مقالات

كتابة التاريخ

في تسرع أقل ما يقال فيه إنه مريب، قررت موريتانيا فجأة في الأسبوع الماضي قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، الذي كانت تسميه بالأمس القريب “بلدا صديقا وشقيقا”. ترى هل تعرفون السبب؟ هل اعتدى علينا هذا “البلد الشقيق والصديق” ؟ هل قام بتمويل تمرد أو حركة مسلحة لزعزعة استقرار بلادنا؟ هل هاجمنا أحد قادته كلاميا؟ هل شنت قناة الجزيرة، التي يمولها، حملة ضدنا؟ هل كان أول من قطع العلاقات، حتى يتسنى لنا معاملته بالمثل؟ لا وكلا! لقد فعلنا ذلك ببساطة لأن المملكة العربية السعودية طلبت منا أن نسير على خطاها، في تصعيد خطير على استقرار هذه المنطقة من العالم. وبذلك فقد أقحمنا أنفسنا في دوامة لا نتحكم في عواقبها، وفي لعبة قوى عظمى لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وفي صراع على الزعامة لا يعنينا من قريب ولا من بعيد. وإذا كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين تتهم قطر بالسعي إلى تطبيع علاقاته مع إيران و بتمويل الإرهاب (لقد أصبحت حماس، فجأة، منظمة إرهابية) و بالعمل على زعزعة الاستقرار في العالم العربي، من خلال صوت قناة الجزيرة، فما لموريتانيا و لسيلم ؟ لقد أصبح قائدنا، غير المستنير هذه المرة بالتأكيد، يأتمر بأوامر و ينتهي بنواهي المملكة الوهابية وسرعان ما قبل قطع العلاقات مع قطر، الذي استقبل أميره استقبال الأبطال في الصيف الماضي بمناسبة القمة العربية ولم يكن سيء السمعة إلى هذه الدرجة. فقد حرص على تشريف تلك القمة بحضوره، خلافا لآخرين نلهث وراءهم الآن.

ألم يكن أكثر عدلا وحكمة أن نتوقف مليا قبل اتخاذ مثل هذا القرار الجذري؟ إن بلدانا صغيرة أفقر منا، مثل الصومال وإريتريا، طلبت منها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة قطع العلاقات مع قطر، مقابل جسر ذهبي، قد رفضت العرض بأدب. وقد أعربت الدولتان عن قلقهما أمام وضعية تمزق صفوف العالم العربي تمزيقا متزايدا، وطلبتا من هذه البلدان الشقيقة اختيار طريق الحوار والتشاور لحل النزاع.

ما كان المغرب، الحليف الإستراتيجي للمملكة العربية السعودية التي تستثمر فيه مليارات الدولارات، ليرفض بشكل طبيعي أي طلب منها. ومع ذلك فقد قرر “عدم السقوط في البيانات العلنية واتخاذ المواقف المتسرعة التي لا تفيد سوى تعزيز الشقاق و تعميق الخلافات”، حسب بيان صادر عن وزارة خارجيته. إنه موقف ملؤه الحكمة و العقل كان أحرى بأي دولة تتمتع بقدر أدنى من الحس السليم من التبصر أن تتبناه.

ما أبعد الزمن الذي استطاعت فيه دبلوماسيتنا برعاية المرحومين المختار ولد داداه وحمدي ولد مكناس، طرد إسرائيل من إفريقيا ولعبت دور الوسيط بين مصر عبد الناصر والصين واستدعت اجتماعا لمجلس الأمن في أديس أبابا لمناقشة مشكلة الفصل العنصري. وكان المختار، وهو رمز للإيثار، يحرص على شيء واحد فقط لا يغيب عن عينيه: مصلحة بلاده وعظمتها. وقد نجح، متجاوزا كل التوقعات، دون أي تفاوض ولا بيع أبدا لموقف قد يلحق الضرر بالبلاد التي وهب لها نفسه.

ما الذي سيحفظه التاريخ من النظام العزيزي ؟ التهديدات والتبجح أو الطعنات من الخلف والخيانات؟ يكتب كل شخص بالتأكيد التاريخ الذي يستطيع تدوينه. و لكن عندما يرفع المرء نفسه إلى ادعاء كتابة تاريخ أمة، يجب عليه للوصول إلى اسم العلم ـ التاريخ بصفته علما وجنسا – أن يتوفر على قلب سام فعلا و ذكاء وفكر حقيقيين، أو على الأقل، إرادة تحقيق ذلك. فهل يمتلك ولد عبد العزيز هذه الأخيرة فقط؟

أحمد ولد الشيخ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى