أَمْرَضَ وباء كورونا الاقتصاديات العالمية كلها لكنه كان أكثر إيلامًا لاقتصاديات دول العالم الثالث و قد أصيب الاقتصاد الموريتاني إصابة بالغة يمكن تلخيصُها و تقريبها للرأي العام من خلال البيانات و البَيِّنَاتِ التَّالِيَّةِ:
أولًا-تراجعُ معدل النمو taux de croissance بثمان(8)نقاط حيث كان متوقعا أن يحقق البلد هذا العام 2020 نسبة نمو تزيد على +6%فى حين أصبح شبه مؤكد أن نسبة النمو ستكون سالبة(-2%)و ذلك بفعل تراجع حجم و قيمة صادرات البلد إضافة إلى تأثر قطاع الخدمات من الإجراءات الوقائية و هو القطاع الذى يساهم لوحده بنصف الناتج الداخلي الخام (PIB)و نصف فرص العمل و التشغيل؛
ثانيا-انخفاضُ الإيرادات الجبائية للدولة بمبلغ 90مليار أوقية قديمة عن ما كان متوقعا هذه السنة و ذلك بفعل الإعفاءات الضريبية على المواد الغذائية الأساسية و إعفاءات الرسوم و كذا الانخفاض المتوقع لحجم الواردات و الصادرات ؛
ثالثًا-تقهقرُ عائدات التصدير من العملة الصعبة بمبلغ يناهز 90مليار أوقية قديمة (275مليون دولار أمريكي)بفعل الهبوط المتوقع لتصدير مناجم الحديد إلى الثلث إثْر تراجع الطلب العالمي و كذا شبه التوقف المتوقع لتصدير الأسماك ذات القيمة التجارية العالية(poisson a haute valeur commerciale )نتيجة للتوقف المتوقع للطلب الخارجي؛
رابعًا-زيادة عدد الأسر الفقيرة ب 127.000أسرة بتأثير مباشر -أساسا- من توقع توقف بعض الأنشطة الاقتصادية و تراجع كبير متوقع فى حجم تحويلات المقيمين بالخارج إلى أسرهم ؛
خامسا-زيادة نسب البطالة:إذ من المتوقع أن يفقد آلاف العمال مواطنَ شغلهم بفعل إغلاق الحدود و عزل الولايات بعضها عن بعض و الإجراءات الاحترازية الأخرى التى طالت العديد من الأنشطة الاقتصادية و يتأكد احتمال الزيادة بالآلاف للعاطلين إذا ما استحضرنا أن 80%من 840.000موطن شغل المتوفرة بالبلاد كلها بلا عقود عمل فهي إذن مواطن شغل هشة،موسمية و غير دائمة.
و لمواجهة هذه الفاتورة الاقتصادية الباهظة لوباء كورونا أعدت الحكومة خطة متكاملة من شأنها مواجهة كل الانعكاسات الاقتصادية المُبَيَّنَةِ بالنقاط الخمسة أعلاه؛ و بلغت تكلفة الخطة 240مليار أوقية قديمة ستتم تعبئتها أساسًا من خلال ترشيد الإنفاق الحكومي و تأجيل الاستثمارات غير المستعجلة و تأجيل سداد أقساط الديون الخارجية و طلب مساعدة الدول الشقيقة و الصديقة و اللجوء إلى “الاقتراض الحسن”( من غير فائدة و طويل أَجْلِ السداد).
ً
و سيتم توجيه الموارد المالية المُعَبَّأَة أساسًا إلى:
1.حماية الأسرة الفقيرة من خلال توفير تحويلات نقدية مباشرة لفائدة أكثر من 200.000أسرة فقيرة بالإضافة إلى زيادة كميات تموين دكاكين “أمل”التى تبيع المواد الغذائية للفقراء بأسعار مدعومة؛
2. إنشاء صندوق للتضامن بموريتانيا (Fonds de Garantie pour la Mauritanie) من مهامه دعم و مواكبة كافة المنشآت المتوسطة و الصغيرة (PME)و الصناعات المتوسطة و الصغيرة(PMI)خلال فترة الجائحة من خلال تيسر الولوج إلى القروض و تأجيل سداد الضرائب و المساهمات الاجتماعية لمدة ستة أشهر (TVA،CNSS،ITS) بالإضافة إلى تحمل الدولة الضرائب و 50%من رواتب العمال مدة 6أشهر لفائدة 100مقاولة اقتصادية؛
3.إنشاء مخزون استراتيجي من كافة المواد الغذائية الأساسية و تخزينه بنواكشوط و بالمدن الداخلية حذرًا من أية انقطاعات للتموين الخارجي بالمواد الغذائية.
تلكم بعض معالم الفاتورة الاقتصادية الباهظة لانتشار وباء كورونا و البالغة تذكيرًا 240مليار أوقية قديمة أي ما يعادل 643مليون دولار أمريكي يمكن تعبئة قرابة ثلث المبلغ من تأجيل سداد الأقساط السنوية للديون الخارجية275مليون!!!!!!(غفر الله لمن كان السبب) كما يمكن توفير الثلثين الباقيين بسرعة إذا ما تسلحت الحكومة بحيوية و مبادرة أكثر اتجاه مُتَاحات و فرص التعاون الثنائي و التعاون الدولي و التعاون مع الهيآت المالية الدولية فى مجال “الاقتراض الحسن”.
المختار ولد داهى،اقتصادي و سفير سابق