مقالات

اللغة العربية في موريتانيا و هيمنة الروابط الأجنبية

اللغة – عند العرب – معجزة الله الكبرى في كتابه المجيد
قال تعالي : ( أولم يسيروا في الأرضي فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمي الأبصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور ) صدق الله العظيم
لقد حمل العرب الإسلام إلى العالم، وحملوا معه لغة القرآن العربية واستعربت شعوب غرب آسيا وشمال إفريقية بالإسلام فتركت لغاتها الأولى وآثرت لغة القرآن، أي أن حبهم للإسلام هو الذي عربهم، فهجروا ديناً إلى دين، وتركوا لغة إلى أخرى .
لقد شارك الأعاجم الذين دخلوا الإسلام في عبء شرح قواعد العربية وآدابها للآخرين فكانوا علماء النحو والصرف والبلاغة بفنونها الثلاثة : المعاني ، والبيان ، والبديع .
و عبر دهر طويل كانت اللغة العربية هي اللغة الحضارية الأولى في العالم .
اللغة فكر ناطق، والتفكير لغة صامتة. واللغة هي معجزة الفكر الكبرى.
إن للغة قيمة جوهرية كبرى في حياة كل أمة فإنها الأداة التي تحمل الأفكار، وتنقل المفاهيم فتقيم بذلك روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة ، وبها يتم التقارب والتشابه والانسجام بينهم. إن القوالب اللغوية التي توضع فيها الأفكار، والصور الكلامية التي تصاغ فيها المشاعر والعواطف لا تنفصل مطلقاً عن مضمونها الفكري والعاطفي .
إن اللغة هي الترسانة الثقافية التي تبني الأمة وتحمي كيانها. وقد قال فيلسوف الألمان فيخته : ((اللغة تجعل من الأمة الناطقة بها كلاً متراصاً خاضعاً لقوانين . إنها الرابطة الحقيقية بين عالم الأجسام وعالم الأذهان )) .
ويقول الراهب الفرنسي غريغوار : (( إن مبدأ المساواة الذي أقرته الثورة يقضي بفتح أبواب التوظف أمام جميع المواطنين، ولكن تسليم زمام الإدارة إلى أشخاص لا يحسنون اللغة القومية يؤدي إلى محاذير كبيرة، وأما ترك هؤلاء خارج ميادين الحكم والإدارة فيخالف مبدأ المساواة، فيترتب على الثورة – والحالة هذه – أن تعالج هذه المشكلة معالجة جدية؛ وذلك بمحاربة اللهجات المحلية، ونشر اللغة الفرنسية الفصيحة بين جميع المواطنين )) .
ويقول فوسلر : (( إن اللغة القومية وطن روحي يؤوي من حُرِمَ وطنَه على الأرض )) .
ويقول مصطفى صادق الرافعي : (( إن اللغة مظهر من مظاهر التاريخ، والتاريخ صفة الأمة. كيفما قلّبت أمر اللغة – من حيث اتصالها بتاريخ الأمة واتصال الأمة بها – وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول إلا بزوال الجنسية وانسلاخ الأمة من تاريخها .))
وقد صدر بيان من مجلس الثورة الفرنسية يقول : (( أيها المواطنون : ليدفع كلاً منكم تسابق مقدس للقضاء على اللهجات في جميع أقطار فرنسا لأن تلك اللهجات رواسب من بقايا عهود الإقطاع والاستعباد .))
إنطلاقا مما تقدم نطالب نحن النخبة و أصحاب الفكر و العناصر المختلفة المشكلة للطيف السياسي و المجتمع المدني في البلد السلطات العليا في البلد الوقوف إلي جانب اللغة العربية اللغة الرسمية الأولي بقوة الدستور الشيء الذي أعطاها كل أشكال و أنواع المشروعية و إذ نحن نعترف بما منح و أعطي بسخاء لهذه اللغة من أهمية خلال حلول رئيس الجمهورية : محمد ولد عبد العزيز رئيسا للجمهورية الإسلامية الموريتانية ما لولا ه كادت تضيع و تزول لغتنا.
إننا بوصفنا المتقدم لينتابنا الفزع و الخوف و الرعب و الهلع علي مستقبل لغتنا من خلال ما تواجهه من ما بات واضحا للأعيان وبكل الحواس من هجمات و سطو شرس للغاة أجنبية و خاصة اللغة الفرنسية و روابطها المهيمنة علي كل الجبهات ، و نحن نحمل المسؤولية في ذالك لعدة جهات أبرزها 1 ملاك المدارس الخاصة بمختلف المستويات ، حيث بات الطفل لا يدري شيأ عن حضارته علي جميع الأصعدة الخاصة و العامة ، بفعل تربيته و ترويضه و حضانته لثقافة الآخر و الآخر هذا هو من يتولي تلك المسؤولية و بنية مبيتة و إرادة مبطنة ، كما نحمل المسؤولية 2 للآباء المساكين ، فهؤلاء يتحملون المسؤولية الأخلاقية لهذا الجيل الذي إذا ما ارعووا و انتشلوه سيفلس من الأخلاق و تفلس الحضارة منه و يفلس الجميع من الدين
3 الدولة هي الأخري تتحمل المسؤولية لأنها كونت الطواقم و الأطر من أجل أن تعي مسؤليتها و هي تنفق ميزانيات ثقيلة من أجل ذالك عدة وزارات ( التعليم – الشؤون الإسلامية – الثقافة – الطفولة )
يقول ابن خلدون ( اعلم أن لغة أهل الأمصار إنما تكون بلسان الأمة و الجيل الغالبين عليها
و المختطين لها ، إن الناس تبع للسلطان و علي دينه )
إن أي لغة في أي بلد في أي مجتمع كائن ما كان ، ترتبط بروح ووجدان ذالك البلد و ذا المجتمع فلا يعلي ذالك و لا يدنيه إلا هؤلاء ، إلا أن المحير لنا و لغيرنا في هذا البلد هو تلك الهيمنة التي تمارس علينا بأيادي خفية و نحن نحملها وزر ما تعانيه لغتنا و يعانيه تعليمنا من تدن و هشاشة و عدم مردودية و مواكبة للأسواق المختلفة ، رغم أن اللغة لغة الدولة ، و الهيمنة هيمنة الدولة والقوة قوة الدولة و المجتمع عربي الأغلبية و مسلم 100% و اللسان العربي من شعائر الإسلام
هكذا لا نريد للغتنا أن تنسف و نحن نقف ننتظر نتفرج أو تتحول إلي دارجة بحجج تافهة لا يرضاها مجنون أحري عاقل ، و هي أن ( لغة الغرب أصلح للعصر و للتكنولوجيا و للإدارة ) فذالك خب و مكر وخديعة ، فاللغة العربية هي ذاتها المستعملة ، وهي المهيمنة ، في غالبية الدول العربية و بعض الدول الإسلامية ، لماذا تضعف و لا تقوي في بلاد شنقيط ؟ لماذا نضيع ألسنة أجيالنا بسبب مزاعم مستقبلية لا يعلمها إلا الله نضيع ألسنة أجيالنا بسبب رطانة ألسنة الأجانب ؟ لماذا هذه الهيمنة ، و كيف أن روابط لغوية بيننا و بينهم تكلفنا هذا الثمن مهما كانت البواعث و الدواعي ؟ كيف للغة الفرنسية مهما كانت رابطتنا بها أو بهم ( استعمارية دولية إقليمية خارجية محلية )أن تمثل النبل و الوجاهة و التقدير و الإحترام علي حساب لغة المليار من أبنائنا ؟ من أعطاها ذالك ؟ ما هذا السطو علي حقوقنا الإقتصادية و السياسية و ملكتنا الفكرية ؟ أما تعيش اللغة الفرنسية حالا غبنا حقيقيا بفعل هيمنة اللغة و الثقافة الآمريكية :
أما تتحدث القوميات المختلفة في دولة فرنسا 183 لغة و لن تتمكن روابط هذه القوميات المختلفة من جعل لغتها تتقدم لتقترب من اللغة الفرنسية ؟
لماذا هذه الهيمنة الثقافية و الإمبريالية اللسانية التي تمارس علينا من طرفنا أو من طرف غيرنا ؟ هل نقصا لسيادتنا ؟ أم إرهاصات لتباشير مسيحية قادمة لا قدر الله ؟ أم نوع من النفي للغة العربية أو صراع حضاري صليبي ، علي قاعدة المثل أنه( لن يزول الإسلام ما لم يزل القرآن و مكة و اللغة العربية ) أم أن الضعف في هويتنا الوطنية هو مرد ذالك ؟ أم أننا ما زلنا شعبا و مجتمعا بدائيا و الفرنسية مثلا لغة القوي المستعمر
إن علي الدولة الموريتانية أن تعي مسؤليتها الكاملة في حفظ اللغة العربية ، آن لها ذالك آن لها أن تدرك أن كل التحديات و الإخفاقات في منظومتها التربوية مردها ما تعانيه اللغة هذه من هوة بين الذات و الحقل الثقافي و بين الدوائر الرسمية و الثقافية ، و قد امتدت تلك الهوة و الحركة إلي سياستها التنموية و التعليمية ، فعليها أن تضع ثقلها المعنوي و المادي و رهاناتها المستقبلية من أجل ردم هذه الهوة و تلك الفوارق و التناقض ما بين المعرفة و الذات لا سيما أن الدولة قدمت الكثير من الإصلاحات كانت اللغة العربية في أمس الحاجة لها من إعادة و دمج و ارتباط و ثيق العري و من أجل بعثها في الدوائر الرسمية ، فبلغت ووزعت ونشرت و عممت ذالك عبر كل قناة من قنواتها السياسية الإعلامية المؤسساتية إلي الرأي العام و النقابات المختلفة ، لكن ذالك لا يكفي ، فالهجمة غاشمة و التحدي كبير و الطغيان الثقافي الأجنبي مستمر استمرار السيل في المنخفض ، و لن يهدأ فالإنتهاكات ضد لغتنا الرسمية هي الصورة
و المشهد في المدرسة و في المكتب و في الصالونات في كل المنابر ، إلا أننا ندرك أن رئيس الجمهورية : محمد ولد عبد العزيز يضع بين يديه هذه المسألة ، و سيقوم كل اعوجاج يتعلق بذالك و نحن نلح و نطالبه من أجل الإسراع في إغاثة لغتنا ، التي هي بالنسبة لنا الغذاء و الدم و الروح ، و ما ضاع حق وراءه طالب
و نحن نطلقها صرخة مدوية مثلما أطلقها الشاعر المصلح : حافظ ابراهيم لنا الفال الحسن
و المثل الخير في ذالك .

رجعت لنفسي فاتهمت حصاتى و ناديت قومي فاحتسبت حياتى
رموني بعقم في الشباب و ليتني عقمت فلم أجزع لقول عداتى
و سعت كتاب الله لفظا و غاية و ما ضقت عن آي به و عظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة و تنسيق أسماء لمخترعات
فيا ويحكم أبلي و تبلي محاسني و منكم وإن عز الداء أساتى
فلا تكلوني للزمان فإننــــــــــي أخاف عليكم أن تحين وفاتى
أري لرجال الغرب عزا ومنعة و كم عز أقوام بعز لـــــــغاة
أدوا أهلهم با لمعجزاة تفننا فياليتكم تأتون بالكلمـــــــات
يطربكم من جانب الغرب ناعب ينادي بوأدي في ربيع حياتي
إلخ…………………………..

بقلم باب حدأمين الشنقيطي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى