أكد رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز في خطاب ألقاه في نيويورك أمام مؤتمر الامم المتحدة الهادف الى اعتماد جدول اعمال التنمية في مرحلة ما بعد 2015، أن موريتانيا أحرزت في السنوات الاخيرة، نقلة اقتصادية متميزة بفضل اعتماد سياسات رشيدة، واتباع نهج جديد في تسيير الشأن العام مما مكنها من استعادة استقرار اقتصادها الكلي وتكوين أرصدة من الاحتياطات ساعدتها على الصمود في وجه الأزمة الاقتصادية، والتراجع الشديد الذي عرفته أسعار المواد الأولوية مؤخرا.
واضاف رئيس الجمهورية ان هذه السياسات أفضت الى رفع مستوى الاستثمار.
واوضح ان الدولة قامت في اطار سعيها الحثيث الى تحقيق التنمية المستدامة وتسريع وتيرة بلوغ أهداف الألفية، بإعداد خطة عمل لمكافحة الفقر، بعد ان تم تحديد مواطن القوة والضعف في الخطط السابقة، ومراجعة الأهداف على المدى المتوسط والبعيد في اطار رؤية جديدة للتنمية الاقتصادية في البلد.
وفيما يلي نص الخطاب:
“بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على النبي الكريم،
اصحاب الجلالة والسمو والفخامة،
صاحب المعالي السيد بان كيمون الامين العام لمنظمة الامم المتحدة
اصحاب المعالي والسادة والسيدات، رؤساء الوفود
أيها السادة والسيدات،
أودّ في البداية ان أتوجه بجزيل الشكر لصاحب المعالي السيد بان كيمون الامين العام لمنظمة الامم المتحدة على الجهود الكبيرة التي بذلها من اجل انعقاد هذه القمة. كما أتقدم بالشكر الى كل الدول الأعضاء على مساهماتهم القيمة في بلورة و صياغة رؤية عالمية مشتركة لبرنامج التنمية لما بعد 2015. كما أحيي إسهام جميع الفاعلين والشركاء الذين تركوا أثرا إيجابيا بارزا على حسن تنظيم هذه القمة.
اصحاب الجلالة والسمو والفخامة،
أيها السادة والسيدات،
تمثل هذه القمة لحظة حاسمة ومنعطفا هاما في أجندة التنمية الدولية ، من خلال اكتمال دورة أهداف الألفية للتنمية وتبني برنامج تنموي لما بعد 2015، إيذانا ببدء تنفيذ أهداف التنمية المستدامة. وبذلك يتوج مسار أدير بتبصر ومنهجية، وبمستوى من الشراكة رفيع، لتتسلح المجموعة الدولية ببرنامج على المدى الطويل جديد وطموح، يرتكز الى هدف مزدوج: تحسين ظروف المعيشة للسكان، وحماية كوكبنا من اخطار التغير المناخي.
ان برنامج التنمية لما بعد 2015 ثمرة مشاورات واسعة وعميقة، جرت على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، وشملت أطرافا عديدة من ضمنها الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والوسط الأكاديمي وشركاء التنمية.
يشكل هذا التمثيل الواسع وما نتج عنه من تطابق وجهات النظر، ضمانة لرؤية تنموية مشتركة تترجم الأولويات الخاصة وتعكس الاهتمامات المشتركة. وهو ما يضفي مزيدا من الفاعلية على الأهداف التي حددها البرنامج التنموي الجديد ويعزز فرص نجاحه.
اصحاب الجلالة والسمو والفخامة،
أيها السادة والسيدات،
ينبغي علينا في هذه اللحظة المفصلية ونحن نضع أهدافا جديدة ان نستحضر في أذهاننا ما تعلمناه من الدورة التي انقضت. فقد مكنت أهداف الألفية للتنمية من تحقيق إنجازات هامة تمثلت في التراجع المستمر لمستوى الفقر وتحسن فرص الولوج الى التعليم والصحة. وهو برهان واضح على أهمية وضع اطار شامل يكون مرجعية لتعبئة الجهود التنموية. وفي اطار برنامج التنمية الجديد فإننا نحيي ما نلاحظه من تحسين وسائل العمل ومستوى التنسيق ودعم آليات المتابعة والتنفيذ. ان القضاء على الفقر وتحقيق نمو مستدام في اطار سلمي وبيئة نقية يتطلب منا جميعا التحلي بإرادة صلبة للوصول الى النتائج المرجوة.
اصحاب الجلالة والسمو والفخامة،
أيها السادة والسيدات،
يمتاز برنامج ما بعد 2015 بطموح التكفل بالأخطار الجديدة اضافة الى استمراره في متابعة الأهداف التقليدية للتنمية وإيلائه اهتماما خاصا بقضايا البيئة التي لم تعد مجرد رهان تنموي وإنما أصبحت تحديا مباشرا يهدد بقاء كوكبنا. تبرهن اعادة ترتيب الأولويات هذه على رؤية صحيحة تدمج في مقاربتنا الملاءمة الضرورية لأهداف التنمية مع الوقائع المتجددة باطراد. وفي نفس السياق فان تفاقم واتساع الاخطار الأمنية يدعونا الى اخذها في الحسبان. فتعدد الاعمال الإرهابية وانتشار الجريمة المنظمة ونمو الأنشطة الاقتصادية غير القانونية في جميع ارجاء العالم، يمثل عقبة امام التنمية ومخاطر حقيقية في وجه استقرار وبقاء العديد من البلدان. تفرض علينا هذه الوقائع تصورا للأمن والتنمية يرتكز الى تلازمهما العضوي.
اصحاب الجلالة والسمو والفخامة،
أيها السادة والسيدات،
لم تعد الحلول الوطنية قادرة على مواجهة الأخطار الأمنية المعقدة بطبيعتها والعابرة للحدود في بنيتها وأهدافها. وعيا منا بذلك أطلقنا مع إخوتنا في بركينا افاسو ومالي والنيجر والتشاد اثناء القمة المنعقدة في نواكشوط في فبراير 2014، مبادرة تجمعنا في اطار مؤسسي تنموي، يهتم بقضايا الأمن والتنمية. فتجمع دول الساحل الخمس الذي انبثق عن تلكم المبادرة، تشكل وفق مقاربة متعددة الأبعاد، تستجيب لتحديات الواقع وتضع خططا للمستقبل. وهو الى ذلك ليس فقط إطارا للتعاون الأمني وإنما هو فضاء للتلاقي والتكامل وتضافر الجهود من اجل تحفيز النمو الاقتصادي والتشغيل وتحسين البنى التحتية والخدمات القاعدية وتحقيق التكامل الإقليمي. في هذا الإطار، يقدم التجمع برنامجا للاستثمار يتناغم مع أهداف التنمية المستدامة ويحترم الأولويات الوطنية والإقليمية وينبني على أهداف مقنعة وواقعية ومتماسكة. يستحق هذا الجهد الإقليمي ان يحظى بالدعم القوي لدى شركائنا، فهو اضافة نوعية للتنمية في منطقة الساحل، وللأمن المستدام في هذه المنطقة وللاستقرار في افريقيا والعالم عموما.
اصحاب الجلالة والسمو والفخامة،
أيها السادة والسيدات،
لقد أحرزت موريتانيا في السنوات الاخيرة نقلة اقتصادية متميزة بفضل اعتماد سياسات رشيدة، واتباع نهج جديد في تسيير الشأن العام، مكنها من استعادة استقرار اقتصادها الكلي وتكوين أرصدة من الاحتياطات ساعدتها على الصمود في وجه الأزمة الاقتصادية، والتراجع الشديد الذي عرفته أسعار المواد الأولوية مؤخرا.
وقد أفضت هذه السياسات الى رفع مستوى الاستثمار.
وفي اطار سعيها الحثيث الى تحقيق التنمية المستدامة وتسريع وتيرة بلوغ أهداف الألفية، قامت الدولة بإعداد خطة عمل لمكافحة الفقر، بعد ان تم تحديد مواطن القوة والضعف في الخطط السابقة، ومراجعة الأهداف على الندى المتوسط والبعيد في اطار رؤية جديدة للتنمية الاقتصادية في البلد.
وقد مكنت هذه الجهود، بالتزامن مع رفع حصة الفرد من الناتج الداخلي الخام، من الحد من الفقر بشكل عام وخاصة في الوسط الريفي. وقد تراجع الفقر خلال السنوات الست الاخيرة بنسبة 11%.
اصحاب الجلالة والسمو والفخامة،
أيها السادة والسيدات،
على الصعيد الاجتماعي، أحرزت موريتانيا تقدما ملحوظا، في اطار التزامها الثابت بأهداف التنمية المستدامة، فقد جعلت الدولة قضايا الشباب في صدارة سياساتها التنموية، حيث عملت على تكوين وتأهيل الشباب، وفق مقاربات تهدف الى تمكينهم من ولوج سوق العمل والمساهمة في تطوير الاقتصاد الوطني والانخراط في العمل السياسي، بالاضافة الى منحهم القروض الميسرة والقطع الزراعية المستصلحة.
كما تم استحداث وكالة للتضامن الاجتماعي، تعمل على محاربة الفقر، وتعنى بمساعدة الطبقات الهشة، عن طريق توفير الخدمات الصحية والتعليمية وتمويل المشاريع المدرة للدخل على امتداد التراب الوطني.
كما أولت الدولة عناية كبيرة لذوي الاحتياجات الخاصة، حيث عملت على دمجهم في الوظيفة العمومية والقطاع الخاص ومنحهم مزيدا من الفرص للمشاركة في الحياة العملية.
وقد تبنت الدولة سياسة التمييز الإيجابي من اجل تعزيز دور المرأة، سعيا الى مزيد من العدالة بين الجنسين، وهو ما مكن المرأة في بلادنا من تبوئ مناصب عليا في الادارة، حيث أصبحت حاضرة في قطاعات ظلت لعقود حكرا على الرجال، فضلا عن رفع مستوى تمثيلها في الجمعية الوطنية عن طريق استحداث لوائح خاصة بالنساء.
في الختام أتمنى ان تكون قمتنا انطلاقة موفقة لتنفيذ برنامج التنمية لما بعد 2015، وأن يفوق مستوى النجاح في تنفيذه ما تحقق من أهداف الألفية للتنمية.
أشكركم،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.