منذ عودة ولد عبد العزيز من إجازته في تيريس البعيدة، حيث تمتع في هدوء، مع أصدقاء مختارين، بالجو اللطيف الذي يزينه حليب الإبل ولحم الخراف، لم يجد الوقت لالتقاط أنفاسه. لقد فاجأته أزمة غامبيا فور رجوعه، فبذل قصارى جهده لإخراج صديقه يحيى جامي من المأزق الذي أوقع فيه نفسه وحده. حاول رجل گانلاي التراجع بعد اعترافه، في البداية، بفوز خصمه، وبذلك كسب عداء الجميع له، بدءا بجيرانه المباشرين أعضاء المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والذين منحتهم تلك الأحداث فرصة ذهبية للتخلص بأقل تكلفة من مفارقة تاريخية تتمثل في دكتاتور حقير ينهب بلاده التي يقودها بيد حديد منذ اثنين وعشرين عاما ويعيث فيها فسادا، مقتّلا ومعذّبا مواطنيه. فبعد عدة تحذيرات، كانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا تستعد للقيام بطرده. ولذلك كان جامي قاب قوسين أو أدنى من معرفة مصير لوران گباگبو الذي تم القبض عليه مثل اللص وسط شتائم وضرب وسخرية صارعيه. والآن قبل أربع وعشرين ساعة من انتهاء المهلة التي ضربتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، ها هو بطلنا العظيم عزيز ينزل من السماء. قام بأول رحلة إلى بانجول لكن صديقه رفض التنازل. لا شك أنه يسعى إلى كسب الوقت. وبعد توقف في داكار عاد قائدنا المستنير إلى نواكشوط بخفي حنين. دخلت القوات السنغالية في غامبيا دخولا ملحوظا وحلقت طائرات نيجيريا فوق أراضيها. ويضيق الخناق. إن رئيس غينيا ألفا كوندي، مثل ولد عبد العزيز، لا يريد أن تسجل استعادة الديمقراطية في غامبيا لحساب ماكي سال، فبادر بالنزول على عجل في نواكشوط واصطحب عزيز في وساطة الفرصة الأخيرة. وبعد أكثر من أربع وعشرين ساعة من المفاوضات، تمكن الصديقان في نهاية المطاف من إقناع جامي بقبول المنفى في غينيا الاستوائية، الدولة الوحيدة التي قبلت استضافته. عبئا طائرتيهما لنقله وأسرته وحاشيته وأتباعه والأموال التي كدسها على مر السنين. يستطيع الغامبيون الآن أن يتنفسوا الصعداء. لم تعد هناك الاستخبارات العامة ولا الشرطة السياسية ولا فرق الموت… ولكن بلاد منهكة وصناديق خاوية.
عاد ولد عبد العزيز منتشيا بالانتصار، مكللا بهالة هذا “النجاح التاريخي لدبلوماسيتنا” والذي مكن من انتشال ديكتاتور من القضاء في بلاده. ومنذ ذلك الحين يتدفق طوفان المدح والإطراء في الإذاعة والتلفزيون العمومية وكذا القنوات الخاصة (التي ظهرت في هذه المناسبة مجرد ملاحق للتلفزيون الرسمي). تتتابع البرامج لاستحضار “النجاح الخالد الذي حققته بلادنا بفضل بعد نظر رئيسها” ويتعاقب الوزراء والسفراء السابقون والأساتذة وقادة الأحزاب والقانونيون والموظفون السامون على شاشات التلفزيونات ليمدحوا أيما مدح هذه “الدبلوماسية ك البارعة والمستنيرة والحكيمة.”.
لم يتساءل أي أحد لماذا عمل ولد عبد العزيز كل شيء لإنقاذ صديقه من حبل المشنقة الذي لم يكن ليفلت منه، ولا لمن يعمل، إذا كانت مصالح الموريتانيين في غامبيا تشغل باله إلى هذه الدرجة، هل يتحرك لصالح رئيس دولة مخلوع ضد رئيس منتخب، ولما ذا يسعى بكل الوسائل إلى الخلاف مع السنغال الذي تربطنا به ألف علاقة وعلاقة؟ ليس الوقت للسؤال بل للرضا عن النفس. ولكن حذار على القدمين. إن الكاحلين يتورمان بسهولة. لقد كان أوديب، ملك طيبة، رجلا واثقا جدا في أحكامه إلى درجة أنه لا يمكن حتى التفكير في أنه أخطأ في واحد منها. وقد كلفه ذلك العمى في نهاية المطاف وحرفيا عيني رأسه. وكلف شعبه نفس الشيء، للأسف، بفعل لعنة خطإه التي تطارده.