصادرها التقليدية والمتجددة وإنتاج الماء الصالح للشرب، فتحسنت بذلك الظروف السكنية والمعيشية لعدد كبير من الأسر الموريتانية، خاصة تلك التي ظلت تعيش في أحياء الصفيح منذ حوالي نصف قرن.
السيد الرئيس
إن موريتانيا بانتمائها إلى منطقة المغرب العربي الكبير وإلى منطقة دول جنوب الصحراء وبواجهتها الأطلسية الطويلة وبعمقها الصحراوي، تشكل مركبة رئيسية من المنظومة الأمنية والاقتصادية والبشرية في شمال-غرب إفريقيا. وتعمل السلطات الموريتانية الحالية على أن يسود الانسجام والوئام هاتين المنطقتين الحيويتين، من خلال سياسة ثابتة لحسن الجوار والنأي بالبلاد عن الصراعات في شبه المنطقة. ففي ما يتعلق بالصراع الدائر حول منطقة الصحراء الغربية، تؤكد موريتانيا على موقفها المحايد الثابت ودعمها المستمر لجهود الأمم المتحدة الرامية إلى إيجاد حل دائم ونهائي لهذا النزاع، الذي يعيق فرص الاندماج والتنمية في المنطقة.
وتتويجا لمصداقية البلاد على المستوى القاري، تشرفت موريتانيا برئاسة “الاتحاد الإفريقي”، سنة 2014، بعد ترؤُسِها “لمجلس السلم والأمن” في نفس المنظمة.
وخلال هاتين المأموريتين، شاركت موريتانيا إلى جانب بعض البلدان الإفريقية، في عدة مبادرات لإيجاد حلول سلمية وتوافقية للأزمات في كوت ديفوار وليبيا ومالي وبوروندي وغيرها، ولعل جمعكم الموقر يتذكر شجاعة فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، عندما قرر الهبوط على متن طائرة هيلكوبتر في مدينة كيدال المالية، في مايو 2014، إثر احتدام الصدامات العسكرية في هذه المدينة المنكوبة، مما شكل فرصة للتهدئة ولانطلاق مفاوضات مباشرة بين أطراف النزاع. واستقبلت موريتانيا أكثر من ستين ألف لاجئ مالي في مخيم “امبره”، شرقي البلاد.
وعلى الرغم من شح مواردها المادية والبشرية وحساسية وضعها الجيو- سياسي، لم تتردد موريتانيا في المشاركة في إرسال قوات لحفظ السلام، كلما طلبت منها منظمة الأمم المتحدة ذلك، حيث بعثت بوحدات أمنية إلى كل من كوت ديفوار ووسط إفريقيا، ويجمع المشرفون هناك على مهنية وأخلاقيات الجنود الموريتانيين.
ولقد لعبت موريتانيا دورا متقدما في تأسيس “مجموعة دول الساحل الخمسة”، وهي اتشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا، وتحتضن موريتانيا الأمانة الدائمة لهذه المنظمة الإقليميىة. وتعنى “مجموعة دول الساحل الخمسة” بالتنسيق فيما بينها في مجالات حيوية هي الأمن والحكامة الرشيدة والعناية بالمناطق الأقل كثافة سكانية والبنى التحتية. وقد صممت المنظمة برامج ومشاريع مشتركة نالت اهتمام الكثير من الشركاء الدوليين.
السيد الرئيس،
لم تتردد موريتانيا في الترحيب، عندما آل إليها شرف إحتضان قمة جامعة الدول العربية الأخيرة، على الرغم من الآجال الضيقة والظرفية الصعبة التي يجتازها حاليا عالمنا العربي، وذلك انطلاقا من قناعة راسخة بأنه مهما تباينت وجهات النظر، فإن أي لقاء عربي على مستوى القمة، يشكل فرصة ثمينة لإصلاح ذات البين والتفكير في حاضر الأمة واستشراف مستقبلها. لقد شكلت هذه القمة، بتنظيمها المحكم وقراراتها التاريخية، رسالة قوية إلى أولئك الذين يعولون على الخلافات العربية لتمرير أجنداتهم العبثية، كما شكلت نكسة حقيقية لممتهني التشكيك وسماسرة التهويل الأمني.
إن موريتانيا وانطلاقا من مسؤولياتها تجاه الأمة العربية والعالم، لتؤكد تمسكها الراسخ بحقوق الشعب الفلسطيني في الكرامة والسيادة، في إطار دولة مستقلة قابلة البقاء وعاصمتها القدس الشرقية، طبقا لما نصت عليه المبادرة العربية للسلام والقرارات الدولية ذات الصلة، وتؤكد أن الخروقات المستمرة لحقوق الإنسان في فلسطين وباقي الأراضي العربية المحتلة من طرف إسرائيل، لن تزيد الشرق الأوسط والعالم بأسره إلا اضطرابا وخطورة، إذ تشكل رافعة رئيسية للتطرف العنيف وللإرهاب عبر العالم.
وتتوجه موريتانيا إلى أطراف النزاعات المريرة والدامية في كل من الدول الشقيقة ليبيا واليمن وسوريا، لكي يغلبوا منطق الحكمة والعقل ومصالح الشعوب، حيث أنه في عصر القرية الكونية لم يعد بالإمكان حسم الصراعات بالوسائل العسكرية مهما تطورت، والأمثلة على ذلك عديدة…
إن مبدأ الحصانة القضائية للدول يشكل ركيزة أساسية من ركائز النظام الدولي، فالتطرف العنيف والإرهاب والمتاجرة بالمخدرات والمهاجرين السريين، تشكل مجتمعة تحديات جسام وتهديدات خطيرة للسلم والأمن الدوليين، تحتم على جميع الدول تضافر الجهود للتصدي لهذه التحديات والتهديدات. فأي تشريع وطني يتعارض مع مقتضيات القانون الدولي، خاصة عندما يتعلق الأمر بخرق مبدأ الحصانة القانونية للدول، سيَحُول لا محالة إلى تبديد جهود المنتظم الدولي في مواجهته للتحديات المصيرية.
السيد الرئيس،
تشكل التغيرات المناخية تحديا كبيرا أمام تحقيق التنمية المستدامة، خاصة في منطقة الساحل والصحراء، وقد تأثرت موريتانيا أكثر من غيرها، وكباقي دول شبه المنطقة بهذه الظاهرة، حيث تغطي رمال الصحراء الكبرى مناطقَ شاسعة من مساحة البلاد، مما حدا بالحكومة الموريتانية إلى اعتماد مقاربة تنموية تهدف إلى إدماج القضايا البيئية في صميم السياسات الوطنية لضمان استدامة النمو الاقتصادي. فعمدت إلى انتهاج سياسة بيئية مكنت من الحد من ظاهرة زحف الرمال. وقد أشرفت السلطات العمومية بتوجيه ومشاركة من فخامة رئيس الجمهورية على عمليات تشجير واسعة كما تم وضع آلية للعناية بالمحميات الطبيعية.
وتتشرف موريتانيا باحتضان مقر الوكالة الإفريقية للسور الأخضر الكبير، هذا المشروع الطموح الذي يمتد على مسافة 7000 كيلومتر والذي يربط شواطئ المحيط الأطلسي غربا بشواطئ البحر الأحمر شرقا، والذي ستستفيد منه 11 دولة في منطقة الساحل . كما تم الاهتمام بالثروة السمكيةً بغية عقلنة استغلالها وصونا لمصالح الأجيال الموريتانية القادمة. وترحب موريتانيا بالإتفاق التاريخي الذي تم التوصل إليه في باريس حول التغيرات المناخية وتأمل أن تفي كل الأطراف بتعهداتها في هذا المجال.
السيد الرئيس،
تتطلع موريتانيا إلى وضع جدول أعمال حضري جديد، شامل وطموح، يتكامل بشكل وثيق مع أجندة 2030 للتنمية المستدامة الطموحة بأهدافها 17 و غاياتها 169. إذ تمثل عصرنة المدن وقدرتها على الاستجابة لمتطلبات الحياة الكريمة ومراعاة الاندماج الاجتماعي والخصائص السكانية المختلفة، شرطا أساسيا لتطويرالشعوب والنهوض بها اجتماعيا. ونأمل أن يُكَلل مؤتمر المَوْئِل الثالث للأمم المتحدة الذي سينعقد في كيتو بالإكوادور في الشهر المقبل بالنجاح وأن يعكس تطلعات شعوب العالم و يُسهم في بناء رؤية عمرانية وحضرية متكاملة تدعم جهود الإعمار وتحقق التوازن بين المناطق الريفية والحضرية.
أشكركم والسلام عليكم