مأمورية ثالثة! لقد أطلقت الكلمة التي كانت تعتبر محظورة. ولم يطلقها شخص غفل. بل قالها الوزير الأول نفسه في مهرجان بالبورات، وسط ما اعتاد الناس تسميته بمثلث الفقر. ومع ذلك، كنا نعتقد أن النقاش قد أغلق منذ الخطاب الذي ألقاه ولد عبد العزيز في شهر أكتوبر الماضي، خلال حفل اختتام الحوار المنظم مع جزء من المعارضة. آنذاك أعلن قائدنا المستنير، رسميا، أنه لا مجال بالنسبة له إلى المساس بالمواد التي تحد المأموريات الرئاسية وأنه يضع المصلحة الوطنية فوق مصلحته الشخصية. وإذا كان التصريح بديهيا لأن المواد المعنية مقفولة بإحكام، فإن “من الأفضل قول ذلك” لشرح قول شارل موريس. ترى ما الذي تغير في هذه الأثناء لتعود الشهية بهذه السرعة؟ في الواقع، اعتقد عدد قليل جدا من المراقبين أن ولد عبد العزيز كان صادقا في تظاهره باحترام دستور داسه بالأقدام باستخفاف مرارا وتكرارا، ولكن الظرفية لم تكن مناسبة لإعلان قد يخلف عواقب كارثية على نظامه. لذلك فقد لعب “كرة أرضية”، كما يقول لاعبو كرة القدم، في انتظار تبلور الفكرة ووجود فرصة للتمتع بها. كان الاختبار الأول كارثيا، حيث رفض مجلس الشيوخ التصويت على التعديلات الدستورية التي تلغي غرفتهم البرلمانية وتطلق له العنان لتمرير أية تغييرات تروق له عن طريق جمعية وطنية تأتمر بأوامره وتنتهي بنواهيه. شكل ذلك هزيمة قلبت جميع خططه رأسا على عقب وتحملها بشكل سيء للغاية. ولم يبق له إلا السير، مرغما ومكرها لا بطل، إلى استفتاء غير مضمون النتائج ومخالف للدستور، علاوة على ذلك، لأن رفض الشيوخ يحظر حتى اللجوء إليه، طبقا للباب الحادي عشر من دستورنا. استنفار عام وتأجيل تاريخ اختتام الإحصاء الانتخابي للمرة الثالثة بعد معاينة عدم اهتمام المواطنين بالاستفتاء.
تم إرسال الجنرالات والوزراء وكبار المسؤولين إلى الميدان لتحسيس ذويهم. ويضاعف رئيس الجمهورية مقابلاته، أحيانا مع مرؤوسين عاجزين عن تعبئة أسرهم الشخصية. وها هو نظيره في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية يجوب البلاد ليقول إن موريتانيا لا تزال بحاجة إلى “رئيسها” لإكمال عملية البناء الوطني التي بدأت في عام 2008. وأخيرا وليس آخرا، بدأ الوزير الأول الأغنية. فبعد إعلانه في الطينطان أن النظام الحالي لن يغادر السلطة في 2019، ها هو من جديد يوضح فكرته: إن ولد عبد العزيز سيشغل بالفعل مأمورية ثالثة. يبدو أن الحنث في اليمين لم يعد جزءا من لغة ولد حدمين الذي تجاهل يمين معلمه وحرمة المواد المتعلقة بمأمورية الرئيس والخطر الذي يشكله على البلاد الخرق الألف للدستور . ولكن يجب علينا أن لا نرغمه على ارتداء قبعة أكبر من رأسه لأنه قد ظل على الدوام منفذا طيعا ومخلصا.
وربما هذا هو ما يفسر طول عمره السياسي، من دون أي تحرج، في خدمة نظام لا يشعر هو الآخر بأي حرج، الشيء الذي لا يبرئ أيا منهما. وسوف يأتى لا محالة يوم للمساءلة وعندها لا يستطيع الاختباء وراء المبدأ المقدس لطاعة الأوامر الصادرة “من السلطة العليا” حماية مرتكب أي فعل يخرق القوانين والنصوص المعمول بها.
ولكن قبل أن نصل إلى ذلك، يتعين علينا أن ندق ناقوس الخطر. يجب على المعارضة والمجتمع المدني والديمقراطيين والشركاء الأجانب تنسيق جهودهم لإفشال هذه الخيانة الجديدة في مهدها. بالتأكيد لسنا ممن يصرخون “حي على السلاح معشر المواطنين!” لكننا قد نهضنا مع جميع الذين يؤمنون بسيادة الشعب، أعلى بكثير من أولئك الذين يعملون جاهدين على خداعه.
إن تصريحات ولد حدمين استفزازية بشكل متعمد. وهي تعكس فقط عواء نظام يشعر بالضيق الشديد. فلتنهض إذن، أيها الشعب الموريتاني لتمر قافلة جمالك المهيبة آمنة مطمئنة!
أحمد ولد الشيخ