فقدت موريتانيا أحد رجالات التأسيس الأفذاذ الذين آمنوا بالوطن، و عملوا جاهدين من أجل أن ترفرف راية الاستقلال و الانعتاق خفاقة في سماء البلاد …
إنه اشريف ولد محمد محمود الرجل الشهم المخلص لدينه و وطنه.. الحامل هم المواطن .. المولع بحب الناس .. والمجبول على فعل الخير …
تبوأ اشريف عدة مناصب إدارية و سياسية من سنة 1959 إلى سنة 2005 .
انتخب خلال هذه الفترة نائبا في أول جمعية وطنية بعيد الاستقلال، ثم اتحاديا لحزب الشعب في كيفة (فدرالي كيفة) خلال منتصف سبعينيات القرن الماضي كما عين حاكما في عدة مقاطعات ثم واليا في كل من تكانت وإينشيري وتيرس الغربية وآدرار.
تنازل حكام موريتانيا الجدد سنة 1979 عن تيرس الغربية أيام وجوده بها ، و قد ذكر الكاتب المثقف معالي الوزير الأستاذ محمد ولد امين شهادة صادقة عن رفض اشريف عرض المغرب بالبقاء كعامل للملك مقابل مبايعته له.
كتب الوزير محمد ولد امين :
“لقد كان رحمه الله واليا لتيريس الغربية ساعة الاجتياح المغربي بعيد التوقيع على اتفاقية الجزائر وعرض عليه جنرالات المغرب باسم العاهل المغربي البقاء في الداخلة كعامل لمليك المغرب شريطة مبايعته..
ورفض رفضا باتا…
ولم يقبل اي تعاون مع هؤلاء.
ولم يغادر الداخلة الا بعد ان اوصل قبله كل الموظفين الموريتانيين وعاد جوا عبر باريس برحلة للصليب الاحمر الدولي تم تنظيمها في تفاهمات فك الاشتباك يوم 8 اغسطس 1979..وحين وصل نواكشوط كان بمعيته ارشيف الادارة الموريتانية مكتملا..”
هذه الشهادة حدثني عنها مرارا والدي محمد الشيخ ولد خيمت النص رحمه الله، وهو الصديق المقرب والخليل المؤتمن على أسرار صاحبه ورفيق دربه اشريف والحامل لأخباره.. لقد كنت هنالك طفلا في سن الفطام مع أبوي في منزل الوالي، و عدت مع والدتي في الطائرة التي جاءت لنقل الموظفين والعمال وعوائلهم.
كان اشريف يمازح والدي قائلا له أنا سأعود إلى الوطن لأني أمثل سيادة البلد، وأنت بإمكانك أن تبقى مكرما مبجلا مع أوراق مغربية، فيرد الوالد لا والله .. رجلي على رجلك .. معك في الحل والترحال .. في السراء و الضراء .. وإن وجودي معك في موريتانيا -بلا أوراق- لأعز علي من كل جنسيات العالم و أموال الدنيا.
وكان اشريف ولد محمد محمود عمدة مساعدا في منطقة انواكشوط يسير بلدية الميناء، وقد أحسن التسيير و التدبير و هو أمر طبيعي لما يعرف عنه من نزاهة و نظافة يد .
ثم عين مديرا مساعدا لديوان رئيس الجمهورية و هو المنصب الذي ظل يشغله إلى أن تقاعد سنة 1989
وقد أضفى وجوده في الرئاسة مسحة أخلاقية مشهودة جعلت شاعرنا الكبير أحمدو ولد عبد القادر يقول: إنه من المتعارف عليه في الرئاسة حسن أخلاق اشريف و “كساويت أتاي بيفت” .
انتخب اشريف ولد محمد محمود شيخا عن مقاطعة كيفة سنة 1993 إلى غاية 2006..ثم تم اختياره عضوا في المجلس الاقتصادي و الاجتماعي .
كان في كل محطات حياته رجل دولة بامتياز .. يجسد هيبة الدولة من خلال الحرص على الصدق في القول والالتزام بالوعد والوفاء بالعهد .. وبالسعي الدؤوب إلى إنصاف المواطن في ترو وأناة حيث عرف بالحكمة و الكياسة وحسن التنظير و السياسة.
ما مر اشريف ولد محمد محمود بمكان إلا ترك أثرا محمودا و ذكرا حسنا .. لقد جسد كل معاني مكارم الأخلاق في حياته الحافلة بالإيثار و الصدق و الوفاء والإباء و الشهامة والعطاء …
كان من جوده أن يعمد من فترة إلى أخرى إلى توزيع جميع ممتلكاته على الإخوة و الأصدقاء ..
لقد شاءت الأقدار أن يختلف ردحا من الزمن سياسيا مع أخيه محمد الراظي ولد محمد محمود زعيم القبيلة؛ فشكلا قطبين سياسيين متضاربين، و في سنة 1990 تصالحا، و عاهد ربه أن لن يتخلى عن أخيه ما حيي، وبعد سنتين يودع الزعيم محمد الراظي الفانية؛ لتتجه الأنظار إلى اشريف بصفته المؤهل لزعامة القبيلة .. لكن كان له رأي آخر و موقف سيوثقه التاريخ، و تخلده ذاكرة المجتمع .. لقد اجتمع بالإخوة وخطب فيهم أن الزعامة ستؤول إلى الإبن الأكبر لمحمد الراظي و هو الكادح المعارض يومها محمد محمود الزاهد في الزعامة و المتعالي على الأطر التقليدية الضيقة.. قبل محمد محمود الأمر مكرها، و ظل اشريف عضده و رفيقه و مستشاره إلى أن توفي سنة 2009 رحمه الله.
رحم الله اشريف ولد محمد محمود و صحبه؛ فقد كان آخر الخلان الخمسة: المصطفى ولد النهاه – أحمد ولد أحمد جدو(الشين) – محمد الشيخ ولد خيمت النص – محمد الأمين ولد اسويدات (الليل) .
رحمهم الله جميعا و أدخلهم فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الحسن ولد محمد الشيخ
.