مقالات

أيها النائب المحترم الخليل “لقد أسمعت لو ناديت حيا “

تنشط ذاكرتي وتبتهج مخيلتي وينشرح صدري كل ما رأيت مواطنا من مواطني الأعزاء يدافع بصدق وجدية عن هذه اللغة المسكينة (اللغة العربية اللغة الرسمية الأولى في البلد ) بقوة الدستور وخاصة إذا ماكان هذا المواطن شخصية رسمية مثل النائب الخليل ولد الطيب , لأن الرسميين, هم من يمكن أن يساعدوا في تعزيز اللغة العربية , وهم أهل ذلك قبل أي آخر , وهم بحكم وظائفهم التشريعية المسؤولون عن إعداد الأجيال وتكوينها وتربيتها وإصلاحها وتقويم سلوكها ومعالجة انحرافها مثل الآباء والأمهات .

لقد كان دفاعكم يا سيادة النائب عن اللغة العربية في الجلسة البرلمانية الأخيرة وأمام مجسد السياسة العامة للحكومة (الوزير الأول ) عملا في محله ونرجوا لهذا الموقف أن يتكرر حتى يعطي أكله وحتى يغار منه كل باحث ودارس ومربي وكل مسؤول في مفاصل وهياكل الدولة, وخاصة المصلحين فيها غير المفسدين , و أعرف جيدا أن هذا العمل قمتم به ليس من أجل حب الشهرة والمنصب الذي أودعه الله في الإنسان الموريتاني إلا من رحم ربك , وإنما لوجه الله ثم العمل البرلماني الذي تقومون به .

إننا ونحن مسلمون مؤمنون بهذا البلد المسلم مائة بالمائة , بحاجة إلى ان نعرف من يقف وراء إقصاء هذه اللغة وإضعافها وخاصة في الدوائر الحكومية , وكذا تشخيص الداء العضال الذي تعانيه العربية في بلاد المليون حافظ المليون شاعر المليون مصلح , ومنهم أعداؤها ومنهم .. ومن ؟
ألم تكن اللغة العربية لغة الدولة منذو النشأة والمهد ؟ ألم تكن لغة الدين ؟ ألم تفلح دول عربية وإسلامية في جعلها لغة الإدارة كتابة ومراسلة ؟
هل هناك قابعون وراء الستار من المواطن في الدولة لا يردون لهذه اللغة أن تراوح مكانها, ويحولون دون أن تتبوأ مكانتها اللائقة التي منحها الدستور؟ ويريدها لها الجميع , عليكم يا ساسة وأطر ومشرعين وقائمين على صنع القرار أن تضعوا النقاط على الحروف ؟
لقد سطرتم أيها السيد النائب المحترم موقفا تشكرون عليه , حيث لم نتعود هذه الجرأة والإرتجالية من مسؤولين على مستواكم , لقد كنتم على مستوى التمثيل البرلماني , و كما يقولون لا شكر على واجب .

وفي هذا الخضم وهذه الخطى وذلك المسعى الحميد نطالبكم بالمزيد من الدعم والدفاع والمساندة من أجل هذه اللغة المسكينة المهانة والمبتذلة .

على السادة النواب أن يمتنعوا عن دراسة أي مشروع أحرى المصادقة عليه مالم يقدم في ثوب اللغة الرسمية في البلد
إنها لغة الفطرة ولغة الشريعة ولغة الملياري مسلم , فلماذا لم ترسم في الدوائر الحكومية وفي المدارس وفي حدائق التربية وفي الأرياف والبوادي ؟ لماذا لم تلزم الحكومة أعوانها بأخذ اللازم لذلك ؟, حيث يكون للممتثل ثوابا , ويكون للممتنع عقابا ..
كفانا من التلبيس والتمويه على هذا الأمر أو تقديمه بقانون لا روح له .
نعلم أن لللغة العربية أعداء كثيرون لديهم القوة والعدة والعدد والإمكانات , لكن ذلك ليس جديدا على هذه اللغة بل كان قديما وبألوان مختلفة وفي ظروف نحن فيها أقل و أضعف، مورس فيها الكثير من المكر والكيد والتخويف لكنها لغة محفوظة وأهلها مخلصون لله ولو كره الكافرون
إننا نحذركم يا مشرعين ويا قائمين على إدارة البلد من تداعيات إهانة هذه اللغة , فإنها تسبب الكثير مثل ما يلي:
ـ ما ذلت لغة شعب إلا وذل , ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار ثم إلى زوال
وبهذا يفرض المستعمر لغته فرضا على الأمة ويركبها , ويشعرها عظمته ويحكم عليها بثلاث :
1. حبس لغتها (أي الأمة ) في لغته , وسجنها سجنا مؤبدا
2. الحكم على ماضي تلك الأمة بالقتل العمد محوا ونسيانا
3. تقييد مستقبل تلك الأمة بالأغلال التي يصنعها , حتى يكون أمرها لأمره تابع

هذا وإن المتبجحين باللغة الأجنبية من أبناء الأمة العربية والإسلامية كائنين ما كانوا هم طبقات :
الأولى: طبقة تصنع هذا الصنيع من جراء ما استقر في نفسها من احترام للأجنبي, طمعا فيه وخوفا منه , فيحاولون إرضاءه بألسنتهم وبغير ذلك
الثانية : طبقة تعمد إلى هذا وتريد به عيب اللغة العربية وتهجينها , وذلك عداوة محضة مبيتة من عند هذه الطبقة
الثالثة : طبقة تتكلف هذا وذاك بما في نفسها من طباع أحدثها الخضوع والذل السياسيين في عهد الاحتلال الأجنبي فخالوا اللغة الأجنبية شرفا وفخرا , واللغة العربية عيبا ونقصا.
وننبه في هذا الإطار من أجل التحسيس والإرشاد , إلى أن علماءنا قد أفتوا بكراهة الكلام بغير العربية دون ضرورة ومصلحة .
فقد روي عن الإمام مالك رضي الله عنه أنه قال ” من تكلم في مسجدنا هذا بغير العربية أخرج منه ”
ونقل عن الإمام أحمد بن تيمية رحمه الله كراهة الرطانة , وتسمية الشهور بالأسماء الأعجمية , كراهة أن يتعود الناس الكلام بغير العربية أو ينسوها أو لا يهتموا بها .
وقال أهل العلم أن لفضيلة التحدث بالعربية تأثيرا في شخصية المسلم , فإن من تحدث بها تذكر أن لغته هي لغة الصدر الأول من الصحابة والتابعين , فهو بذلك كأنما يعيش معهم .
قال الإمام أحمد ابن تيمية رحمه الله ” أعلم أن اعتياد التحدث باللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا ” ذلك أن الحديث باللغة العربية شعيرة من شعائر الدين وفرض وواجب لا بد منه لفهم الكتاب والسنة , وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
في النهاية أشكر كل من دافع عن هذه اللغة , وكان في ذلك مخلصا , فبهذا الدفاع يكون حقق هدفا متعدد الجوانب من حيث التربية والإصلاح والقضاء على الجهل و الاستبداد , وتوحيد صفوف المسلمين وتقويتهم والقضاء على الفوارق الاجتماعية , وأرجوا من الجميع أن لا يدخل هذه المطالبة والدعوة في التجاذب السياسي ويطمسها في الأخذ والرد بين الساسة في البلد, وذلك من الإنصاف ، والأمر واضح والقصد جلي والجميع يدرك ذلك .
(يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) صدق الله العظيم .

باب ولد حدمين
إطار وناشط سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى