سحابة سوداء بالسماء غطت تلك الزُرقة المخملية التي تبعث بالنفس الهدوء والسكينة، والأرض كل ماعليها اكتسى لمحة الشحوب فلم تعد هناك ألوان ولم أعد أسمع شقشقة العصافير في الصباح أصبحت تنوح وأجنحتها تعصرها حولها لتكسرها لتِنهي رحلة الطيران والتحليق ! والشمس أصبحت خيوطها الذهبية باردة معتمة تلك الإشراقة وهذة المروج بمافيها من أزهار ذبلت وتهاوت في تلك الشقوق التي التهمت تلك الوريقات. وذاك البحر بموجه نغمات الحزن ترتل أغنية الوداع بعدد قطرات مائه ألم يسكن أعماق أعماقي، يزلزل هدوئي وسكون أفكاري. لم يعد لشيء حولي أي حياة فالوجوه أصبحت مطموسة وبما كانت تخبئه بالأمس مكشوفة والنوايا تبعثرت على قارعة الطريق بكل ما تحمل من مدافن موجعة، والمصالح أشرقت بجراءة غير معهودة والأيام ثقيلة تُميت لحظات ما بعدها، والليل كم أصبح أكثر اسوداداً ومخيف جداً وساعاته طويلة تحمل ذكريات تذبح آهاتي لتجعل روحها تشهق مع بدايات طلوع الفجر الموجوع كل ما بهذه الحياة فقد الحياة بعدك يا أمي رحيلك لم يكن فقد جسدٍ وغياب هيئتك عن عيناي، لقد كان رحيل الروح ألف مرة ومرة. كانت سكرات موت روحي متكررة مع كل ثانية أُحسب أني مازلت بين الأحياء لم أعد أعرف أخاطب الحروف ولم تعد تطاوعني لتعبر عن تلك المشاعر الجياشة اتجاه كل ما بهذا الكون، لقد كنت أحب أن أرافق الحروف والكلمات في رحلة التعبير وفي كل محطة كنت اتشبت بها لأبدأ معها رحلة أخرى مع خاطرة شجية، وقصة ملهمة وتعابير أصف بها كل ما أشعر به، ولكن بعد رحيلك توقف عندي الشغف بكل شيء . لقد أصبحت أُمية لا أعرف للحروف شكلاً ولا معنى، ودورة رحلاتي الشيقة مع معاجم الحرورف وأغوار كلماتها تهدمت طرقاتها وتكسرت جسور كانت الوسيلة لقطار رحلتنا لأماكن كثيرة محطاتها تحمل لي مفاجئات عديدة من البحث عن كل ما يتعلق بالمشاعر. لكني الآن يا أمي لا أشعر لم أعد أشعر بشيء فقد فقدت الحياة بفقدك يا من كنتِ لي الحياة لم أعد أرى ملامح وجهي في المرآة فقد كانت تلك الملامح أنتِ يا أمي ولم أعد أشتم ذاك العطر الذي كان يُميُزني وأُسألُ كثيراً عن نوعه فقد كانت رائحتك يا أمي ولم أعد أعرف كيف أمشط شعري وأظفر ظفائري بطريقة فنية . لمسات يديك كانت توحي لي بعمرٍ لم أشعر أني سأعد أيامه يوماً ما فقد كانت الأيام أنتِ يا أمي، وكل تفاصيل حياتي لم أكن احسبها أو أهتم بها فقد كُنتِ أنتِ يا أمي من تهتمي بها وتصنعيها. يخونني التعبير ويعجز الشعور عن وصف تلك المشاعر التي تكبرني وتتعداني بأزمنة كثيرة وأنا أتحدث عنك يا أمي، وعن وجعي الآن ووحشتي من هذه الحياة ومن كل من حولي، ومن خوفي منهم وخوفي من نفسي ومن تقهقري للوراء في كل خطواتي بدونك لقد كبرت كثيراً بدونك يا أمي وأيقنت ما يعني أن يمر العمر في لمح البصر، وأن تتثاقل عليك ساعات الوجع وأن ينتقم منك الفرح هرمت بدونك يا زهرة الحياة ذبلت… وذبلت فلا حياة بالحياة بدون أم …
* مقال للكاتبة الدكتوره والمستشارة الإعلامية والمدرب المعتمد وفاء ابوهادي