من حيث المبدأ ليس لدينااعتراض على تكريم اى مواطن موريتانى يستحق التكريم.
ولكن كل تكريم ينبغى ان يتم تحت مسماه الحقيقى وشعاره طبقا لمعيار ثابة ومحدّد بعيدا عن السياسة والمحسوبية والمحاصصة غير الشريفة والمحاباة.
وانطلاقا من الشعار الذى تم رفعه ، وهو تكريم ابطال المقاومة كان الأجدربالقيّمين على هذا التكريم ان تكون لديهم خلفية تاريخية غير مغلوطة عن ابطال المقاومة وتاريخها ، وهل هى بدأت من مطلع القرن التاسع عشر ام بداية القرن العشرين؟
وبناء على هذه الخلفية يتم حصر التكريم على من حملوا السلاح ووقفوا بجدية وثبات فى وجه الإحتلال وماتوا يدافعون عن هذا الوطن او عرَّضوا حياتهم للموت ، لا لأؤلئك الذين كانوا يدرِّسون الأطفال اوالبنات او ينشدون الشعر اويقومون بأعمال شريفة أخرى لكنها ليست الوقوف فى وجه الإحتلال ومقارعته بالسلاح.
فهؤلاء يستحقون التكريم لكن ذلك ينبغى ربطه بالخدمات التى يقدمونها للوطن وعلى ضوئها وفى إطارها يتم تصنيفهم وتكريمهم انطلاقا منها بعيدا عن مزاحمة المقاومين.
وإذا اردنا ان نتوسع فى مفهوم المقاومة يمكننا ان نطعِّمه بشخصيات محدودة جدا لم تحمل السلاح وتذهب الى الجبهات لظروف معينة ومفهومة ، لكنها قامت بماهو اهم من ذلك او يوازيه على الأقل ، كتأمين السلاح وإيواء المقاومين وتوجيههم وإعدادهم نفسيا وايديولوجيا، وهذا الدور لم اعلم أحدا زاحم فيه شيخ المشايخ/ الشريف الشيخ ماء العينين بن الشيخ الأجل الشيخ محمد فاضل بن مامين.
ويوجد من الوطنيين الأحرار من لم يقدم السلاح والإيواء للمقاومة لكنه قدم النصح والمشورة والدعم المعنوى من خلال اصدار الفتاوى التى تشد من عزيمةالمجاهدين وتنافح عنهم وتتصدَّى لمن يهبِّطون هممهم خدمة لأجندات المحتلِّين ، وهذا مافعله إبان فترة الإحتلال الشامل، بالإضافة الى الشيخ ماء العينين كل من العلاّمة سيدى محمد (الصغير )بن حبت القلاوى فى آدرار والعلاَّمه محمدالعاقب ولد ميابى الجكنى فى كل من لعصابه وتكانت العلاَّمة احمد بن محمد بن العاقل الديمانى العالم الجليل اجدود بن أكتوشنى العلوى فى الترارزه فى النصف الأول من القرن التاسع عشر يوم كانت هذه الإمارة تتصدى وحدها للإحتلال الجزئى لإفشال مشاريع الإستعمار الفرنسى إبان حكم الأميرين ، الأمير اعمر بن المختار بن الشرقى بن اعلى شنظوره الذى قاوم بجدارة وبنجاح محاولة فرنسا إقامة مستعمرة زراعية فى الضفة اليسرى للنهر التى كانت تابعة لإمارة الترارزه منذ قديم الزمان.
وافشل كافة مخططات الرائد جوليان اشمالتز الذى استطاع ان يبرم العديد من الاتفاقيات السرية التى تضر بالإمارة ، فماكان من هذا الأمير الا ان اعلن الحرب على اشمالتز وحكام والو فى اغسطس سنة 1820 وحطَّم جميع المنشآت الإستعمارية التى تمت إقامتها فى كل من دكانه وليشاتور ، الأمر الذى فرض على المستعمر الفرنسى ان يستدعيه الى فرنسا ويستبدله بجانه لكوبى ويوعز اليه بضرورة التصالح مع التراررزه اثر الخسائر والهزائم التى منى بها سلفه والتى تحدَّثت عنها بعض وثائق الأرشيف السنغالية قائلة : ( لقد اندلعت المعركة الأولى فى اتيجار n,tiagar ، حيث جرح فيها البراك ووزيره وقتل العديد من رجاله وخُّرِّب مجموع اراض والو ماعدا ثلاث اواربع قرى على مشارف سينلوى حمتها السفن والمدفعية الفرنسية ، وسبي بعض السكان …بينما فرت البقية من السكان الى كايور ).
وإذاكان هذا الامير استطاع الصمود فى وجه فرنسا بقيادة الرائد اشمالتز وخلفه، فإن ابنه الأمير محمد لحبيب بن اعمر بن المختار جد أمراء الفرع الاصغر من ذرية اعل شنظوره.
قد استطاع هو الآخر الوقوف فى وجهها بقيادة الجنرال افيدرب فوقف فى وجهه واندلعت بينهما حروب طويلة كانت سجالا بينهما ، منها حرب زواجه من الملكة جنبت وصية عرش والو وقد كسب الرهان ، ومنها حرب العلك ووقف التغلغل الفرنسى وقد تخللَّت تلك الحرب سلسلة من الاتفاقيات توجت بالتفاقية سنة 1858التى انحسر بموجبها نفوذ الترارزه عن الضفة اليسرى بعد ان مال ميزان القوى لصالح المستعمر.
وقد حصل ذلك بعد سلسلة من المعارك يقف فى معظمها الأمراء يدافعون وحدهم مقتصرين على خاصيتهم من ابناء عمومتهم اساسا كما يقول اجدود بن اكشونى فى قصيدته التى يحث فيها رعايا الإمارة على عدم خيانة اميرهم :
لا تخونوا إمامكم وانصروه * إن فى خونه لذلا وعارا.
قد دعاكم فلم يزدكم دعاه * لجهاد العدو الا فرارا.
طالما حاول الجهاد وحيدا* اوحيد يروم فتح النصارى؟
لاتعينوا بالعلك حزب الأعادى * اتعينون آثماكفارا.
لاشك ان هذين الأميرين المجاهدين ومن بعدهما ابنيهما، الأمير سيدى والأمير اعل هم الذين بتصدِّيهم للغزو الفرنسى منذ مطلع القرن التاسع عشر أخروا احتلال الفرنسيين للبلاد قرنا كاملا.
كما ان اسلافهم ( الامير اعل الكورى) هم الذين تصدّوا للزحف الفوتى القادم من الجنوب.
وإذا كنا قد اوضحنا اننا لا نعترض من حيث المبدأ على توشيح اى مواطن يستحق ذلك ، فإنه من البديه اننا ندعم ونؤيد توشيح كل من الأميرين بكار ولد اسويداحمد شهيد بوكادوم وسيدى احمد ولد احمد العيده شهيد وديان الخروب والشريف سيدى ولد مولاى الزين شهيد تجكجه قاتل كبولانى وكذا البطلان المقاومان محمد المختار ولد الحامد والشيخ ولد عبدوك.
والثلاثة الباقون لانعارض على الإطلاق تكريمهم وتوشيحهم ومع ذلك لانرى ان اثنين منهم يدخلان ضمن المقاومين ، اما الثالث وإن كان مقاوما وجديرا بالتوشيح والتكريم الا أن قائده فى معركة لكويشيش الأمير احمد ولد محمد فال ولد الأمير سيدى ولد الأمير محمدلحبيب اولى واجدر بهذا التكريم.
– فالشيخ سيدى محمد ولد الشيخ سيديا لا احد من وجهة نظرى -على الأقل- يعترض على تكريمه وتوشيحه ، وهو بلا شك حقيق بذلك وجدير به،ومع ذلك ماكان ينبغى ان يكون عنوان ذاك التكريم ابطال المقاومة ، لأنه لم يشارك يوما من الأيام حسب علمنا وبحثنا فى هذه المقاومة التى يقودها آنذاك الأمير محمد الحبيب ومن قبله والده الأمير اعمرولد المختار الذين وقفا – ومن بعدهما ابنيهما الأمير سيدى والأمير اعل- طيلة القرن التاسع عشر فى وجه المستعمر الفرنسي والآخرون يغطون فى سبات من النوم العميق وكأن الامر لايعنيهم ، والذى امدَّهم به العلاَّمة الشيخ سيدى محمد بن القطب الكبير الشيخ سيديا من قوة ومن رباط الخيل هو اتهامه لهم بالتلصص ووضعه لهم فى كفة واحدة مع المحتلَّين الفرنسيين عند ما خاطب زوايا منطقته قائلا:
حماة الدين إن الدين صرا * اسيرا للصوص وللنصارى.
والمحزن حقا ان صرخته تلك واستنجاده بزوايامنطقته الذين وصفهم بأنهم حماة الدين قد ذهبت ادراج الرياح والذى قاوم الإحتلال فى عصره وفى العصور اللاَّحقة به هم أؤلئك اللصوص كما وصفهم رحمه الله ومن قاومه بعد اختراقه للحدود واجتياحه للبلاد هم اللصوص ذاتهم وابناء عمومتهم – ومن هم على شاكلتهم – فى مشارق الارض ومغاربها.
اما حماة الدين المزعومين فدورهم فى مقاومة المستعمر فصار معروفا لدى القاصى والدانى إذلم يكتب عليهم من جهاد وقتل الا جهاد الحبارى كماقال احدهم.
ومع احترامنا وتقديرنا وبحق لهذا العلامة الجليل ، الا اننا نرى انه كان الأولى بالتكريم بهذه المناسبة والده الشيخ سيديا الذى شارك بنفسه مع امراء البراكنه فى معركة (الركبه) ضد الفرنسيين وانتصر المسلمون يومذاك عليهم فضلا عن ترتيبه للقاء بين امراء البلد آنذاك فى بلدة تندوجة سنة 1272 هجرية / 1856م مطالبا إياهم بتناسى خلافاتهم ووضعها جانباوالقوف الى جانب اميرى الترارزه والبراكنه فى تصدِّيهما للغزو الفرنسى ومحاولاته المتكررة خرق حود هاتين الإمارتين وبخاصة إمارة الترارزه قائلا: ( إن تمكن الفرنسيون من عبور نهر صنهاجه ( نهر السنغال) لن تستطيع قوة بعذلك وقف زحفهم للسيطرة على باقى البلاد …وقد صدَّقت الأيام والأحداث اللاَّحقة لهذا الإجتماع صدق تنبؤات هذا الشيخ المغفرى الكبير وبعد نظره.
-وفى مايخص تكريم محمودباه على اساس فتحه لمدرسته ، فإننا لا ننكر دورمدرسته ولاننكر عليه هو الآخر احقيته فى التكريم ، ولكن كان ينبغى ان تكون مناسبة ذلك تكريم اصحاب المحاظر وليس ابطال المقاومة لأنه ليس منهم وتم اقصاء العديد منهم وتم تكريمه هو على حسابهم تحت عنوان لاناقة له فيه ولاجمل.
فلوا ان كل صاحب محظرة مشهورة يعتبر احد ابطال المقاومة ويستحق التكريم لكانت عشرات الآلاف من الموريتانيين تم تكريمهم اليوم وكنت انا من ضمنهم إن لم اكن من اولهم لوجود اجداد لى علماء اجلاَّء تعاقبوا على اشهر المحاظر فى منطقة اركيبه بالإضافة الى ان جدّى العلاّمة محمد المهدى بن سيدى بن القاسم هوالذى كان يتوسط لوفد لقلال عند الشيخ ماء العينين لتأمين السلاح ليقاوموا به جنود الإحتلال نظرا للخصوصية التى تربطه مع شيخ المشايخ الشيخ ماء العينين.
– اما المكرم الأخير الذى يعمل تحت امرة الأمير المجاهد سليل الأمراء المجاهدين البطل الشجاع احمد ولد الديد – وإن كان يستحق هذا التكريم- إلا انه مهما كان استحقاقه له لايمكن ان يكون احق به من قائده الأمير احمد بن الأمير محمد فال بن الامير سيدى بن الأمير محمد لحبيب بن الامير اعمر بن المختار الذى كان القائد الفعلى لمعركة لكويشيش التى قتل خلالها القائد الفرنسى ( رابول) على يده كما قتل عددكثيرمن جنوده.
والخلاصة هى ان عدم تكريم الشيخ ماء العينين وولده القائد المجاهد وجاه واخوته الآخرين ، وعدم تكريم أمراء الترارزه الخمسة : اعمر ولد المختار وابنه محمد لحبيب واحفاده الامير سيدى والامير اعلى والأمير احمد بن محمدفال الملقب ولد الديد.
وعدم تكريم احد من امراء لبراكنه وبخاصة الامير المختار بن سيدى بن سيدى محمد الذى اختطف بتاريخ 27 يناير 1843 واقتيد الى اندر ومنه تم نفيه الى قرية من قرى الكابون وظل بها حتى وافته المنية رحمة الله علينا وعليه ، وعدم تكريم احد من امراء اولاد امبارك الذين تصدّوا للزحف الفوتى واكتووا بناره دون غيرهم.
وعدم تكريم شخص واحد من قبيلة لقلال التى فقدت فى معركتين فقط هما : ( انيملان ، واجار ) 91 شهيدا 24 منهم من اهل بومالك كما استشهد من اهل بومالك فى حصار تجكجه ومعركة يوم الدار خمسة اقمار علما وورعا وفروسية.
وقد شارك زعماء لقلال المتواجدين فى المنطقة كسيدى بن الغوث ، والب بن عبدالرحمن اخليفه ، ومحمد لقظف بن الشيخ بن الجوده ، وسيدى محمد بن عبدى بن امحمد جدو ، وجدىِّ العلاّمه قاضى المشكلات محمد المهدى بن سيدى بن القاسم ، ومحمد المختار بن لقمان بن محمد الأمين وكثير من زعماء لقلال وابطالهم.
ولم تكتو قبيلة من قبائل الزوايا بما اكتوت به قبيلة لقلال لمقاومتها الشرسة للمستعمر الفرنسى ،ومع ذلك تم تجاهلها فى التكريم لم يكرم اى من شهدائها او زعمائها ومع ذلك نشاهد كل سنة وعبر الفضائيات تكريم اناس والترويج لآخرين كانوا اشدعداوة للمقاومين من المحتلِّين انفسهم ، بل إن المحتلِّين انفسهم كانوا بالنسبة لهم بردا وسلاما على المقاومة فضلا عن اناس نكرة لا يعلمهم الا من قدموهم لحاجة فى نفوسهم.
وبالنظر لماتقدم ، فإنه من غير الإنصاف تكريم اناس ربما لم يكونوا قدسمعوا بالمقاومة وتجاهل اناس ضحوا بدمائهم الزكية الطاهرة محاباة ومجاملة ويترك المقاومون الحقيقيون دون تكريم امعانا فى ظلمهم وإهانة لأحفادهم الذين لولاهم لماكان لمن يعبثون الآن بالتاريخ الوطنى ويفصِّلونه على مقاساتهم اي وجود.
وإذاكنا قد اساءنا تجاهل بعض رموز المقاومة فقد اساءنا اكثر من ذلك تجاهل رموز ابطال حرب الصحراء التى حصدت اغلى ابطالنا.
فتجاهل الرائد البطل الشهيد اسويدات ولدوداد دفين عين بنتيل ، والعقيد المقدام فياه ولد المعيوف ، والعقيد محمد ولد لكحل ،والمقدَّم الرئيس المتجاسر احمد ولد بوسيف ، والمقدّم الأمير احمد سالم ولد سيدى ، والعقيد عبدالقادر ( كادير) والرائد البطل الشجاع جدّو ولد السالك ، والنقيب انياك يدخل هو الآخر ضمن خانة التخبط والإقصاء والمحاباه.
لذا نرى ان من كان يقف وراء هذا التكريم إما انه لايعرف اي شى ء عن المقاومين الحقيقين وتلك مصيبة وإما انه يعرفهم ويتعمد اقصاءهم فالمصيبة اطم واعظم.
الدكتور المحامى محمد سيدى محمد المهدى.