مقالات

“عربة الحوار” أمام الحصان !! / المختار ولد داهي

تتخبط دول عربية عديدة هي أكثر منا عددا و أوفر ثراء و أنصع مدنية و أرسخ تاريخا و أشد تجانسا و أقل تنوعا(التنوع سلاح ذو حدين يكون غالبا ثراء و قد يكون وبالا) في مشاهد من عدم الاستقرار و الاقتتال الداخلي بدأت نيرانها من “مستصغر الخلاف” و عدم التوفيق في حسم ذلك الخلاف بالحوار و الحسني.
صحيح أن بلدنا متفوق علي تلك الدول في مجال “التطور السياسي” و رسوخ ثقافة تسيير الاختلاف فنحن قوم نشهد تعددية سياسية “في طريق النمو”، نجاحاتها ملموسة و قابلة للقياس حققت تراكمات مهمة في مجال “الشراكة الحسنة” في السلطة.
حيث تمكنت المعارضة السياسية من الحصول علي مستوي معتبر من المشاركة و الحضور الفاعل في المشهد السياسي بلغ أحيانا الوصول إلي رئاسة البرلمان و رئاسة المجالس البلدية لأهم العواصم الجهوية.
ضف إلي ذلك ما تحقق في السنوات الأخيرة في مجالات تعزيز حرية الإعلام و ترقية حرية التعبير و حصر الممارسة السياسية علي الأحزاب و مأسسة المعارضة الديمقراطية تمويلا و “ترفيعا معنويا وابروتكوليا” مما يعد في بعض الدول العربية رابع الغول و العنقاء و الخل الوفي.
و رغم الفارق في السياق و المسار بيننا و تلك الدول العربية فكلما تأملت حالها أخلصت الدعاء من أجل حفظ بلادنا و توفيق قادتنا السياسيين موالاة و معارضة إلي تسهيل عقبات الحوار السياسي الذي سيخرجنا من حالة “الانكماش السياسي” إلي حالة “التوافق السياسي” العاصم إن شاء الله من ” السيندروم العربي الجديد” المتمثل في ظاهرة انتشار العداء المستحكم بين الفرقاء السياسيين المفضي أحيانا إلي التناحر و الاقتتال.
و رغم تفاؤلي المؤسس علي السوابق و شواهد التاريخ الحديث بجنوح جميع الأطراف الوطنية إلي الحوار السياسي و لو بعد جهد و تريث و شيئ من يأس قليل إلا أنه لا مناص من ملاحظة أن البطء و التعثر في انطلاق الحوار رغم التفاوض ” الظاهر” منه و “المستتر” إنما يعود إلي أن مقاربة “مجموعات ضغط” من الأطراف الوطنية للحوار تبدو كمن يضع العربة أمام الحصان.
و تتجلي أبرز مظاهر وضع ” عربة الحوار” أمام الحصان في ما يلي:
طغيان الريبة و محاكمة النيات:حيث أنه لا زال هناك فريق من الأغلبية و فريق من المعارضة مسكونان بثقافة الأحادية السياسية الرافضة للآخر المشككة في نياته و مقاصدة، فمن الأغلبية “أصوليون” لا يقبلون بأن المعارضة ركن ركين من أركان الديمقراطية لا تتم ذات الديمقراطية إلا بها و أن الاغتيال المعنوي للمعارضة أو ضعفها الشديد ليسا من علامات سلامة العملية الديمقراطية.
و هؤلاء “الأصوليون” يعتبرون المعارضين الحاليين أعداء و ماكرين و يخفون وراء المطالية بالحوار مكرا و خديعة للنظام ولن يستقيم حال الموالاة إلا ” بتصفيتهم انتخابيا”.
كما أن من المعارضة “غلاة” يعتقدون أن النظام مغتصب للشرعية ،مراوغ ماكر و دعوته للحوار لا تعني إلا أنه بدأ السقوط إلي الهاوية و يحذرون من الحوار معه باعتبار ذلك بمثابة منحه طوق نجاة.
و هاتان الفئتان قليلتا العدد ” جهوريتا الصوت”vocal minority تتعين مواجهتهما إعلاميا و سياسيا لأن تصرفهما هذا معيق للحوار علي الأقل من حيث أن مقاربتهما هذه تمثل محاكمة للنيات و تقييما لأطراف الحوار كان ينبغي أن يأتي بعد الحوار لا قبله.
عدم موضوعية بعض الممهدات:قدمت المعارضة حزمة من الممهدات ادعت بأن الاستجابة لها معينة علي استعادة الثقة بين الأطراف و الذي عليه تواتر أهل الرأي أن من هذه الممهدات ما لا يمكن وصفه بالواقعية و لا الموضوعية بل هو بكل بداهة ” خارج موضوع الحوار” و لو خيرت في انتقاء الأوصاف لقلت إنه موغل في التفاصيل و الجانبية إلي حد بدا معه ” تحت سقف الممهدات”.
و الوقوف المعيق عند المطالبة بتحقيق هذا الصنف من الممهدات هو من باب تقديم ما يستحق التأخير و التركيز علي جزئيات مكانها الأنسب في ملحقات الحوار لا في ممهداته.
تمويه بعض الأهداف في شكل ممهدات:الممهدات حسب تقييمي المتواضع ثلاثة أصناف صنف مقبول و وجيه يستحق العناية بل التلبية و الموافقة و صنف ” تحت سقف الممهدات” كما بينت من قبل مكانه الأنسب في خانة الملحقات و صنف ثالث ” فوق سقف الممهدات” ينقص من قدره وضعه في خانة الممهدات و يجدر ترحيله إلي متن الحوار حتي ينال القسط الكافي من النقاش و المقاربة و التحليل.
و أخشي أن يكون ورود بعض المواضيع التي ينبغي أن تكون من متن الحوار ضمن الصنف الثالث من الممهدات نوعا من التمويه لإرادة تمرير تحقيق أهداف في شكل ممهدات من باب استعجال حصاد الثمرة قبل زرع البذرة ومن قبيل إرادة الحصول علي الأهداف قبل اتخاذ الوسائل اللازمة لتحقيقها.
و مهما يكن من “تحليل” و “تحليل مضاد” للحوار و معوقاته فإن تطلعات كل الموريتانيين و لا أحاشي منهم أحدا و واجب كل السياسيين و لا أعفي منهم أحدا أن يبذل كل الجهد من أجل الشروع العاجل في حوار جدي محدد الأهداف موطإ الآليات…
و أن تذلل كل العقبات النفسية و المادية في سبيل الشروع في الحوار وأن يتم تصحيح الخلل الواضح في المقاربة الحالية للحوار المتميزة بالبطء المديد و الحذر الشديد و يمر ذلك حتما من بين أمور أخري من خلال إعادة ترتيب الأولويات و “حسن الظن بالنيات واالسرائر” و”محاكمة الظواهر” و وضع “حصان الحوار” أمام العربة.

المختار ولد داهي سفير سابق خبير تقييم السياست العمومية

Related Articles

Back to top button