مقالات

سعادة الوزير د. مولاي ولد محمد لقظف رجل تحتاجه المرحلة / د. زين العابدين سيدي

كان حديثا أَشْهَى مِن “جَنَى النَّحْلِ في أَلْبَانِ عُوذٍ مَطَافِلِ”، و أعذب مِن مُلاطفة خليل تنكشف معه مؤونةُ التَّحفُّظ، و أَعْلَق بالبال من بوحٍ إلى من تبثه شكواكَ، ذاكَ الذي دار بيني و سعادة الوزير المبجَّل د. مولاي ولد محمد لقظف أيام كان الأمين العام لرئاسة الجمهورية في النظام السابق.

أشار إليَ مَن له عليَ ديْن لا يُقْضَى، و وِدٌّ لا يَكْدَى بضرورة لقاء سعادته، و أنه من سيرتب ذاك الأمر، و يكفيني الهمَّ و الوِزر، فأجبته لذلك بعد أن ذكر لي من جميل نعوت الرجل ما يثلج الصدر، و يخفف من بواعث رَشْحِ الجبين أمام أمثاله من علية القوم، و أرباب الجَبْر و اللوم.
لم ألبث طويلا حتى قُدِّر اللقاء، و ساعد القضاء، وضرب لي موعدا لا أخلفه أنا و لا هو مكانا سوى، فكان أن يَمَّمْتُ مكتبه بالقصر الرئاسي، ليس معي إلا وساوسي و أحلاما منسية، و ما إن وصلت باب سور القصر، أقبل إلي واحد من مجموعة العسكر، و سألني بعض المعلومات الشخصية، و بعد الإدلاء بها قال لي: أنت مَنْ أُخبرْنا من طرف مكتب سعادة الوزير فلان بتسهيل إجراءات وصولك إليه، و أمر أحد المدنيين معه بمرافقتي إلى داخل القصر، و هناك فتح باب المصعد، و أدخل رقم الطابق و ودَّعني، و ما إن وصلت الطابق المرموز، و فتح باب المصعد حتى ابتدرني أحدهم – كالذي يتحرَّى قادما اسْتخْبَرَ عن أوصافه – بالسؤال أأنت فلان؟ فأجبت بالإيجاب فقال لي مُتَلطِّفا تفضل بالجلوس بقاعة الانتظار دقائق معدودة حتى أخبر سعادته، و يخرج أحد زواره، و لم يطل ذلك حتى أقبل إلي مسرعا : سعادة الوزير يطلبك.

رتبتُ الثَّنْيَ من أكمام دراعتي، و أدرتُ سِوارَ ساعتي، و كأني أسمع نبض قلبي من تلقاء مؤشرها، أو يرتد من الجدران و أحجارها، فرفعتُ رجلي متثاقلا ميمما المكتب. عند بابه لقيت سعادة الوزير واقفا، و ابتسامته تسبق عناقه و سلامه، مرددا بين الحين و الآخر أخبرْنا عن حالك يا فلان “باسْمي” ، و كأن الرجل إلى لُقْيايَ بالأشواق، و كأننا خِلَّان شَطَّ بهما الفراق، مع أني ما قابلته، و لا عرفته قبل هذا اللقاء، فانكشف ما بي مِن ضبابية المجهول، و القابل المأمول .

أشار إلي بالجلوس تلقاءه، و افتتح الحديث بالسؤال عن محطاتٍ من حياتي كمراحل الدراسة، و التنقل و الترحال في مناكب الأرض، و في كل صورة من صور حياتي يشفعها بأخرى من حياته، و مع كل ذلك لا يفتأ يضرب مَثَلا مستملحا، أو بيتا من الشعر منتخبًا، أو موقفا مستظرفا، و أذكر من ذلك قوله بعد حديثنا عن الغربة و التسفار و أوبتنا إلى الديار :

لا بُدّ مِنْ صَنْعَا وإنْ طَالَ الْسَّفَرْ * ولو تَحَنَّى كلُّ عوْد ودَبِرْ

هذا البيت معروف لدى أهل صنعة النحو و الإعراب، و يُفرِّقون به بين صنعا قصرا و صنعاء مدا.
دار الحديث لمدة ساعتين أَبانَ الرجل خلالهما عن ثقافة تراثية واسعة، و اطلاع كبير على مختلف العلوم الحديثة، و الثقافات الراقية، و لم أشعر خلال هذا اللقاء أن مُحَدٌّثِي انتابه سأم أو اعترته مَلَالَة، و لم يقطع حديثي حتى قلت له: سيدي الوزير أخذتُ من وقتكم الكثير فقال لي على العكس إلا أنْ يكون بك إلحاحٌ من حاجة، أو ذهابٌ إلى غاية:

وَدَّعتُهُ وَ بِوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي * صَفوُ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودِّعُهُ

للتذكير هذا الرجل له مواقف مشهودة و بصمات محمودة، مَن منا لا يذكر تفانيَه في إخراج البلاد من عنق الزجاجة أيام الضيق و المحن، و الخروج بها إلى رحابة الأمان، و سعة العلاقات الطيبة مع الجيران و الدول الغربية التي تحفظ له مكانة طيبة، و تقديرا خاصا، مَن منا لا يذكر الإجماع الوطني عليه “موالاة ومعارضة” كرائد للحوار البيْني؟ علاوة على كونه مِن أنظف المسؤولين سيرة، و أحسنهم سريرة، و أعفهم نفسا، و أبيضهم كفا.

السيد الوزير ملاي ولد محمد لقظف رجل المرحلة، و تفقده البلاد كربان لسفينة تتقاذفها الآن أمواج العشوائية وعدم الدراية و الخبرة، و صمام أمان لكثيرٍ من الفتن التي تطل برؤوسها الشيطانية من كل مكان.
البلاد تحتاجه رئيسا للوزراء، أو في منصب سيادي يستحقه ” إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض و فساد كبير”!!!!!!!!!!

د. زين العابدين سيدي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى