في الواقع ليست هناك ثروة يمكن أن نفخر بها سوى النجاحات الأمنية المبهرة التي حققتها الدولة الموريتانية خلال السنوات الأخيرة بفضل مقاربة أمنية شاملة بسطت ظلالها على الأرض ليستفيء المواطن ظلالها ويشعر بدفئها ، بعد سنوات الخوف والرعب التي زرعها شبح الإرهاب في نفوسنا ، حين ضرب بكل عنف محيطنا الإقليمي، وامتدت يده الملطخة بالدماء لحصد أرواح أبنائنا الشهداء في لمغيطي ،وتورين ، والقلاوية .. لقد استعملوا في جرمهم البشع الحراب الصدئة والفؤوس لبقر البطون وقطع الرؤوس .
لم نكن نتوقع إطلاقا أن يسود قانون الحماقات ونجد أنفسنا فجأة ودون سابق إنذار محشورون في مواجهة مفتوحة على أطراف الصحراء مع جماعات القتل والتهريب التي ضربت بكل عنف أمن الدولة ونحن نغط في سبات عميق ..!
اليوم وبعد سنوات الجمر المؤلمة تلك ، نستطيع بكل فخرٍ أن نرفع القبعة امتنانا وعرفانا بالجميل لفخامة رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة ومن خلفه أفراد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية .. قادة وضباطا وجنودا ووكلاء على ما قدموه من تضحيات في سبيل أن تنعم الأرض والأنفس بالأمان ، ونشد على سواعدهم لبذل المزيد من الجهود لأن الدولة المصابة في أمنها لا يمكنها أن تبصر طريق النمو و النجاح .
إن بلادنا تكاد تكون البلد الوحيد الذي يقف على قدميه بكل حزم لفرض الأمن والسكينة في محيط لا يسلم فيه بلد من سطو عصابات القتل والترهيب والتفجير ، ففي محيطنا الإقليمي والدولي اختفت دول بأكملها وأخرى في طريقها للدمار وباتت عواصم العالم الأكثر تحصينا مسرحا لعصابات الإرهاب والتدمير والقتل .
ورغم جهود الحكومة الموريتانية الجبارة التي أشاد بها العالم بأسره تتنافس بعض نخبنا السياسية وصحافتنا الوطنية في تسطير عناوين كبرى تحمل كثيرا من الكذب الأسود وقليلا من الحياء لتزرع الخوف والقلق في نفس المواطن على أمنه ومستقبله ، وتقدم للعالم صورة مشوهة عن حقيقة وضعنا الأمني.
إن حقيقة نجاحاتنا الأمنية كالشمس في كبد السماء لا يمكن حجبها بغربال، ولن يؤثر صراخ السياسيين عليها، كما لن تطمسها تلك العناوين البعيدة كل البعد من المهنية والوعي بالمسؤولية اتجاه الوطن .
عمليات التلصص والسرقة والاغتصاب والسطو المسلح والقتل ظواهر تجتاح المدن الكبرى في كل أصقاع العالم ولا يمكن وصفها بالانفلات الأمني ، بل تظل ظواهر محدودة النطاق وخاضعة لسيطرة الأجهزة الأمنية وقد حققت أجهزتنا الأمنية نجاحات كبيرة وأظهرت جاهزية قصوى للتصدي لهذه العمليات تميزت بالدقة و السرعة في القبض على الجناة والمجرمين وتقديمهم للعدالة ليأخذ فيهم القانون مجراه ويتم إنصاف الضحايا وذويهم .
طبعا نأسف ونتألم لسقوط ضحايا من مواطنينا الأبرياء علي يد هذه العصابات، ولكن يجب أن لا تدفعنا العاطفة لتشويه صورة بلدنا نتيجة ظواهر إجرامية تضرب أكثر بلدان العالم قوة وتقدما ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية هناك جريمة قتل كل نصف ساعة (30 دقيقة) ،وعملية اغتصاب كل (6 دقائق ) ، وفي فرنسا وفق آخر الإحصائيات تتعرض أكثر من 568 ألف أسرة سنويا لعمليات السطو المسلح والاغتصاب ، أما في إفريقيا والعالم العربي فحدث ولا حرج.
إذن ليس من الإنصاف إطلاقا ولا من المقبول أن يتم تهويل هذه الأحداث المعزولة في بلادنا وشحنها بخلافات السياسيين وصراعاتهم مع النظام التي لا تراعي مسؤولية وطنية ولا يقيدها وازع أخلاقي..!
إن أكبر خاسرٍ في هذه الحملة المغرضة التي يتعرض لها الأمن الوطني هي صورة البلاد في الخارج وتتضرر اقتصادها الوطني في ظل هذا التضليل والتشويه الممنهج الذي يولد عزوف المستثمرين الأجانب عن دخول الأسواق الوطنية ، ويزيد الخوف والهلع في صفوف المستثمرين الوطنيين ، ويزعزع ثقتهم في قدرة الأجهزة الأمنية على توفير الحماية لهم .
لقد سعت الحكومة بكل حزم وصرامة على وضع خطة أمنية محكمة لفرض الأمن والسكينة العامة تم بموجبها تقسيم العاصمة انواكشوط إلى ثلاثة مناطق إدارية يتولى تأمين كل منطقة جهاز أمني مختص في أتم الجاهزية والاستعداد لحماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة ، ولا توجد اليوم على عموم التراب الوطني جريمة مقيدة ضد مجهول ، وهذا دليل أكيد وصادق على فاعلية أجهزتنا الأمنية وقدرتها على بسط الأمن والسلم في ربوع البلاد.
تلك الحشود المأخوذة بالعاطفة ووقع الفاجعة التي قفز السياسيون وأصحاب الأجندات دون حياءٍ على ظهورها لحملها على التظاهر في الساحات العامة و أمام رئاسة الجمهورية ، يجب أن لا نتوقع منها تقديم حلولٍ سحرية لظاهرة الجريمة ، وعلينا بكل صدق أن نتقدم بالشكر والعرفان بالجميل لأجهزتنا الأمنية وقواتنا المسلحة الساهرة على تأمين مواطنينا وحماية حدودنا ، ونطلب منهم مزيدا من الجهود للقضاء على كل ما من شأنه أن يزعزع أمن العباد والبلاد.
عبد الله الراعي