إن الكثير من العيوب التي تساهم في صنع الفشل السياسي يمكن احتمالها والصبر عليها،،، فحين يخفق هذا القائد أو ذاك بسبب انعدام الخبرة فقد يأتي يوم يكتسب فيه الخبرة المطلوبة ويعوض رعيته ما فات !
وحين تمتد يده إلى المال العام فقد يأتي يوم يشبع فيه فتدركه العفة والنزاهة والإستقامة !
وحين( يُرهب )الذين يتململون تحت ضغط ظلمه فقد يأتي يوم ويصحو فيه الضمير الذي أسكرته شهوة السلطان فيتوخى العدل والرحمة
لكن ما لايطاق صبره هو أن يتحول الفشل نفسه إلى نجاح والفاشل إلى (زعيم)
إحتل -الطغيان السياسي- مساحة كبيرة من القرآن أكثر مما إحتلته العبادات والشعائر ، مما يدل على أهمية هذا الجانب وخطورته
وإرتباطه بصميم حياة الناس وهي دعوة صريحة لقراءة القرآن بتدبر وتمعن ، من أجل التركيز على الظواهر التي تُجسد معاناة الناس على مر العصور.
“لقد كان في قصصهم عِبرة لأُولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمةً لقوم يؤمنون” هذه الآية الكريمة تؤكد أن القصص القرآني للعبرة واستنباط القوانين الناظمة للكون، والقوانين إما مُغلقة وهي قليلة للغاية في الكتاب الكريم، وإما قوانين مفتوحة للإعتبار والتأسي والبناء على هديها، فمن القوانين المُغلقة قانون الزمن المُتكفل بإهلاك كل الحضارات، أما كل القصص القرآني الذي تناول كل أشكال الطغيان السياسي فيشكل قوانين مفتوحة، ضمن دائرة التكليف الإنساني ومحل التصرف والحركة.
«ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون». في الآيتين السابقتين من سورة القصص أمور يُستحسن الوقوف عندها لتوضيح الأمور، فالوقوف على معنى «فرعون» لازمة لما بعدها فهي كلمة أصلها «فرع» وتعني العلو والإرتفاع والسمو، وهذا المعنى منطبق تمامًا على الظاهرة الفرعونية التي تشغل أعلى منصب بحسب النصوص الكريمة ، وأما هامان فمن الفعل «همن» أي الحفظ والرقابة، فهامان كان الحافظ للأوامر الفرعونية والرقيب عليها بين الناس، وعليه فإن الحاكم السياسي على النمط الفرعوني يحتاج إلى هامان ليُضفي عليه الشرعية، ويوجه بترسيخ هذه القناعة بين الناس حتى تصل لمستوى الثقافة الشعبية.
” ثقافة التدجين”
التحالف السياسي والديني على مر العصور لا يخرج من عباءة هذه النظرية القرآنية والإختلاف فقط محصور بالشكل لا بالجوهر، ونتائج هذا التحالف الكارثية أيضًا واحدة في مضمونها وإن اختلفت بشكلها والآليات المتبعة في تحقيق أهداف ذلك الحلف البغيض.
والضلع الثالث من مثلث الطغيان يتمثل بقارون كظاهرة لم تختفِ في أي مرحلة تاريخية، وقارون من حيث المعنى جاءت من «قرن» أي جمع، وهذه مهمة الإقتصادي بالدرجة الأُولى، ” رجال أعمال الصفقات العمومية “«… وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة أُولي…» وقارون ظاهرة عابرة للزمان والمكان فهي لا منتمية، فقارون من قوم موسى لكن الله عدّه مع فرعون وهامان حيث مصلحته «إنّ قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم…»، وقوله تعالى «وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات…» فهو يجمع المال بموافقة فرعونية «سياسية» ومباركة هامانية «دينية» بمقابل حرمان الكثير من الخلق، الذين وصفهم الله بـ«المستضعفين في الأرض» والمستضعفون هؤلاء هم خير شاهد ودليل على التحالف الكريه بين السياسي والديني والإقتصادي، وإذا ما نظرنا حولنا في هذا العصر نجد ان الواقع يصدق ذلك، وهذه إحدى أهم سمات القرآن الكريم بأن الحياة هي التي تصادق على قوانينه.
فكم صنعت الآلة الفرعونية عندنا من قارون !!
حين يستكبر من جمع ثرواته على حساب المستضعفين ويتجبر فهو لاحق لسابق، جمعته بمسبوقه مجاوزة الحد في الظلم والنهب ،حيث لا حدود للقناعات السلطوية والمادية، ولا إرادة تكسر الطغيان إلا إرادة الله تبارك وتعالى والتي قرنها بنصرته من جهة والمجاهدة في تغيير الواقع من جهة أخرى.
لن تكون هذه البلاد بمعزل عن الظواهر الفرعونية ، ولن تكون نشازا من سنتي التدافع والتداول ونرجوا أن يكون حظها الحالي أن تعيش فصول سُنة التمكين فقد طال إنتظار المستضعفين وأشتاقت الأرض إلى أبنائها المهجرين.
ولكن لا نصرة دون مجاهدة ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ”
-فقه الإرادة-
حين يقف الموريتاني على شاطئ المحيط ليستأنس بحركة أمواجه الطاردة لكل دَرَنٍ غريب متسلل إلى جسمه ، يتساءل كيف تكون إرادة الأمواج أقوى من إرادة من سخر الله له البر والبحر والجو !!
كيف لنا أن نطهر محيطنا من السفن الأجنبية الناهبة لثروتنا السمكية !!
ألا نستحضر على الأقل ما قام به سيدنا الخضر عليه السلام حين خرق سفينة المساكين …. أولسنا مساكين!!
ألسنا أحفاد الصالحين !!
ألسنا ذرية ضعفاء !!
حين يراقب الموريتاني حركة الرمال وزحفها وتقلب المناخ وما يسمعه من تنافس في الرَٓدم بين “أُدْبَيَٓ” والدَٓبرآن” يستغرب كيف تكون غيرة الرياح حين تعصف بالأتربة وتحرك الكثبان لتخفي كنوزنا حتى نبلغ أشدنا ، أقوى من غيرة من أعطى الشرعية باسمنا للشركات الأجنبية كي تنهب خيراتنا المعدنية
لعل النظام الحالي يوفق في الإجابة على تلك الأسئلة الملحة ويغسل بأنهار العدل ما خلفته العصبة الجائرة ، ويبدلنا ربنا على يديه أبناءً أكثر زكاة وأقرب رُحما
بقلم محمدفال طالبنا