مقالات

أيهما الأصدق سكان “بورات” أم المحرفون؟

“يمكنني أن أرضي الناس كلهم إلا حاسد نعمة، فإنه لا يرضيه إلا زوالها”
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
بعد سنوات من العزلة يدخل عدد من أبناء “بورات” القصر والرئاسي لتسليم رئيس الجمهورية درع الامتنان تكريما له على العناية التي أولى لسكان هذا التجمع الذي ظل منذ نشأة الدولة الموريتانية رمزا للتهميش والجهل والفقر، واليوم يقلب ساكنة هذا التجمع صفحة من التاريخ القاتم، يبدوا أنه لم يرق للبعض أن تنتهي، لأن تراكم الثروة كان يقتضى أن يستغل الإنسان لأخيه الإنسان، واليوم بعد أن تغيرت الظروف، أصبح الغبن ومحاولة الاستيلاء على حقهم في التمتع بالمتاح من ثروة البلد، ميسم المرحلة، من خلال تشويه السياسيات الاقتصادية التي ستخرج هؤلاء من بين ثنايا النسيان.
من يصدق أن بعض أبناء هذا البلد ممن أنعم اللهم عليهم ببسطة في الرزق، لا يجدون غضاضة في اختطاف الكسرة المعفرة والمبللة بالعرق والدموع من أفواه فقراء هذا الوطن الذين تكالب عليهم شح الموارد، وسوء التسيير، والغبن الفاحش طيلة العقود الماضية..
إن من يشن حربا على دفع الضرائب؛ أحد أهم وسائل إعادة توزيع الثروة بشكل عادل بين مختلف شرائح الشعب، إنما يختطف هذه الكسرة وأجزم بأنه إنما يقتطع لنفسه قطعة من النار.
إن من نذر نفسه لتشويه سياسية تخطيط العشوائيات، بعد أن سكت عشرات السنين على تقاسم آلاف الهكتارات في أرقى أحياء العاصمة وعلى الضفاف الخصبة للنهر، بين الوزراء والأثرياء وكبار المتنفذين في الدولة إنما يختطف هذه الكسرة برفضه لمنح أمتار معدودة لنساء ورجال ولدوا وأنجبوا في هذه العشوائيات من خلال السخرية من هذه السياسية.
إن من يقيم الدنيا ولا يقعدها استنكارا لرفع الدعم عن المحروقات، واتهاما للنظام بأنه يتربح على حساب المواطن، متناسيا أن المسؤوليات الاجتماعية للدولة يستحيل معها أن تربح في ظل تعدد احتياجات المواطنين ومحدودية الموارد، إنما يختطف هذه الكسرة ليعيد توجيهها للأثرياء أصحاب السيارات الفارهة والمكيفات ذوات العدد. إن من يفتح نيرانه على سياسية استصلاحي الأراضي الزراعية في الضفة، ومختلف المناطق الداخلية، ومنحها للمستثمرين الوطنيين والأجانب وحتى الشباب العاطلين عن العمل لاستغلالها، بحجة ملكيتها من طرف السكان المحليين، إنما يريد أن يغلق أبواب التشغيل في وجه فقراء هذه المناطق، الذين لا يمكنهم زراعة هذه الأرض لمحدودية وسائلهم المادية، ويختطف بذلك الكسرة من أفواه الأرامل واليتامى الذين سدت في وجوههم كل الأبواب ويرفضون أن يسألوا الناس إلحافا.
إن من يخاصم رئيس الفقراء، على الاستثمار في البني التحية الصحية والتعليمية التي يأنفون عن استخدامها، لأن قدراتهم المالية تسمح لهم بتعليم أبنائهم في أرقى المدارس والجامعات الأجنبية، ويتعالجون في أكبر المصحات العالمية؛ إنما يختطفون الكسرة من ساكنة أحياء الصفيح وضواحي المدن الذي يجدون صعوبة في الانتقال إلى هذه المراكز بسبب ضيق ذات اليد.
إن من يسخر من حوانيت أمل ويبخس الأسماك التي تباع بأسعار زهيدة، بالتأكيد يعميه البطر عن حقيقة أن هذه المحلات طالما كفكفت دموع طفل أعياه البكاء بسبب الجوع، وأثلجت صدر أم مكلومة على ابن اختطفه المنون في سن مبكرة بسبب سوء التغذية، وأعادت الأمل لوالد أقعده المرض عن عمل شاق كان يعيل به أسرته، ولم يعد بمقدوره القيام به، ليستبدله بعمل بسيط لا يكاد محصوله اليومي أن يقيم أود عائلته الصغيرة، فكان الفرج بإذن الله من خلال هذه الأسعار المناسبة لقدرته الشرائية.
إن من يحارب سياسة توفير المياه الصالحة للشرب وزيادة إنتاج الطاقة اللذين تحتاجهما كل أسرة موريتانية، بحجة طول الأمد والمشاكل الفنية التي تعترض انجاز هذه المشاريع، إنما يختطف الكسرة من أفواه أبناء الفئات الهشة التي صبرت عشرات السنين دون كلل أو ملل على الظلم والحيف، وهي تستعد اليوم للاحتفاء بهذه المنجزات التي باتت قاب قوسين أو أدنى من أن تعيشها واقعا في حياتها اليومية ؛ لماذا_الحرب_ على_ الفقراء؟ إن ما لديهم لا يستحق كل هذا العناء، بدل عن ذلك كان يفترض أن تساهموا في تخفيف آلام أبناء هذه الفئة العريضة من أبناء هذا الشعب الصبور، أو على الأقل دعوا غيركم يقوم بالمهمة دون تشويش.

أحمد ولد محمدو
إعلامي موريتاني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى