
أعلن رئيس الوزراء السنغالي، أوسمان سونكو، أن بلاده “لم تعد بحاجة إلى صندوق النقد الدولي” .
الإعلان جاء بنبرة سيادية غير مألوفة في الخطاب الاقتصادي لدول غرب إفريقيا.
يشير هذا التوجه -حسب مراقبين- إلى بداية مرحلة جديدة من السياسات التنموية فى السنغال الهدف منها كما يتضح، فك الارتباط مع المؤسسات المالية الدولية.
الإعلان جاء خلال عرض قدمه سونكو، لخطة النهوض الاقتصادي والاجتماعي (PRES)، التي وصفها مراقبون بأنها تمثل تحولًا استراتيجيًا في مسار الاقتصاد السنغالي.
الخطة التي وُضعت تحت إشراف مباشر من رئيس الوزراء، تهدف إلى تعبئة أكثر من 6000 مليار فرنك إفريقي (حوالي 9.15 مليار يورو) خلال ثلاث سنوات، دون الاستعانة بالقروض أو التمويلات الخارجية المشروطة، وهو ما يضع السنغال أمام اختبار حقيقي لمدى قدرتها على تعبئة الموارد المحلية وخلق بدائل داخلية مستدامة. وترتكز هذه الخطة على تعزيز استغلال الموارد الوطنية، وتنشيط الصناعة المحلية، والرهان على رأس المال البشري السنغالي كركيزة للنمو الاقتصادي.
ولتأمين تمويل هذا المسار الطموح، أعلنت الحكومة عن حزمة من الإجراءات من بينها رفع الضرائب على التبغ، والألعاب الإلكترونية، وخدمات الدفع عبر الهاتف، إلى جانب فرض رسوم تأشيرة جديدة على غير الأفارقة، وبرمجة عملية شاملة لترشيد الإنفاق العمومي، وتحسين فعالية أداء المؤسسات الإدارية. وفي هذا الإطار، تم عرض أجندة إصلاحات إدارية جديدة تهدف إلى تحديث الخدمة العمومية وتعزيز الشفافية والمسؤولية.
يعكس هذا التوجه رغبة حثيثة لدى القيادة الجديدة في إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمواطن، وتحرير القرار الاقتصادي من تأثيرات الخارج، خصوصًا تلك التي ترافق برامج التكيف الهيكلي التي خضعت لها دول المنطقة لعقود طويلة. إلا أن هذه الطموحات، رغم مشروعيتها، ستصطدم بجملة من التحديات الواقعية، في مقدمتها حجم الاقتصاد غير المهيكل، وضغط النفقات الاجتماعية، والتأثير المحتمل لأي اهتزازات في الأسواق العالمية على اقتصاد ناشئ في طور التعافي.
في السياق الدولي، قد تكون لهذه الخطوة تداعيات دبلوماسية واقتصادية بعيدة المدى. فتقليص الاعتماد على التمويل الأجنبي، خصوصًا من الجهات التقليدية كصندوق النقد الدولي، قد يعيد رسم خريطة تحالفات السنغال، ويقوّض إلى حد ما النفوذ الفرنسي والمؤسسات الغربية في البلد. وفي المقابل، قد تفتح هذه الاستقلالية الاقتصادية الباب أمام شراكات جديدة مع قوى صاعدة مثل الصين وتركيا وروسيا، أو مع تحالفات إفريقية إقليمية تسعى إلى تنمية أكثر استقلالية عن النظام المالي العالمي التقليدي.
السنغال إذًا، في ضوء هذا الإعلان، لا تختبر فقط نموذجا اقتصاديا جديدا، بل تؤسس لرؤية سياسية تمزج بين السيادة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، في لحظة فارقة قد تكون حاسمة في تحديد موقعها ضمن الخارطة الإفريقية والدولية مستقبلا.