بدأ سقوط الأحزاب التقليدية بسقوط جدار برلين، فقد انتهت 70 سنة من الحرب الباردة بين معسكرين وحلفائهم، وجرى ما سمي بتفكك الأنظمة الشمولية وأدواتها.
هاهي أوروبا بأعرق مؤسساتها، والولايات المتحدة بأجود دساتيرها وقوانينها الاتحادية، تغرق طبقتها السياسية بإيصال الانتخابات لنخب
من الشعبوية الغوغائية، التي تعادي فتح جسور الحوار بين الحضارات والديانات والشعوب، وترفض أسس شراكات في مجال التجارة الدولية، واليونيسكو، والمناخ، وحقوق الإنسان ، وحقوق المهاجرين توصلت إليها أجيال من بناة العولمة
وحكماء منظمات المجتمع الدولي في شتى المجالات.
وحدها فرنسا اثبتت بعد أن تحقق فشل أحزاب اليمين الحاكم واليسار المعارض، قررت أن تنقذ ديمقراطيتها من وصول زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارين لوبان إلى الأليزي، فقرر الشعب الفرنسي أن يوصل المتمرد على الانضباط الحزبي الى الرئاسة الجمهورية رجل شعار إلى الأمام إيمانويل ماكرون. ولو كان الفرنسيون لم يوصلوه إلى الدور الثاني، لكان فريق الأحزاب المنهارة المتمسك بالانضباط الحزبي ، قد أعاد فرنسا إلى عهد الفاشية الايطالية برئاسة موسوليني1919، و الحزب العمالي النازي صنوه الذي كلف فرنسا التخلي عن نظام امبراطوريتها الاستعمارية طواعية.
وتدركون الآن أن حصول مارين لوبان على 1 من أصل3 من الناخبين الفرنسيين كان درسا مقلقا لمن يدافع عن أسس الجمهورية العتيدة.
لم يعد لنخب أحزاب المخزن والتصفيق والصفير، طعم في السلطة والقرار، في فرنسا والولايات المتحدة نموذجان غربيان ، في المغرب وتونس جنوب الصحراء، في مصر واسبانيا غرب المتوسط ، في مالي وليبيا وفي العراق واليمن بؤر الصراعات، وفي ايطاليا و بلجيكا حيث تجار قوارب الموت.
والأسباب في مجملها سياسات اقتصادية وتربوية وأمنية مثل: انحدار مستوى دخل الفرد، وارتفاع مستويات المديونية والفقر والبطالة، والانكشاف الحاصل في مجال الدواء والغذاء والأمن ، وغياب مؤشرات حقيقية للنمو والاستثمار الائتماني ، وضعف مستويات التعليم والتربية،و إقصاء ممنهج للكفاءات المهنية وللخبرات المتخصصة، وهذا في مجمله ناتج عن فشل قيادات أحزاب لم تعد تملك برامج غير التشبث بالمقاعد الحزبية والوزارية، ابتعدت عن البرامج الانتخابية التي تنال رضا الأغلبية من الأجيال والمجتمعات، وكرست أجندتها للبحث عن المال والشهرة، وأصبحت أحزاب “صالونات تغرد خارج السرب”
لقد بينت الانتخابات مرارا ، أن النخب الحزبية التي راهنت على العائلة الضيقة، و جلسات الغرف المغلقة، وأشكال نوادى البشمركة، و انزوت في أحلاف مصالحها الشخصية الضيقة،
نخب تنام كثيرا، وتعمل قليلا….كان ضررها كبيرا على الأحزاب والأنظمة الحاكمة في الشرق وفى الغرب.، و أصبح حالها كحال من أعطي قليلا وأكدى..أثر بعد عين…
اليوم مهما أنجزت فمنتسبوك هم ناخبوك، وأعضاء حزبك هم من يصوت لك،والأحزاب التي لها جاذبية هي التي يتقدم واجبات وقتها : التشغيل ومحاربة البطالة، تلبية حاجات الناخبين من أبناء الجامعات والمساجد ومرتادي المرافق الصحية ، وطالبي حاجات السكن والأمن ولوازمهما…يقودها من يملك رؤية، ويقنع بسلوك ويكسب الرهان.
الكيانات التي تدير بلغة أنا وصلت، فلا تتقدموا لنا بمطالب، أو أنا موجود فليس من حق أحد أن ينافسني…سقطت.
السياسة لعبة الأذكي، والأنشط، وأن لا تلعب برفاق دربك أو تستخف بقومك.
فان كنت ذكيا ونشطا تلعب برفاق دربك انضممت الى حزب ساركوزي
وان كنت نشطا صخابا تغرد وحدك بما تتخيل و تستخف بقومك انضممت الى حزب مارين لوبين
وان أتيت لنا بفزاعة اشربوا من البحر أو اخرجوا من الحزب كنت جاثيا مع حزب الشيوخ المنحل
فموريتانيا أكبر وأبقى من كل الأحزاب
أخيرا لا تشكل التجربة الحزبية في موريتانيا بما آلت إليه اغلبية ومعارضة من تنقلات ، مدرسة يمكن للدارس أن يؤسس على مخرجات ترحالها السياسي، إلا إذا قلنا إن أية انتخابات مستقبلية سوف تبرز أن برلمان أكتوبر القادم سوف يتمحض فيه وجود ممثلي: القبائل، والشرائح، والحركات والكيانات الاديولوجية المختلفة ، ورجال الأعمال وكبار أثرياء الأنظمة الشمولية، مع تسهيل وصول بعض المشاركين عبر النسبية الموسعة الحالية.، الا أن الأهم هو التجديد الواسع في المجالس البلدية والجهويات المخصصة للتنمية بالولايات الموريتانية.
إذا لن تكون الحزبية معيارا، لأن حاجة الأغلبية إلى تجميع أغلبيته سيلغي كما تبين في الترشحات وكما سيتحتم بعد الفرز هذا المعيار جملة وتفصيلا.
النظام باق ببرنامج منجزاته، وبرؤية قائده المؤسس، وبالاعتراف بحقوق الأغلبية، وبالوفاء غير المغشوش
لنهج الأحمد العزيز: من قارب وسدد، مقابل من يباعد ومن أكدى ومن يبدد
.
محمد الشيخ ولد سيدي محمد