تعكف الحكومة المنبثقة عن أول تداول سلمي على السلطة بموريتانيا،هذه الأيام، على إعداد الهياكل القطاعية للوزارات كخطوة تأسيسية لتحديد صلاحيات كل قطاع وزاري و معرفة مصادره البشرية و وسائله اللوجستية و تصفية”المُدَاخَلَاتِ”(بلغة أهل الكزرة) التى تؤجج عادة الصراعات بين القطاعات الوزارية.
كما يتوقع أن يكون إعداد الهياكل الوزارية خطوة تمهيدية لسد الفراغات الإدارية السامية و المتوسطة الناجمة من جهة عن “النزيف التقاعدي” الذى أضحي متكررا و بحجم كبير فى الربع الأخير من كل سنة و المتأتية عن “الترقيات الوزارية”الأخيرة و ما خلفت من مناصب سامية شاغرة من جهة أخرى.
و يشاع على نُطُقٍ غير ضيقة أن مناسبة إعداد الهياكل الوزارية عادة ما تكون فى أزمنة سابقة فرصة لرواج بعض التقاليد الإدارية غير الحميدة كإنشاء أو إلغاء و إلحاق أو إبعاد و دمج أو تفكيك بعض الاستشاريات و الإدارات و البرامج و المشاريع و المصالح تصفيةً لحسابات شخصية أو خَلْقًا لمراكز وظيفية غير مبررة ابتغاء تعيينات عائلية أو كِلْيَانِيَّةٍ،..
و مساهمة فى الحيلولة دون استنساخ بعض التقاليد الإدارية غير الحميدة فى مجال إعداد الهياكل الوزارية أعتقد أنه يتعينُ:-
أولا-التوصية باستيعاب كافة المصادر البشرية القيادية الحالية:و المقصود بهذه التوصية هو العمل على صناعة الهياكل الوزارية بشكل يكفل لكل أصحاب المسؤوليات السامية و المتوسطة الممارسِينَ بقاء مراكزهم الوظيفية الحالية مما يطمئن على تأكيدهم فى وظائفهم ما لم تكن هناك مبررات عجز مهني واضح أو خلل تسييري فاضح؛
ثانيا-الحذر من خلق مناصب وظيفية جديدة:من الوارد أن يتم الحذر من خلق مراكز وظيفية جديدة اتقاء لشبهات “العائلية و الكليانية السياسوية” و تفاديا لزيادة “نفقات التسيير البيروقراطي” التى لا يختلف إثنان على أنها بلغت فى الأشهر القليلة الماضية من “هذا العام الانتخابي” مبلغا أقل ما يقال عنه أنه “لا يتحمل الزيادة”؛
ثالثا-أسبقية الموظفين العموميين فى المسؤوليات الإدارية:قناعتى راسخة أفتأ أكررها و هي أنه من “الحرام القانوني و المهني و الأخلاقي”أن توكل مهام عمومية سامية أو متوسطة لغير الموظفين العموميين ما دام هناك موظف عمومي واحد دخل الوظيفة العمومية سباقا و غلابا ينام الضحى و يُفَرْقِعُ أصابعه جراء عدم الاضطلاع بمهام وظيفية.!!
و أملى كبير فى أن يُحِقَّ العهد الجديد برئاسة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى هذا الحَقَّ و هو الذى اختار القسطاس المستقيم شعارا له فينصف الموظفين العموميين الذين يمسك البعض منهم برؤوسهم متسائلين هل كان دخولهم للوظيفة العمومية السامية مسابقة و مغالبة نعمة أم نقمة؟!.
رابعا-الحرص -وفق ما لا يخل بالنجاعة – على الممكن من التوازن العرقي و “تحت العرقي” فى التشكلةالإدارية:لا مراء فى أن المعيار الأوفى للاضطلاع بالمهام الإدارية هو الكفاءة العلمية و المهنية و الأخلاقية لكنه من الوارد التنبيه إلى البحث عن “الحُسْنَيَيْنِ”من خلال الحرص ما أمكن على أن تعكس التشكلة الإدارية لكل قطاع وزاري “التعدد العرقي”و “التنوع تحت-العرقي”بما لا يخل و لا يضر بالهدف الأسمى للإدارة و هو نجاعة المرفق العمومي.
خامسا-إرسالُ إشارات طمأنة للمعارضة الديمقراطية: رأيى أن لا تمر فرصة سد فراغات الهياكل الوزارية من غير إرسال إشارات تهدئة و طمأنة إلى المعارضة الديمقراطية من خلال تكليف بعض الأطر الأكفاء المشهورين بنضالهم ضمن صفوف المعارضة بمأموريات إدارية سامية تناغما مع البرنامج الانتخابي للسيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى الذى تعهد بتطبيع المشهد السياسي الوطني و بالعزل بين الوظائف السياسية و الوظائف الإدارية.
المختار ولد داهى،سفير سابق