الحكومة الموريتانية بين مطرقة ارتفاع الأسعار عالميا من جهة وسندان الفقر والجوع والبطالة الذى ينسحب على السواد الاعظم من مواطنيها من جهة أخرى:
اقدمت الحكومة الموريتانية منذ يومين تقريبا على خطوة فاجأت الجميع، حيث قامت بزيادة المحروقات زيادة معتبرة لم تكن متوقعة ، الأمر الذى اثار غضب معظم المواطنين خاصة وان الوزير المعنى بالأمر سبق وان تعهد – طبقا لماصرح به بعض النواب – بعدم زيادة المحروقات من بنزين
ومازوت ( اسانس وكزوار ) .
وقد ترتب على هذه الخطوة المفاجئة والغير مدروسة تنديدا واسعا من بعض الأحزاب السياسية والشخصيات الفاعلة فى المجتمع. وكان بعض المنتقدين لها قد أخذ على القائمين بها مسألتين اثنتين هما :
1 – نقض التعهدات السابقة القاضية بعدم زيادة هذه المادة الحيوية التى يتأثر بارتفاعها معظم المواطنين إلا قلة قليلة يرون انها هي التى اوصلت البلاد والعباد بسياساتها غير الرشيدة الى حافة الهاوية.
2 – خفض المادة ذاتها فى الأسواق العالمية بعد ارتفاعها سابقا مما يجعل رفعها فى هذا الوقت بالذات غير مرتبط بموضوع العرض والطلب.
ورغم تعاطفنا الكامل مع المواطنين واحترامنا وتقديرنا لوجهات نظر المُنَدِّدِينَ بهذه الخطوة ومطالبتنا للحكومة بإعادة النظر فى قرارها بحيث لايكون الضعفاء هم ضحاياه بمضاعفة اسعار النقل على المواطنين من الفئات الهشية وترك العنان لشركات النقل تفترسهم بلارحمة دون تدخل من وزارة التجهيز والنقل مما يثقل كاهلهم المثقل اصلا بالفقر والبطالة وضعف الرواتب.
ورغم مناشدتنا مرة أخرى للمعنيين بالأمر بضرورة اتخاذ مايلزم من إجراءات لتخفيف آثار هذا القرار على المواطنين وتفعيل بعض المشاريع القائمة اصلا واستحداث مشاريع جديدة مدرة للدخل كي تساهم فى انحسار آثاره السلبية ، إلا اننا ورغم كل ذلك لايسعنا الا ان الفت انتباه المتابعين للأحداث بأن البلاد تمر بظروف حرجة عالمية استثنائية ضاغطة على القيادة الوطنية هي التى الجأتها الى اتخاذ هذا القرارتفاديا لماهو أسوأ منه …بمعنى انها مجبرة لامخيرة ( مكره اخوك لابطل ) .
لقد تعاقبت على البلاد – اسوة بغيرها من البلدان الأخرى – ازمات ذات طابع دولي انهارت بسببها اقتصادات دول كانت توصف بالقوة وسقطت بموجبها حكومات ديمقراطية ودكتاتورية على حد سواء كازمة كورونا العالمية التى لازلنا نعانى من آثارها كغيرنا من دول العالم وكالأزمة العالمية الثانية الناتجة عن الحرب الدائرة بين روسيا واكرانيا أو إن شئت بين روسيا والغرب والتى تسببت في ارتفاع حاد لأسعار الطاقة عالميا كما تسببت كذلك فى ارتفاع أسعار بعض الحبوب كالقمح والذرة.
ولا شك ان هذه الأزمات الدولية التى تأثر بها العالم اجمع وتمخض عنها تضخم اسفر عنه ركود اقتصادات قوية كالإقتصاد الأمريكى والألمانى قد امتدت الينا آثارها التى لا تخطؤها العين ونلنا نصيبنا منها ، الأمر الذى يفترض معه توقعنا دائما لدفع بعض فواتيرها …وقد دفعناها بالفعل بمضاعفة اسعار المواد الغذائية بكافة انواعها تقريبا.
وما رفع فاتورة مادة الطاقة منذ يومين الا نتيجة منطقية لارتفاع اسعارها عالميا باعتبارها أثرا من آثارها السلبية.
وهكذا وُضعت الحكومة بين خيارين كلاهما أمر من الآخر ، اما ان تزيد الأسعار وتتلقى الإنتقادات اللاذعة من المواطنين وإما ان تترك التضخم يتصاعد وتُدخل البلاد فى ركود اقتصادى لايبقى ولا يذر ، وقد فضلت تبنى الخيار الأول رغم ادراكها لمرارته، لأن البديل هو التضخم والركود وانهيار مؤسسات الدولة ومايترتب على ذلك من تصنيفها بأنها دولة فاشلة.
ورغم مرارة الخيار الذى تبنته السلطة وصعوبة تجرعه الا ان البديل كان اكثر مرارة واصعب تجرعا.
ورغم ادراكنا للعوامل الكثيرة الضاغطة على الحكومة لرفع اسعار هذه المادة الحيوية التى يتأثر الجميع بارتفاعها تفاديا للتضخم وما ينجم عنه من الركود الإقتصادى الذى هو اخطر بكثير مما اقدمت عليه السلطة المختصة ، الا اننا فى الوقت ذاته نطالب الحكومة بتحمل الجزء الأكبر من اعباء هذه الفاتورة خاصة وان هذه المادة قد انخفضت اسعارها عالميا انخفاضا ملحوظا عدة سنوات خلت دون ان تخفض الحكومة اسعارها محليا..وقد ترتب على ذلك جمع فائض كبير من العملة الوطنية تحصل من فروق الأسعار بين ماتشترى به الحكومة المحروقات من السوق العالمية بأسعار منخفضة وما تبيعها به فى السوق المحلية بأسعار مرتفعة .
وحسب معلوماتنا فإن الفائض المتحصل من الفرق بين ثمن الشراء المنخفض والبيع المرتفع لم يدمج فى اي موازنة من موازنات السنوات الماضية مما يجعله قابلا لتخفيف ارتفاع الاسعار الجديدة إن توا فرت الإرادة السياسية لذلك.
لذا يجب على كل شخص من موقعه ان يتناول الموضوع بواقعية دون تحيز اوتحامل واضعا نصب عينيه المصلحة الوطنية العليا من جهة والظروف المحيطة بالبلاد التى تفرض على كل واحد منا الإبتعاد عن كل ما من شأنه تأجيج المشاعر وإثارة النعرات والصيد فى المياه العكرة والتنافس على تسجيل مواقف قد لا نتمكن من تطبيقها إن تهيأت لنا الظروف واصبحنا فى موقع المسؤولية.
الدكتور المحامى محمد سيدى محمد المهدى.