يقع بعض المسلمين في حيرة من أمرهم بشأن صحة الإفطار في نهار رمضان قبل الخروج من منازلهم للسفر، ومدى مشروعية ذلك وفقا للكتاب والسنة.
رمضان المعظم هو شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والرحمة والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، شهر تجاب فيه الدعوات، وترفع فيه الدرجات، وتغفر فيه السيئات، ويجود الله فيه على عباده بأنواع الكرامات.
وصوم رمضان من أركان الإسلام الخمسة التي فرضها الله على كاّفة المسلمين، لذا فمن أدرك الشهر وكان سليماً غير مريض، أو مُقيماً غير مسافرٍ، أصبح الصوم عليه واجباً شرعيّاً، إمّا أداءً وإمّا قضاء.
ويستثنى من ذلك الهرم الكبير الطاعن في السن، ومن به مرض مُزمن وشديد لا يشفى منه، فهذان لا يستطيعا صيام رمضان لا قضاءً ولا أداءً.
الصيام شرعاً هو “الامتناع والإمساك بنيَّةٍ عن مُفسدات الصوم وعن جميع المُفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشّمس”، أي أنّ الصوم هو الإمساك عن تناول شيء حِسّي يدخل بطن الشخص في فترة مُعيّنة، وهو من طُلوع الشّمس إلى غروبها.
وتُعدّ النيّة شرطاً من شروط استحضار القلب والعزم على تمسّك الشّخص بنيّة الأجر و الثواب؛ ليتميّزالعبد بأفعاله بين العادة والعبادة، فيُعتَبر الصوم بذلك طاعةً وتقرُّباً لله تعالى.
حكم إفطار المسافر في رمضان
اتفق أهل العلم على أن للمسافر أن يفطر في رمضان تخفيفاً ورحمة من الله ولو لم تصبه مشقة، على أن يقضي ما أفطـره بعد رمضان لقوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَيُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.
لكن الفقهاء اختلفوا بشأن الأفضل للمسافر: هل هو الفطر أو الصوم؟، إذ رأى الحنابلة في المشهور عنهم أن الفطر أفضل في حق المسافر.
بينما ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن الصوم أفضل ما دام لا يشق عليه، فإن شقّ عليه أو تضرر به فالفطر أفضل في حقه.
واستدل الجمهور على أن الصوم أفضل بأمور، بينها قول الله تبارك وتعالى: “وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ”.
بينما كان دليلهم على أفضلية الفطر لمن شق عليه وهو دليل الحنابلة على أفضلية الفطر وإن لم يشق عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ليس من البر الصوم في السفر” (البخاري 1844 مسلم 1115)، لهذا فالراجح هو قول جمهور أهل العلم بأن الصيام أفضل إلا عند المشقة.
وهناك شروط يجب أن تتوفر في السفر من أجل أن يباح الإفطار خلال نهار رمضان فيه وهذه الشروط هي:
– أن يكون السفر طويلاً بحيث تقصر فيه الصلاة.
– ألا يعزم الشخص المسافر أن يقيم في مكان خلال سفره.
– ألا يكون في هذا السفر معصية، حيثُ إنّ الإفطار في السفر رخصة وخفيف على المسافر ولا يستحقها من يعصي في السفر، كما أن يكون الشخص قد سافر للسرقة أو قطع الطريق.
حكم الإفطار في رمضان للمسافر قبل السفر
من بين التساؤلات التي يكثر البحث عنها في رمضان حكم الإفطار في الشهر الكريم للمسافر قبل السفر، وهل يجوز أن يفطر من الصباح قبل أن يخرج لسفره؟.
وأجاب الفقهاء بأن من أراد السفر في نهار رمضان فليس له أن يفطر إلا أن يخرج من مدينته قبل طلوع الفجر وهو ينوي الإفطار، فإن لم ينو الفطر وأصبح صائماً فليس له أن يفطر ذلك اليوم.
وبناء على ذلك عليه أن يتم صومه في ذلك اليوم، إلا إذا أصابته مشقة في السفر فإنه يفطر ويقضي بعد رمضان، ويفطر ما بعده من أيام سفره إذا شاء وإذا أصبح مسافراً وطلع عليه الفجر خارج البلد جاز له الفطر إن نواه قبل الفجر.
وأجاب الفقهاء عن سؤال: “من بدأ صيامه في الحضر ثم شرع في السفر نهاراً فهل يجوز له أن يفطر ذلك اليوم؟”، حيث ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه “ليس له أن يفطر لكن لا كفارة عليه إن أفطر، بل يكفيه قضاء ذلك اليوم”.
بينما قال الحنابلة: “له أن يفطر وإن بدأ صيامه في الحضر لكن الأفضل أن يستمر في الصيام”.
وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم لأن من شرع في السفر داخل في قول الله تعالى: “فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر”، ولا دليل يستثني من بدأ صيامه في الحضر.
وردا على سؤال: “متى يجوز الإفطار في السفر؟”، ذهبَ جمهور العلماء إلى أنّ المسافة التي تبيح الإفطار للصائم المسافر هي 48 ميلاً (80 كيلومترا)، وهي ذات المسافة التي تبيح القصر في الصلاة.
وقال الشيخ ابن باز في تقدير السفر: “يقدر بنحو 80 كيلو تقريبا بالنسبة لمن يسير في السيارة، وهكذا الطائرات وفي السفن والبواخر، وهذه المسافة أو ما يقاربها تسمى سفراً”.
وتحدث الشيخ رحمه الله عن “مشروعية الفطر للمسافر”، قائلا: “الإفطار في السفر مشروع ورخصة من الله عز وجل، وقد قال الله سبحانه: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]”.
وأوضح: “كان النبي عليه الصلاة والسلام في أسفاره يصوم ويفطر وهكذا أصحابه يصومون ويفطرون، فمن أفطر فلا بأس ومن صام فلا بأس، لذا للمسافر أن يفطر في رمضان وإن صام فلا بأس، لكن إذا شق عليه الصوم فالأفضل الفطر”.
وأضاف: “إذا كان حر وشدة فالأفضل للمسافر الفطر أخذاً برخصة الله جل وعلا، حيث جاء في حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته فإذا اشتد الحر فالسنة الإفطار”.