مقالات

خَطِيئَةُ “الثًوَابِ و العِقَاب علي القرابة”

يمكن تعريف خطيئة الثواب علي القرابة بأنها “منح شخص أو جماعة امتيازات و كرامات مادية و معنوية لا تستحقها كليا أو جزئيا ثَوَابًا علي قرابته من مركز نفوذ ما عَلاَ أو سَفُلَ”.
فيما تعني “كَبِيرَةُ” العقاب علي القرابة “منع و حرمان فرد أو جماعة من حقوقهم المادية و المعنوية و إهانتهم أو تنحيتهم أو إخراجهم من أهلهم أو سجنهم،… عقابا علي قرابة ماسة أو بعيدة مع شخص أو مجموعة أشخاص هم في حالة “صراع ساخن” مع مركز نفوذ ما سياسي أو اجتماعي.
ولا تسلم من خطيئة العقاب علي القرابة الدول الراسخة في الديمقراطية حيث تطالعنا وسائل الإعلام أحيانا باختراقات و اكتشافات في هذا المجال لكنها غالبا ما تُودِي بمشاهير السياسة المدانين بها إلي الهامش فيصبحون نَسْيًا مَنْسِيًا.
لكن ظاهرة ” العقاب علي القرابة”أشد إيلاما وأوسع انتشارا و أكثرُ إِنْفِلَاتًا و تَهَرُبًا من الملاحظة و المساءلة في الدول غير الديمقراطية و الدول السائرة في طريق الديمقراطية و الدول الخارجة للتو من النزاعات الأهلية المسلحة.
و قد شهدت بلادنا علي مَرِ و ذَهَابِ العقود الماضية حالات ناتئة من العقاب علي القرابة تعرض لها مثلا لا إحصاء بعض سكان الشمال خلال “خطيئة حرب الصحراء” و بعض ساكنة اترارزة و الحوض الشرقي بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة 1981 و سكان ضفة نهر السنغال بعد أحداث 1987،1989 و 1991 و سكان الحوض الغربي بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة 2003 و أغلبية أطر كرو بعد قيادة أحد رموزهم لأكبر تمرد و استقالة من الحزب الجمهوري سنة1997 !!.
أما الثواب علي القرابة فهو أكثر شيوعا و ذيوعا في مختلف دول العالم و يمكن تصنيفه نظريا إلي ثلاثة انواع أولهما “الثواب المؤسسي علي القرابة” و هو صنف ترعاه مراكز النفوذ العليا و بمقتضاه يحتكر “أولو الأرحام” دون سواهم المراكز القيادية بالغة التأثير في الشأن العام و من أبرز أمثلة ذلك ما هو ملاحظ علي مستوي الهرم السلطوي في الأنظمة الملكية أو “الأنظمة الدكتاتورية الخالصة”.
والصنف الثاني من الثواب علي القرابة هو “التربح بالقرابة” عبر “التجارة السرية” للقرابة بمراكز النفوذ من خلال بيع ادعاء النفوذ و القدرة علي جلب المنافع و درء المفاسد و هذا النوع من التربح بالقرابة متواتر بالقارة الإفريقية السمراء و قد يفلح أطرافه أحيانا و كثيرا ما يخسرون!
و الصنف الأخير من الثواب بالقرابة هو “الثواب التلقائي بالقرابة” و هو عبارة عن المزايا و القرابين المعنوية التي يمنحها بعض الناس و خصوصا الموظفون السامون إلي ذوي القرابة بمراكز النفوذ دون علم الأخيرين ولا طلب الأولين و إنما نفاقا و تزلفا و ظنا بأن من لم يفعل ذلك فقد أضر “بِحَاضِرِهِ” الذي هو مَطِيًةُ “مُسْتَقْبَلِهِ”!! و غالبا ما ينقلب “سِحْرُ” المتزلفين عليهم تنحية و تنكيلا و سقوطا وحذفا من المشهد و الإدراك العام!!.
و الراجح إذا ما ضربنا الذكر صفحا عن التجاذبات و المناكفات السياسوية الساخنة دائما “بسبب” و “بلا سبب” فإن بلادنا لم تعرف خلال مسارها السياسي الخمسيني المتموج و المتعرج سياسيا تطبيقات واسعة أو حتي متوسطة قطعية الثبوت و القَصْدِ العَمْدِ تستوجب الدراسة و التحليل و اقتراح الحلول لصنفي “الثواب المؤسسي بالقرابة” و لا “التربح بالقرابة” في حين أن “الثواب التلقائي بالقرابة” ظل موجودا إن لم أقل متوسط الانتشار.
و سعيا إلي “المحاربة الاستباقية” لخطيئة العقاب و الثواب علي القرابة ببلادنا أقترح إعداد “عهد أخلاقي” تتولي وزارة الوظيفة العمومية صياغته و تنظيم تشاور موسع حوله بغية إثرائه و إجماعيته.
عهدٌ يلتزم من خلاله الموظف العمومي السامي بالابتعاد عن شبهتي العقاب و الثواب علي القرابة و الحفاظ علي حياد المرفق العمومي خادما لكل الموريتانيين علي اختلاف أعراقهم و ألسنتهم و منازعهم ومناشطهم ومراكزهم و أمزجتهم، ذلكم أزْكَي للجميع و أَبْقَي وأَطْهَرُ!!!.

المختار ولد داهي، سفير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى