مقالات

أوقفوا مساعي الوقيعة بين موريتانيا والمغرب

منذ أمد غير بعيد نشطت أبواق الفتنة وهبت صراصير الظلام تعمل على الوقيعة بين الدولتين الشقيقتين موريتانيا والمغرب؛ بغية جرهما إلى القطيعة والحرب لعل وعسى.. إذ في ذلك ما فيه من مآرب لأعداء البلدين على حد سواء:
إن القداح إذا اجتمعن فرامها ** بالكسر ذو حنق وبطش أيِّد
عزت فلم تكسر وإن هي بُددت ** فالوهْن والتكسير للمتبدد.
بدأ الحديث عن المعارضين الموريتانيين في المغرب – وكأن المغرب خلا يوما واحدا من معارضين موريتانيين- وتجسس بعض شركات الاتصال لبعض على حساب بعض، وهي حرب مشروعة في عرف الدول، فمسألة القمة العربية، وتطور إلى التنبؤ بقرب افتتاح سفارة صحراوية في انواكشوط ومسألة السيادة المغربية على لگويره، ليصل أخيرا إلى أوجه؛ وهو وجود قوات مغربية على الحدود وحتمية اشتباك جيشي البلدين. وكأننا عدنا إلى عهد الثمانينات البغيض.

العلاقات الدولية وحساسيات بعض الدول اتجاه بعض
من المعلوم بالضرورة أن حماية الدول لمصالحها تجعلها في معظم الأحيان في منأى عن المبادئ والعواطف والأخلاق. ولذلك فإنها تلجأ إلى إيواء بعض معارضي دول أخرى، وتمارس عليها مختلف أنواع التجسس والابتزاز دون أن يفسد ذلك للود بينهما قضية؛ والأمثلة كثيرة على ذلك في العلاقات الدولية، حتى بين الأصدقاء (بين دول الاتحادالأوروبي فيما بينها، وبينها وبين الولايات المتحدة، وبين الولايات المتحدة وحبيبتها إسرائيل) ويظل حبل الوصل ممدودا وتظل المصالح العليا فوق كل اعتبار. وفي إطار ذلك يتم التعامل بذكاء ومهارة و”دبلوماسية” أيضا، مع الحساسيات الطبيعية الموجودة بين بعض الدول. فحساسية المغرب مثلا اتجاه الصحراء شديدة جدا. إنها “كعب أشيلـ”ـه. ورغم كوننا وإياه شركاء في الصحراء، وهمّ الصحراء، يجب علينا أن نراعي حساسيته دون أن نفرّط في مصالحنا العليا. وأما نحن فتتمثل عقدتنا اتجاه المغرب وفرنسا والجزائر في كوننا الدولة الأصغر والأحدث والأقل نموا وقوة؛ وبالتالي فمن المفترض أن تسوّل لهؤلاء أنفسهم ممارسة ضغوط استعلائية اتجاهنا بغية ابتزازنا وتهديدنا. دون أن يضعوا في الحسبان ما لدينا من معين عزة وإباء يقصر دونه الشنفرى وعنترة ابن شداد وعروة بن الورد إن أحرجنا وجهل علينا. أولم يخبر ذلك إخوتنا الجزائريون في لقاء بشار، ونظام الرئيس هيدالة في 12/12، والرئيس معاوية في 3/8 والأمريكيون إبان أزمة السادس من أغسطس 08 وهم والإسرائيليون عندما جرفت الجرافات سفارة إسرائيل في انواكشوط. أولم يأن للجميع أن يعلموا ويتعلموا أن عهد حكم السفارات لموريتانيا قد ولى، فيتعاملوا معنا تعامل الند مع الند، ويحافظوا معنا على استمرار وجود “شعرة معاوية بن أبي سفيان” بيننا، صيانة لمصالحنا المشتركة وعلاقات الأخوة والجوار التي تربطنا؟
سفارة بوليزاريو في انواكشوط؟
.. وكثر القيل والقال في هذه الفترة أيضا حول الأخوة الموريتانية الصحراوية، وحول ما ينتظره الشعب الصحراوي من الأشقاء الموريتانيين، وحول الخطر المغربي المحدق بالجميع.. الخ. هذا مع كثير من الإطراء غير المعهود للحكومة والشعب الموريتانيين. وذكر بعض المدونين الصحراويين، صراحة، أنهم يريدون منا فقط أن نفتح لهم سفارة في انواكشوط، وأن نكون جزءا من حربهم الإقليمية ضد المغرب؛ وذلك باسم الأخوة والحياد بين المغرب والصحراء.
حسن جدا.
إن بوليزاريو الغارقة إلى الودجين في وحل المأزق الأبدي الذي حشرت فيه قضية الصحراء منذ نصف قرن، عندما تخلت عن الاعتماد على النفس والاستقلال والحياد، وفرطت في مصالح الشعب الصحراوي وشعوب المنطقة، وفي الثورة، وألقت القياد لطرف إقليمي يحارب بها أطرافا أخرى، ويركزها في الانتقام من موريتانيا “الحلقة الضعيفة” قد تذكرت اليوم بحمد الله الأخوة الموريتانية الصحراوية. ولأمر ما جدع قصير أنفه.
ولكن، ألا تتذكر بوليزاريو أيضا أنها كانت أداة طيعة في يد لاعب إقليمي شن بها حربا لا هوادة فيها – هم من بدؤوها- ضد “الأشقاء الموريتانيين” لا في الصحراء التي تدعي بوليزاريو السعي لتحريرها؛ بل وفي النعمة وولاته وتشيت وازويرات وأطار وشنقيط ووادان.. وغيرها، وغزت العاصمة انواكشوط مرارا وتكرارا، فقتلت وسبَت المدنيين، ونهبت وأحرقت الممتلكات، وأبادت ونهبت المواشي، وعذبت وجوعت، وقتلت بدم بارد وإذلال منقطع النظير الأسرى الموريتانيين. ولم تزل كذلك إلى أن دبرت ونفذت انقلابا عشائريا على شاكلتها أطاحت فيه بالنظام المدني الموريتاني، وظلت تتآمر على الجيش الموريتاني تضرب بعضه ببعض إلى أن استتب لها الأمر فحكمت موريتانيا خمسا شدادا عرف خلالها الموريتانيون جميع أنواع الذل والهوان والشقاء. ولا يلدغ المؤمن العاقل في جحر مرتين.
وخلاصة القول إن هناك ثلاثة تنبيهات يجب أن يصدع بها هنا:
التنبيه الأول موجه إلى الشقيقة والصديقة الجزائر؛ وهو: أن موريتانيا التي وقفت إلى جانبها في حرب التحرير حتى قبل أن تستقل (قرارات مؤتمر ألاگ) لا تستحق منها ما سببته لها خلال نصف القرن الماضي من ظلم وعدوان وتدمير. وأن شعوب المنطقة والشعب الجزائري الشقيق ينتظرون منها الارعواء عن الغي، وأن تدرك خسارة الرهان على دولة صحراوية لا مقومات لها. فضعوا – من فضلكم- حدا نهائيا لهذا التوجه العقيم الذي لم يلد خلال نصف قرن إلا النار والدمار، وفتشوا عن حل واقعي ملائم لهذا النزاع الوخيم المزمن، يصون حقوق ومصالح شعبكم العاني وشعوب المنطقة قبل فوات الأوان.
التنبيه الثاني موجه إلى بوليزاريو؛ وهو: تذكروا – يا من تذكرتم أخوّتنا حين لا ينفع الوصل- أنكم لم تتركوا شيئا للأخوّة يستطيع الشعب الموريتاني وساسة موريتانيا أن يقدموا لكم في مقابله غير الحد الأدنى مما توصل به الرحم. أكيد أنه يوجد من بين الموريتانيين من يتظاهرون بدعمكم ومساندتكم لأهداف انتخابية وعنصرية، ويوجد نواب في البرلمان يزعمون مناصرتكم، ولكنهم جميعا أقلية لا وزن لها. ودار ابن لقمان على حالها.
التنبيه الثالث موجه إلى الحكومة الموريتانية؛ وهو: عليكم أن تعلموا وتعوا أنه منذ هجرة الصحراويين إلى تيندوف بصفة عامة، واغتيال المرحوم الولي مصطفى السيد بصفة خاصة، لم يبق شمال موريتانيا من قوة تستحق الاعتبار والتمثيل سوى المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. وما عداهما باطل. وليس من العدل والإنصاف والحياد أن نفتح لإحدى القوتين المذكورتين سفارتين ونترك الأخرى، مهما كانت الظروف.
مغربية لگويرة: لمصلحة من تجعلون من الحبة قبة؟
من لگويرة بدأت حرب الصحراء في موريتانيا. ومنها أيضا يحاول المرجفون الوقيعة بين موريتانيا والمغرب. ولكن أين تقع لگويرة، وما هي أهميتها، وعلاقتها بموريتانيا، ومن أين جاءت مغربية لگويره؟
لگويرة – كما يدل اسمها- صخرة جرداء صغيرة ملتصقة بشبه جزيرة نواذيبو تقع جنوب غرب مدينة نواذيبو قبالة مينائها المعدني سلختها إسبانيا من جملة ما سلخت من أراضي وسكان موريتانيا في إطار تفاهمات استعمارية مع فرنسا. وقد آلت بعد حكم محكمة لاهاي الذي ينص من ضمن ما نص عليه من حقوق موريتانيا في الصحراء على: “ارتباط سكان الصحراء اجتماعيا بموريتانيا ارتباط الجزء بالكل” إلى السيادة الموريتانية ضمن وادي الذهب بموجب اتفاقية مدريد الثلاثية. ولما وقعت حكومة ولد هيدالة التابعة لبوليزاريو صلح الجزائر سيئ الصيت، الذي كانت نتيجته العملية سحب الجيش الموريتاني من وادي الذهب وتركه غنيمة للمغرب، ظلت لگويرة – بحكم واقعها وموقعها- في أيدي الموريتانيين، وما تزال.
وفي الآونة الأخيرة، أصبحت لگويرة – بقدرة قادر- بؤرة صراع بين المغرب وموريتانيا؛ لحد أن وفدا مغربيا رفيع المستوى قدم إلى موريتانيا وطلب من القيادة الموريتانية عدم رفع العلم الموريتاني على لگويرة لأنها أرض مغربية تخضع لسيادة المغرب.
ولكن لگويرة لم تخضع قط للسيادة المغربية، وإنما انتقلت من السيادة الإسبانية إلى السيادة الموريتانية. أضف إلى ذلك كون مشروعية الوجود المغربي في الصحراء مستمدة من اتفاقيات مدريد وحكم محكمة لاهاي. وهذان السندان القانونيان يعترفان بتبعية لگويرة – بحكم كونها جزءا من وادي الذهب- لموريتانيا. وفي الوقت الراهن من عمر الصراع العبثي على الصحراء، يصعب تصور إقدام المغرب على أن يجعل من السيادة على لگويرة قضية مركزية يدمن إحراج موريتانيا بالحديث الدائم عنها، أحرى أن يجعلها سببا لنزاع ما معها. اللهم إلا إذا كان يريد أن يرمي بمصلحته ومصلحة موريتانيا ومصلحة المنطقة في مهب الريح. أيود الإخوة المغاربة أن يدفعونا – بسبب السيادة على لگويرة- إلى التصريح بإلغاء صلح الجزائر المجحف الذي أكرهنا عليه في ظل حكم بوليزاريو لانواكشوط، ولا طلاق لمكره؟ وأن نعلن تمسكنا بحقنا في الصحراء الذي كرسه حكم محكمة العدل الدولية، واتفاقيات مدريد؟
لا أعتقد أن اليوم الذي نضطر فيه إلى التصريح بذلك بعيد، ما داموا يفضلون مواصلة حشرنا في زاوية لگويره الضيقة. ويبدو أن الأخوّة الموريتانية المغربية يجري إغفالها كما أغفلت القاعدة الذهبية المتبعة في سياسة المغرب؛ والتي هي قول مولاي إسماعيل طيب الله ثراه: “إن الخير كله يأتي إلى المغرب من الجنوب والشر كله يأتي إلى المغرب من الجنوب”.

محمدن ولد إشدو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى