تناول عدد من كبريات الصحف الفرنسية الشأن الموريتاني في الأسبوعين الماضيين، تزامنا مع الاحتفال بالذكرى الخامسة والخمسين لعيد الاستقلال الوطني وعيد القوات المسلحة الوطنية واستعدادا للمشاركة المتميزة في قمة المناخ المنعقدة في باريس.
وهكذا أشارت مجلة “باري ماتش” (ذفْى حف كو) الفرنسية إلى تخليد هذه الذكرى “للمرة الأولى بمدينة نواذيبو الواقعة في منطقة الرأس الأبيض”، منوهة “بالاستعراض العسكري الكبير دام لمدة ساعتين ونصف وشارك فيه أزيد من 5000 عسكري ووحدات من مختلف تشكيلات قوات الأمن”.
وقالت المجلة في مقال بعنوان “استعراض عسكري باهر في نواذيبو” إن مدينة نواذيبو اكتست “اللونين الأصفر والأخضر احتفاء بالقوات المسلحة التي خصصت لها الساكنة هنا استقبالا متميزا”.
وبين المقال أن المرء، على مدى هذا الاستعراض، يخيل إليه أنه في الشانزليزيأوفٍِ إٌ م أو بالأحرى في ساحة الكونكورد ساعة الإنزال الأخير للمظليين يوم 14 يوليو في باريس”.
وأوضحت المجلة أن رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز “قرر بنفسه هذه السنة لامركزة الحدث ليجمع حوله الأمة بكاملها التي تعتبر نفسها درعا واقيا ضد الإرهاب الذي يضرب كل يوم الدول الشقيقة في منطقة الساحل”.
وأضافت أن عدة تشكيلات من الدول الأعضاء في مجموعة ال5 في الساحل (جنود من مالي والسنغال وتشاد) شاركت في هذا العرض الكبير الذي يهدف إلى لفت أنظار القارة الإفريقية بكاملها”.
وفي مقال منفصل لمبعوثها الخاص “ابرينو فانوشي”، تناولت مجلة “باري ماتش” (ذفْى حف كو) الزيارة التي أداها رئيس الجمهورية إلى قاعدة “لمريه” العسكرية.
وقالت في هذا الصدد إن السيد الرئيس “اغتنم عيد القوات المسلحة الأربعاء 25 نوفمبر لتفقد القوة العسكرية التي عهد إليها شمال وشرق البلاد على الحدود الجزائرية والمالية بمهمة أمن الوطن في هذه الصحراء المترامية الأطراف”.
واعتبر كاتب المقال أن كفاح موريتانيا ضد الإرهابيين هو اليوم “أكثر اتساعا من أي وقت مضى”.
وأضافت المجلة: “أمسك ولد عبد العزيز الأمور بجدية من أجل استعادة الأمن وتلك أولى الحريات في موريتانيا التي لم تعرف بالفعل عمليات إرهابية ولا أخذا للرهائن منذ 2011”.
ونسبت لفخامته القول إن “الأمن الداخلي والسلم عندنا هما الأولوية لكن الإرهابيين والمهربين الآخرين لا يعرفون أية حدود”.
ونوهت بهذه الزيارة الرامية إلى “تفقد المهمة المؤداة نهارا وليلا وظروف حياة جنود النخبة الذين يقضون ستة أشهر في الفيافي كما في صحاري الترتار ينتظرون العدو”.
وذكرت “باري ماتش” (ذفْى حف كو) بأن قاعدة “لمرية” أنشئت منذ ثلاث سنوات حول مطار طوله 2200 م يعود إلى العام 1973 حيث أقامته شركة (آجيب) الإيطالية في أعمال للتنقيب عن النفط في المنطقة، مضيفة أن القاعدة تجمع “العديد من التجمعات الخاصة للتدخل وهي وحدات من النخبة تشع في المنطقة بحذافيرها وتراقب كذلك مختلف الآبار ونقاط المياه التي هي في ذات الوقت مواقع إستراتيجية”.
واستطردت قائلة: “بفضل سياراتهم (بيك آب تويوتا) وهي ذاتها المستخدمة من طرف الإرهابيين، فقد حلوا محل الوحدات المتنقلة (الجمالة) والتي ظلت ردحا من الزمن هي من ينخر عباب الصحراء على ظهور العيس وكأنها طائرات الميراج.
هنا لا توجد تلفزة ولا اتصال بالهاتف الجوال وظروف الحياة قاسية لكن الرسالة مقدسة: ضمان الدفاع المتقدم وسكينة المدن الأساسية المتجمعة على واجهة الأطلسي”.
ونسب المقال إلى وزير الدفاع الذي رافق رئيس الجمهورية قوله إن هذه القاعدة وهذا المطار انبثقا من “الفيافي لكنهما يشكلان اليوم محورا استراتيجيا لسياستنا من حيث توزيع القوات وحماية السكان”.
وأوضحت المجلة أن برنامج هذه الزيارة الرئاسية الأولى كان مشحونا، حيث رفع العلم واستعراض الوحدات وتدشين الطريق الجديد والعريش الذي سيؤوي من الآن فصاعدا طائرات الربط والاستطلاع ثم الغرس الرمزي للعديد من الشجيرات مساهمة في “السور الأخضر الكبير” الساعي إلى وقف زحف الرمال لصالح الأجيال القادمة.
وبينت أن خروج القاعدة في “مهمة استطلاع ديناميكية وتحت حراسة جيدة يشكل اللحظة الأهم في هذا البرنامج، حيث خرجت اثنتا عشرة سيارة بيك آب مدججة بالسلاح من القاعدة على مسافة خمسة عشر كيلو مترا في مهمة استطلاع تحيط بسيارة الدفع الرباعي ذات اللون الأسود التي تقل رئيس الجمهورية وقطعت أكثر من ثمانين كيلومترا للساعة في سياق ميداني على هذا المحيط الهائل من الرمال الذي تتفادى كثبانه المؤمنة أصلا بمغاوير راسخة في هذا الأفق اللامتناهي”.
وقال الصحفي في مقاله “نحن فعلا في المنطقة الحمراء المحظورة بتاتا على كل مسافر”.
من جانبها، أجرت مجلة “لبوان” جم ذُىَ الفرنسية مقابلة مع رئيس الجمهورية ذكر فيها بأن “موريتانيا لا تصدر إلا القليل من الغاز المسبب للاحتباس الحراري ولاتمتلك الطاقة التقليدية و بالرغم من ذلك، كنا من الدول الإفريقية الخمس الأوائل التي قدمت مساهمتها في قمة المناخ”.
وقال “نحن نراهن على الطاقات المتجددة. ففي سنة 2015، شكلت الطاقة الشمسية و الهوائية مصدر 0 من الكهرباء عندنا، وسيصل هذا الرقم E سنة 2017″.
وحول مسار الطاقة الشمسية، بين السيد الرئيس، بحسب المجلة، أن موريتانيا بدأت أولى الدراسات 2012 وفي سنة 2009 كان عندنا عجز كبير في الطاقة، أما اليوم فإننا نبيع الكهرباء للسنغال”.
وردا على سؤال حول الأمن، أجاب رئيس الجمهورية بعدم القدرة على الجزم بأن المشاكل الأمنية انتهت 100 بالمائة، مضيفا: “كان ذلك صعبا لترامي الحدود ولأن البلد شاسع حيث لا يمكن جعل وحدات عسكرية في كل مكان.
وقد اتبعنا مقاربتين أولاهما أمنية تمثلت في إعادة تنظيم قواتنا المسلحة لملاءمة التهديد الإرهابي الذي يختلف تماما عن الحرب التقليدية.
قمنا بإنشاء وحدات للتدخل السريع وبزيادة وسائل جمع المعلومات الاستخباراتية و مراقبة نقاط الدخول والخروج، كان الإرهابيون يدخلون من الأراضي المالية و ينفذون عملياتهم ليعودوا من حيث أتوا، لقد أنشأنا منطقة عازلة بين الدولتين، في شمال موريتانيا وتم قطع الطريق أمام دخولهم كما قمنا ببعض عمليات المطاردة في الأراضي المالية مكنتنا من استرجاع الإرهابيين الذين اختطفوا الرعايا الأسبان، عندها توقف ذلك”.
وأضاف أن فرنسا تساعد موريتانيا في مجال التكوين، إذ يوجد مستشارون عسكريون فرنسيون لتكوين الضباط في أطار ولاوجود لجندي فرنسي خارج ذلك، فضلا عن تبادل هام للمعلومات الاستخباراتية مع فرنسا، في حين تقوم الولايات المتحدة بدورات تكوينية غير دائمة.
أما المقاربة الفكرية، يقول السيد الرئيس، فبدأت بمقابلة العلماء لمن لم يدانوا بجرائم دم من لإرهابيين بغية انتشالهم من الغلو والتطرف “وأطلق سراح 36 منهم تم دمجهم في الحياة النشطة من خلال مساعدتهم في وضع مشاريع تنموية، ولم يعد منهم إلا اثنان إلى صفوف تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي بشمال مالي، لقد كانت المقاربة إيجابية”.
وأكد رئيس الجمهورية أن أي موريتاني لا يوجد في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، موضحا أن بعض المواطنين التحقوا بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، “وهم أقل من 10 على افتراض أنهم ما زالوا على قيد الحياة”، واعتبر أن على أوروبا أن تنتبه لأن الدول الأوروبية تمجد الإرهاب من حيث لا تشعر، “فهي تتكلم كثيرا عنه كما في فرنسا ويستفيد الإرهابيون من هذا الترويج الذي يخدمهم ويتصرف الكثيرون كما يرون آخرين في القنوات التلفزيونية”.
وعلى صعيد آخر، أكد رئيس الجمهورية أن “مجموعة الخمس ضرورية لنا جميعا لأننا نعيش نفس الوضعيات من إرهاب وجفاف و تهريب بكل أنواعه ( مخدرات، أشخاص، سجائر…) ونحن متفاهمون تماما، و يتعين علينا توحيد الجهود من أجل مكافحة الإرهاب، وإذا وضعنا مشاريع مشتركة لمكافحة تهريب المخدرات التي تشكل مصدر تمويل للإرهاب، فإننا سنحصل على نتائج ملموسة”.
وفي رده على سؤال حول الوضع في ليبيا ونيجيريا، قال إن “كلتي الحلتين خطيرتان، إلا أن الوضع في ليبيا أخطر لأنه لم تعد توجد دولة ولا مؤسسات ولم يكن هناك في السابق جيش حقيقي ولا حزب سياسي”.
وأضاف أن ليبيا هي اليوم “مأوى للإرهابيين حيث ينفذون عملياتهم في الساحل ويذهبون إلى ليبيا”.
واعتبر أن موريتانيا لا تعاني من “ذلك بصفة مباشرة إذ لاوجود عندنا لقاعدة إرهابية ولم تسجل غارة.
لقد سيطرنا على الوضع، لكن الاقتصاد والسياحة يتأثران من الوضعية بسبب ارتباطنا بجارتنا مالي”.
أما جريدة “لا تربين” جف شْىق َم فقد نشرت مقالا قالت فيه إن الذكرى ال 55 لاستقلال موريتانيا كانت مناسبة لتنظيم العديد من الأنشطة والأحداث في العاصمة نواكشوط لتسليط الضوء على إرادة الإقلاع الاقتصادي لدى هذه الدولة الواقعة في منطقة الساحل.
وهكذا، يضيف المقال، “قام السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز ووزيره الأول عشية العيد الوطني بعدة أنشطة، وهو الرئيس الذي جعل من الإقلاع الاقتصادي إحدى أولويات مأموريته الثانية بعد استتباب الأمن في ربوع البلد، ومن هذه الأنشطة تدشين محطة كهربائية جديدة وأخرى هوائية ومقر البنك الوطني لموريتانيا وزيارة مطار نواكشوط الجديد الذي ينتظر أن تنتهي الأشغال فيه شهر فبراير 2016 والإشراف على مشاريع توسعة ميناء العاصمة”.
واعتبرت الجريدة أن هذه كلها “تجهيزات هيكلية تم انجازها أو هي قيد الانجاز وتبرهن على الإرادة في قطع موريتانيا خطى جديدة على طريق التنمية”.
وهكذا فان الشركة الموريتانية للكهرباء بدأت للتو تشغيل خامس محطة كهربائية لها في 5 سنوات شمال نواكشوط وهي محطة تعمل بالمازوت والغاز الطبيعي وتبلغ طاقتها الإنتاجية 180 ميغاوات متجاوزة بالكثير حاجيات العاصمة (100 ميغاوات)، مما يسمح ببيع جزء كبير من إنتاجها للجارة السنغال”.
واستطرد صاحب المقال: “بعد تشغيله سنة 1987 انتقل الميناء من 400 ألف طن من الشحن إلى 4 مليون طن مختلفة وحوالي 133000 حاوية سنة 2014، مما يستدعي بالضرورة أشغال توسعة تشكل تحديا تكنولوجيا وفنيا وبيئيا لزيادة قدراته التجارية”.
وقال إن ميناء العاصمة الذي يوفر العمل ل 4000 من الحمالة والعمال الآخرين يساهم بنسبة 85 في المائة من المداخيل الجمركية للبلد، موضحا أن الحركة المينائية تضاعفت بشكل كبير حيث بلغ معدل نموها 9 في المائة سنويا لكن طاقتها الكامنة مازالت عالية ويشير إلى الضرورة العاجلة لإنشاء محطة خاصة بالحاويات في حدود 2017.
وعلى صعيد النقل الجوي، قالت الجريدة إن العاصمة الموريتانية تعتزم كذلك منافسة نظيرتها السنغالية مع تشغيل المطار الدولي الجديد أم التونسي في يونيو 2016، وهي المعلمة التي يتم تشييدها على بعد 20 كلم من العاصمة منذ يوليو 2012 على هذه الأرض الشاسعة، حيث لم يكن يوجد قبل ثلاث سنوات إلا بعض الخيام وقطعان من الماعز والجمال.
وأضافت أن المطار الجديد يتمتع بمدرجين طولهما 3400 متر و2400 متر صالحين لهبوط وإقلاع كل أشكال الطائرات الكبيرة مثل الايرباص 380 وبوينغ 747، “وهو بذلك يطمح إلى أن يكون نقطة التقاء دولية تسهل خاصة الربط بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وقد ينجح في مضايقة مطار دكار الجديد بل والحصول على جزء من السوق التي يستهدفها”.
وذكر المقال بأن “الدولة الموريتانية لم تدفع سنتا واحدا في انجاز المطار الذي تم تمويله عن طريق نظام المقايضة: الأشغال مقابل قطع أرضية من المطار الحالي”.
و.م.أ