حين رخص لجمعية الإخوان المسلمين سنة 1928 في الإسماعيلية كان ذلك بصفتها منظمة مجتمع مدني. وبهذه الصفة حصلت على أول معونة مالية من شركة قناة السويس. ومارست نشاطها الدعوي دون أن تتعرض لها السلطات. لكن حسن البنا ورفاقه ما لبثوا أن جعلوا الدعوة غطاء لعمل سري، والتبرعات لإقامة مشاريع اقتصادية. فقد أسس البنا “النظام الخاص”، وأسس شركات اقتصادية مثل.. “شركة الإخوان للطباعة والنشر”، “شركة الإخوان للمحاجر”، و”شركة الإخوان للغزل والنسيج”.
على هذه البنية الاجتماعية العسكرية الاقتصادية أقام البنا طموحه السياسي فترشح للنيابيات وهزم فيها… ومن ذلك التاريخ سارت كل فروع الإخوان المسلمين في الوطن العربي والعالم الإسلامي على هذا النهج.. جمعية أهلية ينمو خلفها جهاز سري، وعمل خيري يؤسس لبنية اقتصادية ليكون الكل في خدمة نخبة تنتظم في حزب سياسي يستولي على السلطة عن طريق الديمقراطية أو ينقض عليها ب”الانقلاب الإسلامي”…حلت ثورة 23 يوليو كل الأحزاب السياسية وأبقت على جماعة الإخوان المسلمين لأنها “ليست حزبا سياسيا”.
لكن مرشدهم العام الهضيبي اشترط على الضباط الرجوع إلى مكتب الإرشاد قبل اتخاذ أي قرار سياسي. وحين عينوا وزيرين من الجماعة دون الرجوع للهضيبي أمرهما بالاستقالة، وفصل الباقوري من الجماعة حين استمر في الوزارة. وهكذا، فإن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن عبر تاريخها حزبا سياسيا بالمعنى المتعارف عليه، وإنما هي أقرب إلى الجماعات السرية التي ينتمي إليها أفراد من النخبة لتحقيق مصالحهم. فالحزب السياسي هو” … جماعة من الأفراد داخل المجتمع، تعمل في الإطار القانوني بمختلف الوسائل السياسية لتولي زمام الحكم، كلا أو جزءا، بقصد تنفيذ برنامجها السياسي”. ولم تتأسس جماعة الإخوان، كما رأينا، وفقا لهذا المبدأ. فقد نشأ فرعها في موريتانيا، كما في البلدان الأخرى بنفس الآلية التي نشأت بها جماعة الإسماعيلية. تكونت “الجمعية الثقافية الإسلامية” بصفتها جمعية أهلية تهتم بالثقافة الإسلامية وتلقي محاضرات دينية وثقافية. خلف هذه الجمعية نشأ تنظيم سياسي سري ما لبث أن أنشأ “تنظيما خاصا” ذا طابع عسكري، أطلق عليه “حاسم”.
واستخدمت التبرعات وأموال الزكاة التي تدفقت من الخليج لإقامة بنية اقتصادية للتنظيم. وظفت هذه البنية المتكاملة لخدمة الطموح السياسي لنخبة مرتبطة بالخارج فكرا وتنظيما. لا تشبه هذه البنية الحزب السياسي من أي وجه. فوحده فرع الإخوان المسلمين، في بلادنا، وحزبه يملك صرافات، وصيدليات، ومستشفيات، وجامعات ومعاهد، وبقالات، ومطاعم، و”جمعيات خيرية”، ومواقع وشركات إعلامية، ومحطة إذاعية وتلفزية… ويعيش قادته حياة بذخ دون أن يكون لهم مصدر دخل معلوم… فكيف يمكن لأحزاب سياسية تلتزم النشاط السياسي وحده، وتعجز أحيانا عن دفع إيجار مقراتها أن تنافس شركة مساهمة عابرة للحدود!!! فليس تواصل حزبا سياسيا، حسب التعريف، وإنما هو منظمة اجتماعية واقتصادية توظف أنشطتها لتحقيق مكاسب سياسية، ولها جهازها السري الذي تلجأ إليه عند الضرورة.
فقد كان رئيس الجمهورية صادقا حين قال إن الإسلامي إذا لم يحقق أغراضه بالسياسة انتقل إلى العنف.
وهذا ما صرح به رئيس تواصل جميل منصور حين سئل: “ماذا أنتم فاعلون إذا حل الحزب؟”. قال دون تردد.. “نعود إلى العمل السري”(حل حزب حركة الحر، فلم يهددوا بالعودة إلى العمل السري، وإنما بحثوا عن إطار قانوني ينشطون من خلاله…) هذا العمل السري هو المدرسة الأولى للتنظيم، وهو الجذع المشترك للسياسيين والتنظيمات المسلحة؛ فقد كان سيد قطب، وشكري مصطفى، وعبود الزمر، والظواهري، وغيرهم من المتطرفين أعضاء في تنظيم الإخوان المسلمين استبدلوا بالعمل السياسي الكفاح المسلح. وفي بلادنا خرج المتطرفون من نفس العباءة التي يتدثر بها تواصل؛ فقد واجهوا ولد الددو، مرشد الفرع الموريتاني من الإخوان، ومفتي تواصل، بأنه هو من أفتاهم بحمل السلاح على المجتمع، ولم يفند دعواهم، وإنما لاذ بصمت مريب!
والذين يعارضون حل تواصل باسم الديمقراطية يتناسون أنه لم يتردد لحظة في التنكر للديمقراطية حين اعتقد أن مصلحته تقتضي ذلك، كما يفعل الإخوان عموما. فحين هبت عاصفة الربيع ركبها الإخوان في كل مكان، وعندنا، منادين برحيل نظام ديمقراطي كانوا متحالفين معه، وكان مرشدهم يأخذ رئيسه في الأحضان، فإذا به يحرض عليه..” لا تكفي قومة واحدة بل قومات…” وانقلبت المعارضة الناصحة إلى معارضة ناطحة!!!وينس المدافعون عن الإخوان باسم الديمقراطية أن الإخوان كانوا إلى عهد قريب من ألد أعدائها، وكانوا ينظّرون للانقلاب الإسلامي. وهم لا يتبنونها إلا إذا كانت كفيلة بإيصالهم إلى السلطة.
فحين خسر إخوان السودان الانتخابات التي جاءت بالصادق المهدي إلى السلطة انقلبوا عليه. وحين خسروا الانتخابات في ليبيا أشعلوا الحرب الأهلية، وفي اليمن أشعلوا الفتنة ضد رئيس منتخب كانوا حلفاءه، وفي الإمارات تم اكتشاف تنظيمهم السري الذي كان يخطط للانقضاض على السلطة رغم ما قدمت الإمارات من عون سخي للتنظيم العالمي وهيئاته “الخيرية”.إن من واجب الوطنيين الموريتانيين، من كل الاتجاهات والمشارب السياسية، الدخول في حلف فضول ضد جمعية الإخوان المسلمين في بلادنا فقد قطعوا شوطا طويلا في مرحلة التغلغل، وتحالفوا مع حركة عنصرية حملت السلاح على الوطن، وتدعو إلى تقسيمه على أساس عرقي، وبذلك أصبح الوطن في خطر…”فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ” (غافر 44)