نزولا لدى رغبة القائمين على “صالون الحرية”الذى أضحى أحد أهم “محركات الرأي العام الوطني” إثارة و جرأة على “مس مواطن الوجع بالوطن ” و استقطابا لمتابعة و مساهمة النخب الوطنية من مختلف المدارس و الأجيال و الألسنة أقدمُ هذه الملاحظات التى حَسْبُهَا أن تكون و تمثل “فاتحات شهية النقاش” لمنتسبى الصالون من أولى الطول خبرة و تجربة حول المشهد الدبلوماسي الموريتاني ما بعد التداول السلمي على السلطة :المميزات و التوصيات.
فمنذُ التداول السلمي على السلطة فى الثلث الأخير من عام 2019 و رغم “اعتراض و استعراض “جائحة كورونا و شبه تعطيلها لكل السياسات العمومية و خصوصا السياسات الخارجية فإنه يمكن استنتاج المميزات التالية للمشهد الدبلوماسي:
أولًا-الالتزام بالمبادئ والثوابت: تميز العام و الأشهر التى خلت من فترة ما بعد التداول السلمي على السلطة بالثبات على المبادئ و الثوابت التى أسس عليها الخط الدبلوماسي الوطني (احترام المواثيق الدولية،عدم التدخل فى شؤون الغير،الانحياز للقضايا العادلة و بقايا قضايا التحرير،…)
ثانيا-النأي عن المحاور و الأقطاب :لم يشهد عمر التداول السلمي القصير إلا ما يثبت نأي الخط الدبلوماسي الموريتاني عن “فِخَاخِ و شِرَاكِ المحاور”سواء ما تعلق منها بالمحاور الإقليمية ذى القربى أو ما ارتبط بالمحاور الإقليمية الجُنُب،…
ثالثًا- تنشيط التعاون شبه الإقليمي و الثنائي: رغم ظروف الجائحة تميزت الرئاسة الدورية الموريتانية لمجموعة الساحل بشيئ من النشاط من خلال تنظيمات اجتماعات منها الحضوري و منا “العَنْبُعْدِيُّ”،..كما كانت موريتانيا حاضرة فى جميع المناسبات الدبلوماسية الثنائية و الإقليمية ذات السمت الرئاسي أو الوزاري؛
رابعًا-المعالجة الوسطية لكل المستجدات الأمنية و السياسية القريبة من البلد: أعتقد أن المعالجة السياسية و الأمنية لبعض المستجدات السياسية و الأمنية بدول حدودية كانت على مستوى يتناسب مع ثوابت الدبلوماسية و متغيرات المناخ السياسي ،…
خامسا-عصرنة الهيكلة الإدارية للوزارة:عرفت الوزارة حراكا مؤسسيًا ملحوظًا من أمثلته هيكلة إدارية جديدة ألغت الوزارة المنتدبة (التى يلاحظ أنها تجربة نادرة النجاح و التعايش الإيجابي بين الوزير و الوزير المنتدب لديه)كما أنشأت مديريات عامة ساهمت فى مقروئية و تنسيقية و نجاعة أمثل للعمل الدبلوماسي على المستوى المركزي،…
سادسا-تعزيز القدرات اللوجستية و المالية للبعثات الدبلوماسية:عانت البعثات الدبلوماسية فى السنوات الماضية من ضغط و “تخفيف-تجفيف”الموارد المالية مما صيرها منافى لا يستطيع أغلب الناس صبرا على ما بها من فراغ و قلة تحفيز ،…
و خلالَ ما مضي من عمر التداول السلمي على السلطة بُذلت جهود -مازالت ناقصة-لتحسين القدرات اللوجستية و المالية للبعثات الدبلوماسية.
سابعا-إشارات إيجابية حول تمهين الحقل الدبلوماسي:
كثيرا ما كان “السكان الأصليون لقطاع الخارجية”يشكون من اكتساح شبه كلي للمواقع الدبلوماسية من الدرجة الأولى من قِبَلِ “أجانب على القطاع”و قد لوحظ خلال هذا العام 2020 تحسن بارز فى ولوج بعض المهنيين الدبلوماسيين إلى مراكز رئاسة البعثات الدبلوماسية و مناصب الاستشارية؛
ثامنا-توظيف “الرافعة الدبلوماسية” لتعبئة العون الأجنبي لمكافحة كوفيد :
ساهمت الرافعة الدبلوماسية فى تعبئة الوسائل المالية و المساعدة الفنية من أجل مكافحة كوفيد 19خلال الموجة الأولى و الجهد الدبلوماسي متواصل على المستوى الثنائي و متعدد الأطراف من أجل مزيد تعبئة القدرات لمكافحة هذا الوباء.
و إذا كانت المميزات المنوه عنها سلفًا بينت أن المشهد الدبلوماسي الموريتاني تحرك إجمالًا فى الاتجاه الصحيح اتجاه التشبث القوي بالمبادئ و الحراك التنظيمي الداخلي و التعاوني الثنائي منه و الإقليمي رغم السكون و الرتابة اللذين فرضهما كورونا
فإن التوصيات التالية أحسبها واردة لمزيد تنشيط المشهد الدبلوماسي فى اتجاهات العصرنة و التمهين و استعادة الألق الدبلوماسي:
١-العض بالنواجذ على الموقف الحالي من القضية الفلسطينية؛
لعل أم التوصيات فى هذه الظروف الدبلوماسية التى يتربص بها التطبيع مع العدو الصهيوني الدوائرَ هي تثبيت الموقف الموريتاني المتمثل فى تماهى الموقف الموريتاني مع “الإجماع الفسلطيني التام الكامل”من العلاقة بالمحتل الصهيوني و استحالة اتخاذ موقف موريتاني منفرد أو فى نطاق غير إجماعي بالمحتل الصهيوني؛
٢-المساهمة فى كل ما من شأنه رأب الصدع العربي و تسوية الخلافات العربية-العربية: ينصح بأن تساهم الدبلوماسية الموريتانية قدر المستطاع فى كل ما من شأنه تسريع رأب الصدع بين بعض الدول العربية الشقيقة و المتجاورة و اتباع خط دبلوماسي يقدر المعروف و الجميل و يتمسك أيضا بالأخوة و مبدإ المعاملة بالمثيل؛
٣-ريادة العمل الدبلوماسي بدول الساحل و بائتلاف الساحل:يجدر التنويه إلى مزيد الاضطلاع بالدور الريادي الموريتاني بمنطقة الساحل دبلوماسيا و أمنيا و تنمويا بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عن طريق الإخوة و الأصدقاء و الشركاء،…
٤-توسيع الخارطة الدبلوماسية عبر فتح بعثات دبلوماسية جديدة؛
تتعينُ التوصية بتوسيع الخارطة الدبلوماسية عبر فتح بعثات دبلوماسية جديدة بماليزيا و كندا اللذين تعتبران على التوالي نموذجا فى التنمية العاجلة و احترام حقوق الإنسان،..
٥-مزيد تمهين الحقل الدبلوماسي:
التوصية واردة بمزيد اتخاذ المبادرات الهادفة إلى تمهين الحقل الدبلوماسي ذلك أن “أهل كل مهنة أدرى بشعابها” و إن كان من المفهوم لاعتبارات جلب التجربة و الكفاءة و تحقيق شيئ من الحضور العرقي و الشرائحي “اقتطاع نسبة قد تصل بشكل مرحلي مؤقت إلى 30% مخصصة للتسميات بالوظائف الدبلوماسية لغير المنتسبين للحقل الدبلوماسي؛
٦-استكمال إحصاء الجاليات الموريتانية بالخارج و لو عبر تعبئة تمويلات خارجية لإنجاز اللازم:
بما أن الوزارة أبرزت فى تسميتها مهمة “رعاية مصالح الموريتانيين بالخارج”فالتوصية أكيدة بإعداد خطة ثلاثية فيما بقي من المأمورية الرئاسية من أجل إكمال حصول كل الموريتانيين بالمهجر على وثائق الحالة المدنية المؤمنة؛
٧-إنشاء مرصد بوزارة الخارجية لاستكشاف مشاهير الجاليات الموريتانية بالخارج و الأعلام من ذوى الأصول الموريتانية ابتغاء تفعيل إسهامهم فى التعاون الثنائي و الإقليمي؛
تفعيلًا للدبلوماسية الموازية التى يحوز البلد فيها ميزات تنافسية تليدة و طارفة يجدر إنشاء مرصد بوزارة الخارجية لاستكشاف و توطيد العلاقة بمشاهير الموريتانيين المقيمين و الموريتانيين متعددى الجنسية من أجل تفعيل دورهم فى توطيد العلاقات الثنائية و الإقليمية؛
٨-إنشاء آلية وطنية لتسهيل نفاذ الكفاءات الموريتانية للمنظمات شبه الإقليمية و القارية و الدولية.
من المؤسف ضعف تواجد الأطر الموريتانيين بالمنظمات الإقليمية و الدولية و هو ما يبعث على التوصية بإنشاء آلية وطنية لترقية نفاذ الأطر الموريتانيين إلى المنظمات الدولية و الإقليمية و التنويه وارد و الشكر مستحق لرئيس الجمهورية على تعليماته الصادرة إلى وزير الخارجية بدعم كل موريتاني ترشح لمنصب إقليمي أو دولي و عدم الرجوع إلى رئاسة الجمهورية فى ذلك كما كان معمولا به فى السابق حيث حرم موريتانيون من الترشيح و الدعم لاعتبارات سياسية و مزاجية.
المختار ولد داهى ، سفير سابق.