مقالات

عند ما يذهب الانفعال بأحلام الرجال

في هذا المقال سنقوم ما أمكن بتوضيحات حول مميزات أدب المناظرة و الحوار مناشدين و طالبين الفرقاء السياسيين معارضة و موالاة الإلتزام بعلم وأدب و سلوك الحوار بعيدا عن الانفعال و سفه الأحلام وستكون النتيجة مضمونة بحول الله
كما نرجو ا ألا يحضر هذا الحوار إلا من هو متميزا بل تتوفر فيه أهلية الرآسة ، وفي الحقيقة ليس عيبا أن تختلف في المواقف لكن عيبا أن نفترق أولا ننسجم أو لا نتحد بغض النظر عن ليونة الموقف أحيانا أو شده أحيانا آخر .
المهم أن نعطي النصيحة و الأمانة امتيازاتهما و نؤديهما دورهما في ما يصبوا إليه المواطن الموريتاني الذي يجب أن نعلم أننا إنما نعمل من أجل مصلحته أولا متشبثين بما قال الحكماء من قبلنا في أدب المناظرة و الحوار
إذا ما كنت ذا فضل و علــــم بما اختلف الأوائل و الأواخـــــــــــــر
فناظر من تناظره في سكون حليما لا تلــــــح و لا تكابـــــــــــــــــر
يفيدك ما استفاد بلا امتــنان من النكت اللطيـــــفة و النـــــــــوادر
و إيـــاك اللجـوج ومن يرائي بأني فد غلبـــت و من يفاخــــــــــــــــر
فإن الشر في جنبـــــات هذا يمـــــــــنى بالتـــــقاطع و التــــــــــدابر
كما يقول آخر :
تعالوا بنا نطوي الحديث الذي جـــري و لا سمـع الواشي بذاك و لا دري
تـــــــــــعالوا بنا حتي نعود إلي الصفا و حتـــــي كأن العهد لم يتـــــــــــغيرا
لقد طـــــال شرخ القال و القيل بيننا و ما طال هذا الشـــــرخ إلا ليقـــصرا
نبني اليوم تاريخ المحبة بينـــــــــنا عفي الله عن ذاك العتـــاب الذي جري
هكذا يجب علي الوطنيين المحاورين رؤساء أحزاب أو مسؤولين كبار أن يكون هذا لسان حال كلهم
-البحث عن الحقيقة :
علي المحاور أو الناصح الأمين أن يجعل من سياسته البحث عن الحق وأن يسبق حلمه جهله ويقظته غفلته فا لدخول مع الجاهل و الغافل في نقاش و حوار لا يفيد و عليهما ألا يتخذا الطمع و المصلحة الخاصة فلسفة و مطية و غنيمة ووسيلة في حوارهما بل يتخذا العدل و حب الوطن و الإيمان كل شيئ
علي المحاور كذالك الناجح أن يسبق كل المحاورين إلي تنفيذ مااتفق عليه . يجب عليهم ألا يتركوا الآراء تصادر
علي المحاور كذالك الناجح أن ينكر ذاته و يعلم أنه ليس في حلبة صراع رياضي . و لا في حرب من حروب الجاهلية
يجب عليهم حسن التقدير كما يجب عليهم حسن الدوافع:
إن شريعة الحوار و أدبه يتطلبان من المحاور أو المستشار أو الأمين أو الزعيم الناصح الإدراك بحسه البصير أن للرحمة منطقا هذه الرحمة التي قد يدرأ بها حد التهمة و خاصة التهم الخطيرة ، وهذا هو عين قوة الشخصية فلا يخاف من سخرية الساخرين من أصحاب الشخصيات الزجاجية التي تحطمها هبة نسيم و تؤلمها غمزة عين من لئيم .إن الحاقدين الحارسين مراكزهم يتولون كبر ذالك (( لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم و الذي تولي كبره منهم له عذاب عظيم ))
عندما يفشل الحوار يجب علي المؤمنين المحاورين إعلانا بذالك و إلا فالدائرة تدور و التاريخ سجل مكتوب فما أكثر ما تصنع الحقائق و ما أكثر ما يخسر المحققون بسبب الأغراض المشحونة بالمنافع الذاهبة بالحكمة سدا هذه الأغراض التي قد تكسب بها جولة لكنك قد تخسر بها رجالا ووطنا و مواقف مفيدة لا قدر الله و لو أحسنوا توظيفها لكان ذالك أنفع و أجدي .
– إن تاريخنا الموريتاني السياسي حافل بصور من هذا الطراز من الأدباء و القادة و الساسة خانهم ذكاؤهم للأسف و السبب هو الحلامة و سلامة الصور و عدم التنبؤ للمستقبل ووضع الحلول موضع اللحظة فتخلت عنهم حكمتهم و لم يغن عنهم علمهم شيأ فخسروا القضية : بينما الحق معهم و هنا نذكر لطيفة من لطائف و حكم المتنبي تذكرنا بهؤلاء
حضر المتنبي مجلسا فيه أبو علي الأمدي الأديب المعروف فأنشد المتنبي أبياتا جاء فيها :
* إنما التهنيئات للأكفاء * فقال أبو علي الأمدي التهنئة مصدر و المصدر لا يجمع !
فقال المتنبي : لمن بجانبه : أ مسلم هو ؟ فقال الذي بجانبه سبحان الله !:… هذا أستاذ الجماعة أبو علي الأمدي . فقال المتنبي : فإذا صلي المسلم و تشهد ، أليس يقول التاحيات لله ؟
قال : فخجل أبو علي
و لو أن المتنبي لما أثر الهدوء و الحوار و النقاش و المجادلة بالتي هي أحسن لتكدر المجلس و لم تتحقق الفائدة العلمية بعيدا عن الانفعال و الحدة و ضياع الوقت .
مر رسول الله صلي الله عليه و سلم بقبر وهو في طريقه إلي الطائف و معه أبا بكر الصديق فسئل عن صاحب القبر فقال أبو بكر هذا قبر رجل كان عاتبا علي الله و رسوله و هو سعيد بن العاص فغضب ابنه عمرو بن سعيد و قال يا رسول الله صلي الله عليه و سلم هذا قبر رجل كان أطعم للطعام و أضرب للسهام من أبي قحافة ! فقال أبو بكر يكلمني هذا يا رسول الله بمثل هذا الكلام ؟
فقال صلي الله عليه و سلم اكفف يا هذا عن أبي بكر فانصرف
ثم أقبل صلي الله عليه و سلم علي أبي بكر فقال يا أبي بكر إذا ذكرتم الكفار فعمموا فإنكم إذا خصصتم غضب الأبناء للآباء فكف الناس عن ذالك رواه أبو داوود
إن علي جميع المحاورين أن يعلموا أن البلاد والعبادة هما أحوجا لمنهج الحكمة في السياسة من منهج الصراع و الانفعال و القوة .
و علي الدولة أن تقوم بواجبها مادام الأمر يتعلق بشخصية الأمة لكن عليها الرفق و اللين في ذالك حسب الضرورة
-إن مسلسلات العنف و القتل و الاغتصاب و مشاهد الإثارة و كل الأنواع البشعة للجريمة المنظمة هي أمور جعلت من الدولة أن تقف حازمة في هذا العصر من أجل مواجهة هذه المشاكل الجديدة وعلي الفرقاء السياسيين أن يحرصوا علي هذه الأمور مثل ما يحرصوا علي الحوار و ما ينتج عنه و هو طبعا نتيجة آنية لا تقاس بالأمور المصيرية و النتائج النهائية العامة و الدائمة
إن الشر أصبح علي أعتاب البيوت لا قدر الله مطلق السراح حر التجوال يحمل رخصة أي سلاح لفعل ما يشاء مرة باسم الحرية
و مرة باسم الدين و مرة باسم الوطنية و مرة باسم الشعب و مرة باسم منظمة كذا و منظمة كذا و في النهاية الدولة محروسة
علي الفرقاء السياسيين أن يعلموا أن الانفعال لا يحقق أحلام الأوطان بل الراحة و الهدوء و السكينة هي معان أقرب إلي البناء
و التعايش و التراحم ، بعيدا عن الضوضاء و الهستيريا التي تخلق مناخا من القلق و التوتر كما تدفع بالفرقاء إلي التطرف و الانحراف و الصراع كحل نهائي لكل شيء و العكس صحيح
إن من يظن أنه مستفيد من زعزعة أمننا و سلمنا و تعايشنا هو ساذج . مهما كان السبب و المحرك ؟
ما هو الذي استفادته الشعوب والتنظيمات التي تتناحر اليوم و تتقاتل في كثير من البقاع ، فالدولار يرتفع ، و الذهب ينخفض و البترول يهوي ، و الإنقلابات تتوالي ، و الحروب الأهلية تأكل أرزاق الأهل في المنطقة ماذا ربح هؤلاء
صحيح أن ما يجري هو حاصل استبداد الحاكمين في هذه المناطق لكن تداعي سيناريو الأحداث يؤكد انزلاق الساسة و الفرقاء هؤلاء القلة الذين يروجون لمصالح ضيقة تحرك عرائش الحكومات هنا و هناك ، من دون أن يعوا الظروف و المشاكل
و في النهاية أرجوا من الفرقاء و الساسة في موريتانيا أن يعوا جيدا و يعلموا أن موريتانيا تختلف موريتانيا لا تكون و لن تكون إلا ملاذا و ملجأ وحرما آمنا هذا هو قدرها إن شاء الله كما نناشد الفرقاء جانب المعارضة تحكيم قول الله تعالي : (( يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله و الرسول و أولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلي الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر ))
كما أطلب من الساسة المحاورين جانب الموالات أن يحكموا قول لله تعالي : (( و الذين تبوؤ الدار و الإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون علي أنفسهم و لو كان بهم خصاصة و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ))

بقلم : باب أمين الشنقيطي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى