الأخبارمقالات

هل بيان جامعة الدول العربية يساوى قيمة الحبر الذى كتب به؟

اجتمع وزراء الخارجية العرب يوم الأربعاء الماضى الموافق للحادى عشر من شهر اكتوبر الجارى 2023 فى مقر جامعة الدول العربية التى تضم 22 دولة فى دورة استثنائية وليتهم ما اجتمعوا…

وقد اتجهت انظارالعديد من ابناء الدول العربية والإسلامية الى هذا الإجتماع متوقعين منه ان يصدر بيانا قويا يدين الإبادة الجماعية التى تقوم بها إسرائيل ضد اخوانهم فى قطاع غزة( غزة الشموخ والإيباء ) بل إن البعض – ونحن لسنا منه – كان يتوقع اتخاذ قرارات حاسمة وقوية داعمة للمقاومة الفلسطينية، لكن الذى حدث هو ان البيان المخزى والمعيب والفاضح – رغم تحفظ بعض الدول عليه – ساوى فى فقرته الثانية بين الضحية والجلاد بين ماقامت به المقاومة الإسلامية حماس التى تدافع عن ارضها المحتلة منذ سنة 1948 كما تدافع عن عرضها وشرفها وكرامتها، بل إنها تدافع عن عرض وكرامة المتخاذلين انفسهم – إن كانت بقيت لهم كرامة بعد تطاول كل من بايدن ووزير خارجيته – والإبادة الجماعية التى قامت بها ولاتزال تقوم بها الحكومة الإجرامية المتطرفة فى فلسطين المحتلة وريثة عصابات الهاكانا الصهيونية العنصرية المقيتة.

إن سبب عدم تفاؤلنا المشار اليه اعلاه يعود الى الواقع الأليم والمر الذى تمر به اقطارنا العربية التى تُكون مايسمى بالجامعة العربية

اوجامعة الدول العربية التى هي فى واقع الأمر اسما بلا مسمى.

مع أننى لا اشاطر رأي أولئك الذين يصبون جام غضبهم على الأمانة العامة للجامعة ويحملونها كل فشل اواخفاق، لأن اصلاح الأمانة يتوقف على اصلاح العلاقات البينية بين الدول التى تتكون منها وليس العكس صحيحا.

فينبغى ان لا نحمل الأمانة العامة اكثر من ما ينبغى ان تتحمله.

إننا اذاقمنا بنظرة تحليلية فاحصة ومتأنية لواقع دولنا المرير دون تحيز او محاباة اومجاملة اومزايدة سنكتشف واقعا محزنا يجعلنا لانتوقع من مجلس وزراء خارجية الدول العربية إدانة صريحة وقوية للكيان الصهيونى الغاشم ومن باب اولى اتخاذ خطوات ملموسة تصب في مصلحة الفلسطينيين ، ذلك لأن الدول العربية التى لها وزن سياسي وثقل اقتصادي واجتماعي وعسكري والتى كانت تمثل دوما الظهير القوى للشعب الفلسطينى قد عمد الغرب بقيادة امريكا وتواطئ حكامنا الى اشغالها بأمورها الداخلية واخراجها من المعادلة ،

فهي اما انها خرجت بسبب التدمير والإحتلال وقتل قادتها وإما انها خرجت بسبب التطبيع العلنى او الخفي وإما انها خرجت بسبب تطويقها بالقواعد العسكرية للناتو وإما انها خرجت بسبب الخوف والطمع معا وإما انها خرجت بسبب ذلك كله.

فنحن نرى ان ثلث الدول العربية تقريبا يطبع علنا مع دولة الكيان الصهيونى ومعظمها يطبع معها من تحت الطاولة وقلة قليلة جدا هي التى لاتزال تمانع يمكن ان نذكر من بينها سوريا والجزائر والكويت ولبنان وربما غيرهذه الدول ممن لست متأكدا منه على سبيل الجزم واليقين.

هذا من جهة ومن جهة أخرى نرى بنظرة سريعة فاحصة ان الجميع مكبل وخائف يترقب يرتجف من امركا وحلفائها الغربيين..يرتجف من قواعدها المنتشرة على اراضيه وبحاره والتى جاءت بحجة حمايته من خطر جار له قد يكون من ضمن اشقائه فتحولت تلك النجدة المزعومة الى قواعد احتلال لأرضه ومياهه ومصادرة لقراره خاصة بعد تهديد بايدن الأخير واعلان ابلينكن عن يهوديته ومساندتهما لهذا الكيان الغاشم المتغطرس وتسييرهما لحاملتي طائرات ومجوعاتهما المرافقة التدميرية.

وتلخيص ماسبق ذكره سنورده فى النقاط التالية :

1 – فمثلاجمهورية مصر العربية ، والتى هي اكبر دولة عربية ودائما تلقب بالشقيقة الكبرى تم تكبيلها بالتفاقيةكامديفيد واغراق كاهلها بالديون وفتات المساعدات التى هي بأمس الحاجة لها وشقيقاتها الغنيات لم تحررها من ربق تبعية الديون الغربية وفوائدها المكلفة مما جعلها تفكر مائة مرة قبل ان تتخذ قرارا داعما لمجاهدى حماس الذين تم تصنيفهم فى الغرب على أنهم ارهابيون … ومن يطلب منها اليوم فتح معبر رفح لنزوح الفلسطينيين الى شمال سينا لايفهم المخطط الصهيوامريكى، لأن الهدف من ابادة شعب غزة هو خروجه من القطاع وتصفية قضيته الى الأبد، فهذا لا نؤيده ولانقبل ان تُحل قضية اهل غزة على حساب اهل مصر هذا من جهة ومن جهة أخرى لانشاطررأينا الأصوات المطالبة بتدخل مصر عسكريا فى هذه الظرفية التى تُعربد فيها امركا امام سواحل مصر دون غطاء من كافة قادة الدول العربية ومدها بما تحتاجه من اسلحة وذخائر وغير ذلك مما يتطلبه الموقف من توفير كافة اللجوستيات عند الضرورة.

فدخول مصر للحرب وحدها يعنى التضحية بجيشها وتدميره وازالته من الوجود كما تمت ازالة الجيش العراقى والسورى والليبى من المعادلة ومع ذلك نطالب مصر وغيرها من شقيقاتها مد يد المساعدة اللوجستية من سلاح وغذاء وماء وكهرباء ودواء الى اهلنا فى غزة والمقاومة فى كل مكان وهذا هو اضعف الإيمان ، فمصر للأسف الشديد تطوقها من جميع الجهات القواعد الأمريكية فى الأردن وفى سوريا وفى العراق وفى كافة دول مجلس التعاون الخليجي وفى البحار والمحيطات وليس هنا من دولة عربية مستعدة او إن شئت قل جاهزة لمساندتها اذا مانشبت الحرب بينها والتحالف الغربى العدوانى الغاشم.

وكما تم تكبيل مصر بالتفاقية كامديفيد تم كذلك تكبيل كل من الأردن والسلطة الفلسطينية بالتفاقيتى وادى عربه وأوسلو مع أننى لا أرى مبررا يجعل السلطة الفلسطينية تتمسك حتى الآن بالتفاق أوسلو المشؤوم الذى ولد ميتا والذى تم انتهاكه والقضاء عليه عشرات المرات بل مائات المرات من قبل الإسرائليين فى عهد ابو عمار ياسر عرفات وفى عهد خليفته الحالى محمود عباس ابو مازن ، فكان ينبغى على ابومازن ان يحل السلطة الفلسطينية ويستقيل ويترك اهل الضفة يقاومون الإحتلال بدلا من ان يحولهم الى جنود يحرسون الصهاينة ويصهرون على مصالحهم.

2 – العراق الذى اصبح قريبا من تحقيق التوازن بينه والكيان الصهيونى البغيض تم تدميره ثلاث مرات:

الأولى فى بداية الثمانينات عندما فُرض عليه التصدى للعدوان الإيرانى مما مكن اسرائيل حينها من غزو لبنان واحتلال بيروت 1982 وتمكنها من تدمير مفاعل تموزالعراقي.

والثانية عندما أخطأ قادته باحتلالهم لدولة شقيقة وكانت تلك الخطوة الغير مدروسة والخاطئة هي القشة التى قصمت ظهر البعير واستغلها الشقيق القريب قبل الأجنبي البعيد لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية آنية وادراك ثأر قديم عجزت مواقف العراق المشرفة عن محو آثاره ونسيانه.

فبدلا من تحكيم قادة الأمة الكبار آنذاك لمنطق العقل والنظر الى مصلحة الأمة الاستراتيجية بعيدة المدى والتصدى لذاك التهور بحكمة تؤدى الى تحرير دولة الكويت الشقيقة واعادة الأمور الى مجاريها الطبيعية دون السماح بتدخل الأجنبي الذى احتل منذ ذلك التاريخ ارضنا واستباح اعراضنا وانتهب خيراتنا وسلبنا حريتنا وقرارنا عكس ما فعل قادة الأمة الكبار سنة 1963 كا الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ومن هم على شاكلته بعد ان احتل رئس العراق آنذاك عبد الكريم قاسم الكويت ، لأن التفكير عندهم كان ابعد بكثير من تفكير من اجتمعوا بعدهم بالقاهرة سنة 1990 عشية دخول القوات العراقية مدينة الكويت العاصمة حيث انصب تفكير بعضهم آنذاك على الإنتقام من صدام حسين وتصفية الحسابات معه بواسطة البوارج والطائرات الحربية وغيرها من اسلحة الدمار الغربية التى مافتئت منذ ذلك اليوم تفتك بالوطن العربى وتمزقه اربا اربا واشلاء بعد اشلاء.

والثالثة عندما ادرك الغرب ان تدمير العراق سنة 91 19لم يأت بالغرض المطلوب ولابد لتحقيق ذلك الغرض من استئصال الفكر الذى افرز تلك العقول التى صنعت ما يهدد ربيبته المدللة إسرائيل، فقام باحتلال العراق واستأصل قادته بعد ان سخر اشقاء العراق قواعدهم الجوية والبحرية والبرية لتدميره…فتم تدمير عراق العروبة والإسلام الذى كان فى يوم من الايام عونا وسندا لكل عربي وكل مسلم وتم تسليمه على طبق من ذهب الى إيران، الأمر الذى جعل اقوى قوة عربية اكثر استعدادا لنجدة اي قطر عربي يتعرض للمخاطر احرى الإبادة الجماعية كما يحصل اليوم للفلسطنيين تخرج عن المعادلة بسبب غبائنا واطماعنا الشخصية ورغبة بعض حكامنا فى اشباع رغباتهم الإنتقامية.

وكانت النتيجة المرة سيطرة أمريكا وحلفائها على المنطقة سياسيا واقتصاديا وعسكريا، اذ لم تبق دولة من دولنا فى الخليج العربي ولافى غيره الا وبها قاعدة اوقواعد عسكرية ومعسكرات برية مما يستحيل معه الآن تقديم اي مساعدة عسكرية للاشقاء فى عزة حتى لوكان حكامنا يريدون ذلك ويرغبون به.

وهكذا تقاسمت امركا وإيران الكعكة مما حدا بأحد نواب البرلمان الإيرانى التفاخر بأن ايران تحتل اربع عواصم عربية، هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.

3 – سوريا جاء الدور على سوريا لأن قادتها الجدد رفضوا الإشتراك فى عزو العراق واحتلاله سنة 2003 عكس دور اسلافهم فى اضعافه وتدميره سنة 1990/ 1991.

فقد تم تدمير سوريا وتقسيمها واحتلال اجزاء من اراضيها من قبل امركا وتركيا بمشاركة ومباركة من جل قادتنا وتم طردها من الجامعة العربية وانفق قادتنا طبقا لتصريحات حمد بن جاسم رئس وزراء قطر السابق مائات المليارات من الدولارات

فى تلك الحرب الأهلية سعيا لإسقاط الأسد الذى نجا بأعجوبة من السقوط والقتل والأسر بفضل الله ثم بفضل حلفائه الروس والإيرانيين واللبنانيين، لكن النتيجة التى سعى اليها الغرب واستخدمنا نحن لتحقيقها هي القضاء على قوة سوريا بحيث لم تعد تهدد اسرائيل التى استغلت تلك الأحداث واعتدت على سوريا من الجو مرات عديدة الأمر الذى اطلق يدها حاليا في ابادة الفلسطنيين وتهجيرهم من قطاع عزة دون ان تستطيع دولة عربية واحدة التنديد بتلك الأعمال الإجرامية ومن باب اولى تقديم الدعم والمساندة للفلسطينيين.

4- المملكة العربية السعودية، رغم انها منذ مايزيد على نصف قرن تعتبر حليفا لأمريكا ولولاها ماتمكنت من بسط نفوذها على الشرق الأوسط، الا ان ذلك لم يمنعها من ان تخلق لها مصيدة تستنزفها فيها ، فجعلت من الحوثى بعبعا ورطتها فى مجابهته كما ورطت الإمارات التى انسحبت مؤخرا من ذاك التحالف الذى يطلق عليه التحالف العربي الذى هو موجه للأسف الشديد لليمنيين وليس للإسرائليين ولا تزال المملكة التى ُُتعلق على قيادتها الشابة آمالا عريضة ترزح تحت وطأة حرب اليمن ومستنقع الحوثي ولم تسعفها امركا عند ما تعرضت منشآتها فى أرامكو لهجمات الحوثيين او الإيرانيين.

اما السودان فقد ادخلوه فى حرب اهلية مماجعله هو الأخرى خارج سياق نجدة الفلسطنيين.

هذا فى مايخص مشرقنا العربى، واذا تأملنا مغربنا العربي فإنه ليس بأفضل حلا، فليبيا تم تدميرها بواسطة حلف شمال الأطلسي وتم قتل قائدها إما بمشاركة من بعض قادتنا وإما بمباركة ذلك من البعض والبعض الآخر لايبالى ولا يدرك مايدور من حواليه…والنتيجة المرئية المؤلمة هي تمزيق ليبيا وتدميرها وتقسيمها بين حكومتين كل واحدة منهما تتبع لقطب من الأقطاب المتصارعة على النفوذ والسيطرة على العالم ، أما الجزائر والمغرب رغم اهميتهما سياسيا وعسكريا واقتصاديا الا ان مشكلة الصحراء شلت دورهما المفروض انه محوري وعطلت اي مساعدة جوهرية للفلسطنيين مع الأخذ بعين الإعتبار العلاقة القائمة بين المغرب وإسرائيل.

امابالنسبة للدول التى لم اتطرق اليها فإن ذلك لا يعود الى انتقاصنا من شأنها او من مواقفها وإنما لإدراكنا ان معظمها ان لم يكن كلها لايستطيع تقديم يد العون والمساعدة الا تبعا لشقيقاتها الاكبر عسكريا واقتصاديا وديمغرافيا.

الخلاصة المرة والحقيقة التى لاميراء فيها أننا دول محتلة تتحكم امركا فى قراراتها كما تتحكم فى اجوائها وقواعدها البرية والبحرية والجوية وكل ماله صلة بتسليحها وامة هذه حالها لايرجى من قادتها اصدار قرارات تغضب امريكا وربيبتها اسرائيل ومن باب اولى وزراء خارجيةها .

مع التأكيد على ملاحظة فى غاية الأهمية مفادها أن قادتنا منذو سنة 1990هم الذين فعلوا بنا ذلك وسببوا لأنفسهم الذل والعار والمهانة وفقد الكرامة ولا ادل على ذلك من تبجح الأمركين والاروبيين بمساعدتهم لإسرائيل جهارا نهارا وتهديد كل من يقدم يد العون والمساعدة للفلسطنيين من العرب او المسلمين ولم يتجرأ زعيم عربي اومسلم واحد حسب علمنا على ان يقول لأمريكا كفا تبجحا وغطرسة وإهانة.

النصر والعزة والشموخ للمقاومين الأبطال والرحمة والمغفرة لشهدائنا الأبرار… (إن ينصركم الله فلاغالب لكم ) وما النصر الا من عند الله). عاشت فلسطين حرة ابية وعاشت الأمتين العربية والإسلامية شامخة مرفوعة الرأس.

الدكتور المحامى محمد سيدى محمد المهدى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى