مقالات

وجع الفقد / د. وفاء أبو هادي

. لیس باستطاعتنا تقییم مساحة الوجع لدى أي شخص فقد عزیز سواء قریب أو صدیق أو حبیب ، فذاك الشعور مؤلم ولا یُوضع في كفة میزان لیوزن معدلھ ، فھو من المشاعر المحال أن توصف أو تُحسب فیھا مسافات الألم
. وشعرت بھذه المشاعر في موقف مر بي عندما سمعت إحدى السیدات وھي تقول مخاطبة الطرف الآخر عبر الھاتف: لي أب یدافع عني ویأخذ حقي
ٌ كم كان لجملتھا وقع في قلبي تسمرت في مكاني لأحاول ان أسمع مكالمتھا التي كانت تطلبھا ، فضول كبیر سكن مع مشاعري وانا أتساءل یا ترى من ستحدث في حالتھا ھذه؟
! واذا بي اسمعھا تخرج كل وجعھا في كلمة (أبي) ، كلمھ واحدة حملت معاني الأمان في الكون كلھ ، لم أتمكن من سماع مكالمتھا كلھا فلقد كنت في عالم آخر من البحث عن الآمان المفقود لدي
.! وانتشلتني من بحثي بوصفھا لمكان تواجدھا وأقفلت الخط
، نظرت إلیھا واقتربت منھا فسلمت علیھا واستأذنت بالجلوس جانبھا
ٌ وبعد دقیقتین بادرتھا بسؤال لأصل لشيء في نفسي ، فقلت لھا : كل المنتجات متشابھة في ھذا (المول) ألیس كذلك ؟
اجابتني : لم یسعفني الوقت لشراء شيء فقد تكدر یومي
داھمتھا بسؤالي الذي كان یزلزلھ الفضول : خیر ان شاء الله .. لا تغضبي كل شي ولھ حل
ّ نظرت إلي وقالت : الحمد
لدي أب یسندني ولا یقبل بدمعة من عیني
ولن أُھان طالما رأسھ یشم الھواء اطال الله بعمره
.. كانت تتحدث عن والدھا وألم بداخلي لا تستشعره إلا من تفقد ھذا الاحساس ، واسترسلت في حدیثھا ولَم أكن أعي شي مما قالت سوى إحساسي بفقد كبیر لأمان وسند اتعطش لوجوده
و أفقت من شرودي على صوت رجل كاد قلبھ یخرج من بین جنبیھ
ِ طمئنیني ، ھل أنت ِ بخیر یا حبیبة أبیك
لا تھتمي لشيء في الدنیا وانا موجود
یا
.. كم كان الموقف كبیر على حروف توصفھ او ألسنة تعبر عنھ وھو یأخذھا بین ذراعیھ ویربت علیھا ویغادر برفقتھا ، واستشعرتھا كطفلة ذات الخمس سنوات لا سیدة یتضح انھا في نھایة العقد الثالث
لقد احتواھا الآمان فتجاوز السنین وتحدى الألم، وسكنت بداخلھا الطمأنینة
شعرت بشعور لا یوصف من الفقد والألم لفقدي ھذه النعمة
فوجود الأب قمة من الحیاة السعیدة حتى في الحزن تجده من یسند حمل الوجع لقلبھ لیحمي انكسار ابنائھ
وخاصة الفتاة كم تكون قویة بوجود أبیھا فشعورھا بالعزوة لا یماثلھ شعور سواء كانت بین إخوانھا او متزوجة
حتى علاقتھا بأخوانھا تكون ذات خصوصیة من التدلیل والإحساس بالراحة والمكانة الكبیرة لھا وما ان یرحل حتى تكون یتیمة مكسورة بینھم وإن كانت متزوجة أصبحت ضیفة غریبة إلا من رحم الله ، وھم قلة من یعوضون أخواتھم بعد رحیل
الأب
ھنیئاً لكل انثى سواء كانت صغیرة أو كبیرة بوجود صمام الأمان بحیاتھا والسند الذي تسند علیھ وقت تعبھا وھو والدھا
وان كان كبیراً بالسن فسیظل شمعة تنیر لھا عتمة حیاتھا وعزوة تسندھا وقت حاجتھا
ورحم الله كل من فقدتھ وأصبح وجع الفقد ھو المتعایش معھا مع كل موقف خذلان وكل ھم تواجھھ لوحدھا وكل خوف من كل من حولھا
. وصبراً لكل قلب انثى احتاجت ان تنادي (أبي) فأجاب صوت الفقد انھ قد رحل ولَم یعد لھا غیر بعض الذكریات التي أشعرتھا یوماً ما ، انھا كانت محط اھتمام رجل لن یكرر وھو الأب فقط
بقلم : د. وفاء ابوھا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى