تشرفتُ مساء أمس 21يناير 2020 بحضور حفل نظمته المدرسة الوطنية للإدارة تكريما للأستاذ محمد فال السالم ولد بوكه بعد إحالته إلى حقه فى التقاعد تتويجًا لمسار تدريسي لمادتي المالية العامة و القانون الإداري طيلة ما ناف على الثلاثين حولا.
و قد شهد حفل التكريم حضورًا واسعًا و نوعيًا ضم وزراء و سفراء سابقين و منتخبين ممارسين و ساسة بارزين و مدراء للمدرسة سابقين و أساتذة و طلابًا قدامى و حاليين و أفرادًا من عائلة و أصدقاء و معارف الأستاذ المكرَّم معروفين،…
وقد طلب مني المدير العام للمدرسة بصفتي أحد خريجي المدرسة القدامى أن أدلي بشهادتى فى حق أستاذي محمد فال فسارعت إلى هذا التشريف بادئا بشكر المدير العام للمدرسة على سن هذه “السنة الحسنة”التى هي أضعف الإيمان اتجاه رجل أفنى شبابه و حَرَقَ أشُدَّهُ و قوته فى خدمة مرفق عمومي متوقعا تعميم و تأبيد هذه السُّنة لفائدة كل خدام المدرسة أساتذة و إداريين و أعوانًا،…
بعد شكر المبادرين و المنظمين ذكَّرت الحاضرين أن أول محطاتي مع الأستاذ محمد فال كانت بشارة منه له لي ساعات قبل إعلان نتائج المسابقة الكبرى التى نظمتها المدرسة الوطنية للإدارة عام 1995 بعد انقطاع عن الاكتتاب دام عشر سنوات بفعل إملاءات البنك الدولي و صندوق النقد الدولي.
لقيتُ ساعتئذ الأستاذ ولد بوكه و نحن خارجان من صلاة الجمعة بأحد مساجد حيٍّ كان و أحسبه لا زال يعرف “بمدينة G” فسألني هل من عائلة أهل داهى من هو مشارك فى مسابقة المدرسة الوطنية للإدارة؟فأجبته بأني مشارك بالمسابقة فبشرني بأنني المتأهل الأول فى المسابقة.
ولا حقًا سيحدثني ولد بوكه حفظه الله أن سبب إطلاعه على خبر تأهلي هو أنه ذاع فى أوساط الطاقم المدرسي اتهام ألسنة حداد،طِوَالٍ رئيسَ اللجنة الوطنية للامتحانات وقتئذ محمد الأمين ولد داهى بأنه حجز الرقم الأول من المتأهلين لأحد أفراد عائلته مما اضطر رئيس اللجنة للدفاع عن نفسه و القول إن المتأهل الأول هو ولد داهى لكنه من مواليد كرو و ليس من مواليد أطار و لا وادا ن.
درَّسنا الأستاذ محمد فال طيلة عامي التكوين إحدى موادنا الأساسية (المالية العامة)فكان درسه جامعًا بين النظري الضافي الشامل و التطبيقي المقرب للأذهان كما كانت تتخلل الدرس قصص و تجارب تحفز على التجلد و الهمة العالية و الطموح القصِيِّ و كان درسه أحد الدروس الجامعة بين الإفادة المحيطة بكل زوايا و خفايا الدرس و متعة الإِحْمَاضِ بقصص و تجارب و مُلَحٍ معينة على التجلد للمسار الدراسي الطويل فكان درس الأستاذ بوكه أحد الدروس التى تُؤْلَفُ فلا يتخلف عنها متخلف.
تعلمنا من الأستاذ محمد فال العديد من فضائل السلوك أذكر من ذلك تواضعه الجم مع أعوان المدرسة الذين يُحْضِرُونَ فى كل حصة سجل الغياب و مواضيع الدرس فكان يمازحهم و يلاطفهم و يبالغ فى مجاملتهم و أحيانًا كثيرة يرافقهم خارج قاعة الدرس ليخفي عن غير أولى الفطنة منا مواساته المالية لهم كما أتذكر ثَابِتَ  تغافله و تصاممه عن بعض المشاغبات غير اللائقة التى تصدرأحيانا نادرة من بعض التلاميذ.
كان الأستاذ ذو مُلَحٍ وقورة و مربية ،أذكر فى هذا المقام أنه كان دائما ملجأنا و شفيعنا لدى المدرسة و ذات يوم تظلمنا له من هزال المنحة الدراسية و أبلغناه طلبنا من الإدارة زيادة المنحة الدراسية فتعهد لنا بدعم طلبنا لكنه قال لنا بأنه سيشرح لناالمقصود من هزال المنحة و سكت دقيقة أو دقيقتين للتشويق قبل أن يسترسل قائلا: إن الإدارة ربما قصدت من هزال المنحة تدريبنا و تعويدنا على التكيف مع هزال الرواتب التى تنتظرنا بعد التخرج.
ختمت شهادتي على المسار التدريسي للأستاذ ولد بوكه متعه الله بالصحة و طول العمر باقتراح تعزيز هذه السُّنَّةِ الحميدة بأخريات منهن إرساء تقليد خاص بالمدرسة الوطنية للإدارة يمنح الأساتذة المتقاعدين الأسبقية فى عقود التدريس غير الدائمة و كذا امتيازات الإشراف على البحوث و التدريبات بالإضافة إلى ترجيح ملفات ترشح الأساتذة المتقاعدين فى حالَ المنافسة على اكتتاب استشاريين لإعداد دراسات أو استشارات ذات صلة باختصاصات المدرسة.
و لقد نسيت خلال المداخلة أن أقترح على المدرسة الوطنية للإدارة تحريض إرساء تقليدين عريقين من تقاليد المدارس الوطنية للإدارة عبر دول العالم أولهما إنشاء رابطة لقدامى تلاميذ المدرسة الوطنية الإدارة و ثانيهما إنشاء رابطة لقدامى أساتذة المدرسةسيشكلان على غرار العديد من دول العالم رافعتين مدنيتين للإعلاء من شأن المدرسة و ترفيع نوعية مخرجاتها و الدفاع عن مصالحها و رسالتها.