افتتح بموريتانيا أمس مؤتمر علماء السنة لمحاربة التطرف برعاية و حفاوة رسمية “خَمْسِيًةِ النجوم” و بحضور الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي و مشاركة وفود علمية رفيعة المستوي قادمة من العديد من الدول الإسلامية و تدوم أعمال المؤتمر يومين من “زِحَامِ العُقُولِ” و تفاعل الأفكار عبر العروض المشفوعة بالتعقيبات و المداخلات و الاستدراكات و النقاشات…
و يتنزل انعقاد هذا المؤتمر في ظرف تَتَعَاوَرُ فيه الأمةَ الإسلامية مخاطر و معاول الاحتلال الصهيوني و نذر “الاحْتِرَابِ الطائفي” و “صَوْلَةُ” باطل الاستبداد السياسي المتوحش و تنامي ظاهرة انتساب بعض الشباب المسلم “لِطَبَعَاتٍ” جديدة من للفكر الإرهابي القائم علي العنف و التدمير في تسيير العلاقة مع الآخر المخالف شرعة أو طائفة أو مقاربة أو منهاجا…!!
و من الأكيد أن المؤتمرين العلماء سيُخضعون موضوعي الإرهاب و التطرف للتحليل “تحت المجهري” ابتغاء استكناه الأسباب و المظاهر و سبل الوقاية و طرائق العلاج كما أن مخرجات المؤتمر ستتم صياغتها و تنزيلها إلي وسائط علمية و تربوية و إعلامية قابلة للفهم و الاستيعاب من طرف الجمهور المستهدف المكون غالبا من بعض الشباب “المُشَبًعِ” بالعاطفة و الغيرة الإسلامية المتدفقة “الخَاوِيِ” من “اللِقَاحِ” العلمي و الفقهي اللازم.
و حبذا لو تم التنبيه بصوت عال و “حِبْرٍ لاَصِقٍ” خلال هذا المؤتمر إلي أن أصل الإرهاب ذي الخلفية الدينية و “قاعدته” الأساس “انحرافٌ في الفكر الديني مُؤسسٌ علي فهم سقيم للدين مبني علي القوة و العنف و الإكراه و الجهل بحكمة التدرج في شؤون تسيير العلاقة مع الآخر المُخالِف في الدين أو الطائفة أو المذهب و في الموقف من مسألة النزاع علي السلطة و الحكم..”
و الإرهاب ليس “ماركة” دينية معينة بل هو موجود لدي بعض التيارات و المذاهب الدينية المنحرفة في كل الديانات و الديانات المُوًحِدة خصوصا اليهودية و المسيجية و الإسلام.
و من المُلاحَظ أن الإرهاب يكون غالبا ” نائما” محصورا محشورا في بعض شِعَبِ العنف اللفظي محدودَ الانتشار قليلَ الأشياع خَفِيضَ الصوت و لا يكون نشطا يقظا إلا في شكل ردات فعل غيرعقلانية مُفرِطَةِ العاطفية و العُدوانية و التوحش و لا “تُوقظه” غالبا إلا ثِقَابُ و “دقَاقُ عِيدَانِ” لغزو الأحنبي الكالح و الاستبداد السياسي الواضح و الظلم الاجتماعي الفاضح!!
وإذا بدا التطرف الديني المسيحي و اليهودي اليوم منحسرا نائما فإن ذلك عائد إلي انتفاء ” الموقظات الثلاثة” آنفة الذكر بعدما تملكت المجتمعات الغربية التفوق العسكري فأمًنت دولها من إمكانية الاختراق و الغزو الأجنبي و حسمت “عقدة النزاع علي السلطة” فأرست قواعد الديمقراطية و التداول السلمي و عززت السلطات المضادةles contre pouvoir وسلطات الرقابة ثم رفعت الظلم الاجتماعي فانتهجت نموذجا اقتصاديا و اجتماعيا وفر قدرا معلوما من الرخاء الاقتصادي و التوزيع العادل للثروة.
و إذا كان التطرف الديني الإسلامي اليوم نشطا يقظا فَفَتٍشْ عن المُوقظات الثلاثة و أكثرها وقاحة الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من ستة عقود للأراضي الفلسطينية و العربية و الحرب العالمية الأولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق و التي تبين لاحقا أنها كانت ” حربا بلا سبب”،حربا علي أساس ” بلاغ كاذب”!! و التي كانت المُحرضَ الأكبر للتطرف الإسلامي العنيف ضد الغرب و ضد الأنظمة السياسية العربية و الإسلامية الحاكمة.
و لا يخطئ من له بصيرة ملاحظةَ “رواج” الإرهاب و التطرف في دول العالم العربي و الإسلامي تناسبا مع درجة التأثر بالموقظات الثلاثة للتطرف الديني العنيف فكلما كانت دولة عربية أو إسلامية أكثر تماسا مع الاحتلال و الغزو الأجنبي و أحَدً إصابة بالظلم الاجتماعي و أشدً معاناة من الاستبداد السياسي كانت أعمق غرقا في البحر اللُجِيِ لعدم الاستقرار و الفوضي و التوحش..!!
و الحق الذي لا مراء فيه أن الإرهاب اليوم أضر بسمعة الإسلام و مكانة و حياة المسلمين عامة و كان أشد إيلاما و إيذاء للإسلام السني و المسلمين السنة خاصة لذلك فلا غرابة في أن يَتَدَاعَي علماء السنة إلي موريتانيا أرض “رباط السنة و الوسطية” لتدارس أنجع طرائق المحاربة العاجلة و الفاعلة للإرهاب التي أفتأ أكرر أنها تكون بإطفاء موقظاته أو لاتكون.!!
المختار ولد داهي
سفير سابق