مقالات

ماذا يمكن أن نتعلم من نظام التعليم في اليابان؟ الجزء السادس

11.ماذا يمكن أن نتعلم من نظام التعليم في اليابان؟
كما ذكرنا سابقا، لقد استوحي اليابانيون حب التعلم من الفلسفة الكنفوشيوسية إلا أنهم ترجموا ذلك الحب في تبني مبدأ “وا كون يو صاي” أي ” الخبرة الأجنبية مع الهوية اليابانية”. و انطلاقا من هذا المبدأ طالب الياباني نفسه بتعلم جميع العلوم الغربية لا من أجل تبنيها أو استخدامها بشكل أعمي بل من أجل تحسينها و تطويعها للثقافة اليابانية.
وهكذا فمن أجل الاستفادة من التجربة اليابانية ربما ينبغي علينا أن نتبني بشكل مبكر مبدأ “وا كون موريتانيا صاي” الذي سيفرض علينا تخصيص الوقت والجهد الكافيين للإطلاع على تفاصيلها بهدف تحسينها و تطويعها لثقافتنا و مجتمعنا.كما سيفرض علينا العمل بهذا المبدأ الإحاطة بالجانبين الإيجابي و السلبي لكي نستفيد من الأول و نتحاشي الثاني.
وقبل أن أبدأ بالجانب الإيجابي، أود أن أوضح للقارئ الكريم أن التركيز في هذه الفقرة سيكون على الجوانب التي أدخلناها على مستوي النصوص ولكن لم نفرض تطبيقها بعد أو الجوانب التي لم ندخلها أصلا في تجربتنا . وبناءا على ذلك سأتغاضى عن الجوانب التي تشترك تجربتنا مع التجربة اليابانية في تبنيها وفرض تطبيقها. كما أود الإشارة إلى أن ترتيب الجوانب التالية سيكون حسب أهميتها النسبية ولذلك أتوقع أن لا يشاطرني البعض هذا الترتيب.
1. نظرتنا إلى التعلم
على الرغم من أن ديننا الحنيف يحثنا في أكثر من آية قرآنية على التعلم و يبين لنا أهميته إلا أن مستوي التعليم لدينا لا يوحي بأننا اقتنعنا بأن التعليم هو الحل لكل المشاكل. فلا شك أن معظم من درس منا -سواء في المحاضر أو المدارس- قد حفظ الآية رقم واحد من سورة العلق “أقرأ باسم ربك الذي خلق” و الآية رقم 11 من سورة المجادلة ” يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات” والآية رقم 9 من سورة الزمر “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون…”.
إلا أن تقرير البنك الدولي 2008 يشير إلى أن مستوي الأمية لازال يزيد على 40 %. ومع ذلك فالنسبة المخصصة للتعليم الأساسي والثانوي من الميزانية العامة للدولة لسنة 2017 هي 10.2% بدل %15 إلى 20% المطلوبة حسب هدف التنمية المستدامة رقم 4. وفي ضوء هذه المفارقة المزعجة يجدر بنا أن نقتنع فعلا بمركزية التعليم و أن نتوقف عن التذرع بالمشاكل الاجتماعية و الاقتصادية والثقافية ونبادر إلى إيقاف الحنفية التي تأتي منها هذه الأوجاع أي (الأمية) بدل تركها تتزايد ومحاولة التغلب عليها بالطرق الخاطئة. وتذكرني نظرتنا الحالية إلى التعليم بمجريات اجتماع دار بين أحد رؤسائنا السابقين وبعض أساتذة الجامعة حيث سأل أحد الأساتذة السيد الرئيس عما يجب فعله في حالة اكتشاف أحدنا أن إحدى غرف بيته مليئة بالماء، فأجاب الرئيس بضرورة مبادرة غرف الماء من الغرفة غافلا عدم جدوائية هذا الإجراء إذا لم يتم إيقاف الحنفية التي يتدفق منها الماء. إذا، من أجل إيقاف تدفق حنفية الجهل والتخلف علينا أن نقتنع بأهمية التعليم وأن نشرع بشكل جدي و متواصل في اتخاذ الإجراءات التالية:
2.إعادة تقييم المنهج الدراسي
ثاني خطوة يجب القيام بها تتعلق بإعادة النظر في المنهج الحالي و تنقيته من كل النصوص والأنشطة التي تكرس الفوارق الاجتماعية و الاقتصادية و الفوارق المتعلقة بالنوع. وبدل ذلك يجب إدخال النصوص والأنشطة التي تكرس قيم التعلق بروح الانسجام ونبذ الصدام. هذه النصوص والأنشطة يجب أن تربي الأبناء على وجوب احترام الآخر رغم لونه وجهته ومكانته الاجتماعية و الاقتصادية. ويجب أن يدخل غرس هذه القيم في إطار النصوص التي تثمن الهوية الوطنية وتحث على استغلال الثروات الطبيعية للبلد. ومن بين التجارب المثيرة للإعجاب في اليابان دمج التعلق بالهوية الوطنية مع الثقافة العالمية. ففي إطار الأولي يدخلون الثقافة الغذائية في منهجهم ويصرون على تربية أبنائهم على استغلال الثروات المحلية حيث يتم تدريس الثقافة الغذائية من خلال خطة تتضمن دروس عن المنتجات و الوجبات المحلية وذلك ضمن دروس شؤون المجتمع وشؤون المنزل واللغة الانجليزية بالإضافة إلى نشاط سنوي يتمثل في أسبوع كامل لطبخ المنتجات المحلية. وفي نفس الوقت يتم تدريس الثقافات العالمية في مرحلة مبكرة ويعطون من خلالها أهمية بالغة لدراسة اللغات الأجنبية وزيارات خارجية في إطار تبادل الزيارات المدرسية.
****************يتواصل مع الجزء السادس إن شاء الله*****************
ملاحظة:
*** شكر خاص للدكتور البكاي ولد عبد المالك والدكتوراحمد ولد نافع علي القراءة التحريرية للورقة.
*** بإمكان القراء المهتمين بالتعليم واللذين لديهم أراء واقتراحات بخصوص هذا المقال أو بخصوص جوانب أخري من التعليم التواصل معنا علي البريد الالكتروني:elmoctar1969@yahoo.com

د. المختار ولد حنده-أستاذ محاضر-قسم اللغة الانجليزية- جامعة نواكشوط العصرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى