بعد خمسة أيام من رفسة مجلس الشيوخ الذي رفض، بأغلبية كبيرة، التعديلات الدستورية التي اقترحها النظام، صعد ولد عبد العزيز إلى الخطوط الأمامية. كان يستطيع ترك الوزير الأول أو رئيس حزب الدولة يقوم بردة الفعل، بعد تلك الهزيمة النكراء، لكنه اختار، هو نفسه، التعبير عن ما يحز في قلبه. بدا مضطربا بشكل واضح وحاول، دون نجاح يذكر، الحفاظ على هدوئه. ثم بدأ أولا بتصفية حساب هؤلاء الشيوخ “الخونة” الذين سولت لهم أنفسهم التصويت ضد رغباته، بعد أن أكدوا له، رغم ذلك، تأييدهم الذي لا يتزعزع. ما أغرب السياسة… لا يهم! إن هذه التعديلات، التي دفعتهم إلى إفشاء سرهم وستقضي عليهم، سيتم اقتراحها على الشعب عن طريق الاستفتاء، ولو تتطلب ذلك لي عنق الدستور. لا شك أن المادة 38 تنص على أنه لرئيس الجمهورية أن يستشير الشعب عن طريق الاستفتاء “في كل قضية ذات أهمية وطنية” ولكن أي تغيير في النص الأساسي مقفل بالمواد 99 و100 و101. ولا يستطيع مفسرو القانون الدستوري تغيير أي شيء في الأمر. ولكن رئيسنا المصحح لا يعبأ بأي شيء من ذلك. لقد قرر وسيتم تنفيذ قراره. ولو كان الشعب، لا يوافق فإنه لن يغير موقفه ولن يتزحزح قيد أنملة. أليس من عيار أولئك الذين “لم يخلقوا للاستقالة ولا للفشل”، كما عرف نفسه، خلال عرضه التلفزيوني مساء الأربعاء الماضي. وهذه صفة جديدة تجب الآن إضافتها إلى اللغة العزيزية الغنية نسبيا بالتكرار والأكاذيب والعبارات غير اللبقة ضد معارضيه وخصومه.
لذا سيتم الاستفتاء خلال أشهر قليلة. يجب علينا أن نفعله لأن قائدنا المستنير قد قرره. وربما لا يكون هدفه تمرير “تعديلاته” بل تشويه سمعة تعديلات المرحلة الانتقالية من خلال نفي المادة 99… أيتها الولاية الثالثة، يا ولايتنا الثالثة، إنك تقيديننا… ولكن بما ذا تخرجنا هذه المناورات المحتملة من المأزق؟ تسوية أزمتنا السياسية؟ خفض ديوننا؟ تخفيض الأسعار؟ تحسين نظامنا التعليمي؟ إخراج نظامنا الصحي من سكرات الموت؟ ما فائدة رمي ستة مليارات من النافذة ونحن في أمس الحاجة إليها؟ أين طابع الاستعجال في تغيير النشيد الوطني أو إضافة شريطين أحمرين إلى العلم الوطني؟ أليست للبلاد أولويات أخرى؟
يجب علينا شحذ همم المثقفين ورجال الأعمال والمصرفيين والأطر وكبار الموظفين: إن ذلك أكثر إلحاحا وأكبر فائدة من محاولة تخمين ما يدور في رأس انقلابينا المتعنت. تلكم حقا هي الحاجة الملحة الآن بعد تصويت الشيوخ ولقاء صاحب السمو الأنا مع الصحافة: تعبئة النخبة “مع توجيه نداء قوي إليها”. ولولا جبن نخبتنا الوطنية ما كان ولد عبد العزيز ليتجرأ بكل ببساطة على لي عنق الدستور. لنخرج المتطرف المتعنت!
لنترك رجل 8 أغسطس في بحثه المؤلم عن فرص وجودية ولننظم أنفسنا بهدوء لدفعه بشكل منهجي ومحتم إلى الخروح: وكلما كان ذلك أسرع، كلما كان أفضل للبلاد واستقرارها.
أحمد ولد الشيخ